موسكو "تذل" أوروبا

بسام مقداد

السبت 2021/02/13
"دمل نافالني" ، الذي يزداد تقيحاً وألماً للكرملين ، منذ عاد المعارض الروسي ألكسي نافالني من رحلة علاجه في ألمانيا من التسمم منتصف الشهر المنصرم ، إنفجر بوجه رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل ، أثناء زيارته موسكو بين 4 و6 من الشهر الجااري . وقد وصفت BBC الناطقة بالروسية نتائج الزيارة بأنها "كارثة وإذلال" ، وقالت ، بأن السياسيين الأوروبيين والمتخصصين بالشؤون الروسية نادراً ما يظهرون مثل هذا الإجماع حول نتائج زيارة جوزيب بوريل إلى موسكو ، حيث يعتبرون ، أن محاولة بوريل "الجميلة" مد اليد إلى موسكو ، إنقلبت "فشلاً مخزياً". 

وقال موقع الإذاعة البريطانية ، أن بوريل توجه إلى موسكو في الوقت  الذي كان الإتحاد الأوروبي يناقش فرض عقوبات جديدة على كبار رجال الأعمال والسياسيين الروس ، كردٍ على ملاحقة المعارض ألكسي نافالني وقمع الإحتجاجات السلمية . وينقل الموقع عن خبير بالشؤون الروسية كتب في المجلة البريطانية "Spectator" مقالة قال فيها ، بأن كثيرين دعوا بوريل لإلغاء زيارته إلى موسكو ، لكنه ، "للأسف ، رفض الإنصات لأحد" . وبرأيه ، كانت هذه الزيارة المثيرة للجدل أسوأ ما شهدته دبلوماسية الإتحاد الأوروبي ، حيث تحولت إلى نصر ، "لكنه نصر للروس للأسف". 

وينقل الموقع عن التلغراف البريطانية وصفها الزيارة ب"المذلة" ، ونقلها عن مسؤول أميركي رفيع سابق في إدارة أوباما ، لم تذكر إسمه ، قوله ، بأنه لم يكن ينبغي على بوريل أن يذهب إلى موسكو ، من دون أن يضمن مسبقاً ولو نتيجة ملموسة ما . كما تنقل الصحيفة عن مسؤول أوروبي ، رفض أيضاً ذكر إسمه ، قوله ، بأن كلمة بوريل لم تكن جيدة ، ولم يعد للزيارة ، ولعب لافروف وفق قواعده ، وحصل على كل ما يريده . أما الزعيم الأسبق لحزب المحافظين إيان دنكن سميث ، فقد قال للصحيفة ، ودون أية دبلوماسية ، هذا مثال كيف يُقبِّل الإتحاد الأوروبي روسيا من الخلف. 

هذه الإنتقادات اللاذعة ، التي واجهت رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل لدى عودته من موسكو ، اضيفت إليها جلسة عاصفة للبرلمان الأوروبي دامت ساعتين ، وناقشت نتائج زيارة موسكو ، وإقترح خلالها أكثر من 80 نائباً إقالة بوريل من منصبه . ولذا قرر الرجل يعد عودته نشر مرافعة للدفاع عن نفسه في موقع ممثلية الإتحاد الأوروبي في موسكو . قال بوريل، بأنه قد عاد لتوه من زيارة "صعبة جداً" إلى موسكو ، قام بها من أجل مناقشة "الوضع الصعب" للعلاقات بين روسيا والإتحاد الأوروبي . ورأى ، أنه بعد  سنوات من تدهور هذه العلاقات ، إزداد الوضع سوءاً بسبب إعتقال نافالني وإدانته ، وما رافق ذلك من توقيف وملاحقة آلاف الأشخاص . وكانت الزيارة تهدف إلى التعبير المباشر عن إدانة الإتحاد الأوروبي الحازمة لهذه الأحداث ، ووفق مبادئ الدبلوماسية ، مناقشة التدهور السريع للعلاقات مع روسيا ، والإعداد لمناقشة هذه العلاقات في الإجتماع المقبل للإتحاد الأوروبي. 

واعتبر بوريل ، أن اللهجة القاسية للمؤتمر الصحافي مع لافروف ، وطرد الدبلوماسيين الأوروبيين الثلاثة (ألمانيا ، بولونيا والسويد) أثناء زيارته ، تشير إلى عدم رغبة السلطات الروسية الإستفادة من هذه الفرصة لإقامة حوار بناء مع الإتحاد الأوروبي . ويقول ، بأن الأمر لم يفاجئه كلياً ، لكنه يبقى حقيقة محزنة ، ليس للإتحاد الأوروبي فقط ، بل وللآفاق الإستراتيجية لروسيا نفسها . ورأى ، أن على الإتحاد الأوروبي تحديد موقفه من عواقب هذا الأمر ، ورسم السياسة المطلوبة في العلاقات مع روسيا ، وإنتهاجها بحزم ووحدة الصف. 

وبعد أن يحاول بوريل الرد على جميع إتهامات الأوروبيين له ، ولا سيما إتهامه ، بأنه سمح للروس باستغلال زيارته للإشتباك مع أوروبا ، لأتهم يتجنبون الإشتباك مع الإدارة الأميركية الجديدة ، يقول ، بأنه عاد من موسكو وهو يشعر بقلق عميق على مستقبل تطور المجتمع الروسي . وقال ، بأن إجتماعه مع لافروف والإشارات ، التي صدرت عن السلطات الروسية أثناء الزيارة ، تؤكد أن أوروبا وروسيا تبتعدان أكثر فأكثر عن بعضهما ، وأن روسيا تعتبر قيم أوروبا الديموقراطية تهديداً لوجودها . ويقترح إعتماد سياسة التشدد حيال روسيا ، وفرض عقوبات جديدة عليها ، ويقول بأنه ، إذا ما كانت أوروبا تريد أن يصبح العالم أكثر أماناً في المستقبل ، عليها أن تعمل بحزم الآن ، وأن تكون مستعدة لمخاطر معينة. 

في روسيا ، إعتبر المسؤولون والمواقع الإعلامية الموالية ، أن "الإذلال" ، الذي شعر به جوزيب بوريل مسؤولية أوروبا ، وليست روسيا . الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ، وعبر قناة التلفزة الروسية الرسمية  ، قالت ، بأن الأوروبيين أنفسهم يذلون بوريل ، ثم يقولون ، بأنهم يفعلون ذلك بسبب الإذلال ، الذي تعرض له في موسكو ، وتقول ، بأنه ليس من المفهوم أبداً كيف أذل بوريل في موسكو ، فقد خاض المفاوضات ، تماماً كما فعلت وزيرة خارجية السويد قبله بيومين . وتعتبر زاخاروفا ، أن الأمر كله يأتي في سياق حملة إعلامية جديدة ضد موسكو ، حسب صحيفة "Gazeta.ru". 

أشد ما أزعج الروس في زيارة بوريل ، هو مطالبته في محادثاته مع لافروف بالإقراج عن ألكسي نافالني ، ووقف الإعتقالات وملاحقات المشاركين في إحتجاجات نهاية الشهر المنصرم ، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم ، بما فيها إقتحام البيوت والطرد من العمل . وهذا ما اعتبره الروس تدخلاً في الشؤون الداخلية ، وخاصة مشاركة دبلوماسيين أوروبيين في الإحتجاجات الأخيرة . وكانت لافتة ردة فعل الكرملين على حادثة جوزيب بوريل ، فقد علق الناطق بإسم الكرملين على تصريحات بوريل بعد مغادرته موسكو وقال ، بأن المحادثات في موسكو قد شملت أكثر بكثير من موضوع تأييدهم لمن صدر بحقه حكم محكمة  (يتحاشى الكرملين ذكر نافالني بالإسم . فهو إما المدون ، أو هذا الشخص) ، حسب نوفوستي.

صحيفة الكرملين "vz" نشرت نصاً في 10 من الجاري بعنوان "الإتحاد الأوروبي شعر ب"الإذلال" في موسكو بسبب صممه هو" . قالت الصحيفة ، بأن الضجة ، التي أثارتها الزيارة "المذلة" للممثل الأعلى للدبلوماسية الأوروبية إلى موسكو ، لم تهدأ حتى الآن . فعلى مدى ساعتين في إجتماع البرلمان الأوروبي ، قام النواب بتوبيخ الدبلوماسي بوريل على زيارته إلى موسكو ، والضعف ، الذي أبداه في حديثه مع سيرغي لافروف . وتساءلت الصحيفة عن سبب ردة فعل البرلمانيين الأوروبيين "المؤلمة" إلى هذه الدرجة ، وعن مستقبل العلاقات بين روسيا وأوروبا. 

ونقلت الصحيفة عينها مساء 12 من الجاري تحذير لافروف للإتحاد الأوروبي من فرض عقوبات جديدة على روسيا ، كان قد شدد على فرضها جوزيب بوريل إثر عودته من موسكو . في مقابلة مطولة مع صحافي الكرملين الشهير فلاديمير سالافيوف في إطار برنامجه "مقابلة الجمعة" ، قال لافروف ، بأن روسيا مستعدة لقطع العلاقات مع بروكسل ، إذا أقدمت على فرض عقوبات تخلق مخاطر لفروع الإقتصاد الحساسة . وقال ، بأن روسيا لا تريد أن تعزل نفسها عن الحياة الدولية ، إلا أنها يجب أن تكون مستعدة لهذا الأمر  ، وذكر بالقول الروسي الشهير"تريد السلام ، إستعد للحرب".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024