إيران تفاوض بلا شروط

مهند الحاج علي

الإثنين 2021/04/19

تبرز مؤشرات إلى احتمالات احراز تقدم في المفاوضات الإيرانية-الأميركية. أولاً، مراسل موقع "أكسيوس" الأميركي في إسرائيل ذكر أن جهاز الموساد بات يتوقع عودة إيرانية "خلال أسابيع" للاتفاق. وفقاً للتقرير ذاته، صرح مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان بأن محادثات فيينا بنّاءة وهناك جهود جدية لتحقيق الالتزام المتبادل بالاتفاق النووي.

وفي صلب هذا التقدم، تبدل في الموقف الإيراني. ذاك أن إيران، ومن دون ضوضاء، تنازلت عن شرطها الأساس القاضي برفع واشنطن كل عقوباتها قبل الخوض في المفاوضات. لم تُقابل واشنطن الجانب الإيراني بتنازلات سريعة، بل ما زالت على موقفها الأول، أي مطالبة طهران بالالتزام الكامل بما جاء في الاتفاق، قبل العودة الأميركية. وهذا الموقف جاء على لسان سوليفان، إذ أشار الى أن واشنطن لن ترفع العقوبات "إلا إذا كان لديها وضوح وثقة في أن إيران ستعود بشكل كامل لكل التزاماتها في اتفاق عام 2015. لكن من يضع معايير الوضوح والثقة؟ وهل سيكون الاتفاق تدريجياً لبناء الثقة؟

ومن غير الواضح إلى الآن ما اذا كانت واشنطن سترفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق فحسب، أم أنها ستكون شاملة وتجب كل مرحلة إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. والأرجح أن المفاوضات السرية بين ايران، من جهة، وبين الحلفاء أو الأصدقاء العرب لواشنطن في المنطقة، بوساطة عراقية، على ارتباط بهذه المحادثات. من الصعب بمكان الفصل بينهما، نظراً للتقارب الزمني بين شقي المحادثات، من جهة، وأيضاً لأن معالجات الملفات الاقليمية من الشروط الأميركية لأي مفاوضات.

كانت إيران ترفض بتاتاً البحث في النزاعات الإقليمية، لكن من الواضح الآن أن أي نتائج إيجابية للمفاوضات بين الولايات المتحدة وايران لن تكون خالية من تعهدات منفصلة بوقف التهديدات لحلفاء واشنطن، عبر اليمن والعراق أيضاً. وفي موازاة هذا التعهد، ستسير المحادثات اليمنية قدماً، بما يضمن عدم تصعيد كبير على المستوى العسكري.

على الأقل، هذه هي معالم المحادثات إلى الآن. ومن نافل القول إن التعاطي الإيراني مع المفاوضات أبرز عملانية إلى حد كبير، بعيدة عن التصلب الإيديولوجي الظاهر سابقاً، أي قبل الدخول في المحادثات.

يبقى أن هناك انتخابات رئاسية في 18 حزيران (يونيو) المقبل، وقد لا يحصل اتفاق قبلها، هل تنعكس النتائج سلباً على الاتفاق؟ تبدو الأوساط الإصلاحية أكثر ثقة لجهة الفوز بالانتخابات، إما مباشرة من خلال إسحاق جهانغيري النائب الأول لرئيس الجمهورية حسن روحاني، أو بشكل غير مباشر عبر "مرشح عقلاني" محسوب على المحافظين مثل علي لاريجاني الرئيس السابق لمجلس الشورى الإيراني الذي تولى لفترة الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

وفي حال عدم قبول ترشيح جهانغيري، يبدو احتمال دعم لاريجاني المؤيد للمفاوضات، أكثر ترجيحاً. رغم خلفيته العسكرية، أمضى الرجل زهاء عقدين في عالم السياسة، وكان من أول الرافضين لنهج الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي اختلف مع لاريجاني وباتا عدوين علنيين يتبادلان شتى أصناف الاتهامات. ويُشاع إن لاريجاني أراد الإسراع في ابرام الاتفاق النووي قبل سنوات عديدة، ذلك أن الرجل يعي الآثار الاقتصادية والمعنوية لإطالة أمد المواجهة. من الصعب تخيل انتصار لأحد مرشحي المحافظين، وهم كثر الى الآن، وبالتالي لن يكون للانتخابات الرئاسية أثر سلبي على المفاوضات.

كل المؤشرات تدل على العودة للاتفاق بعد أسابيع أو شهور قليلة، مع تبعات إقليمية لمثل هذا المنحى. والسؤال اللبناني، كالقضايا الإقليمية، مؤجل إلى حينها، بغض النظر عن الآلام المترتبة على هذا الانتظار الطويل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024