"سيزر" و"طبيب العيون" الأمريكي

إياد الجعفري

الخميس 2019/05/30

لن نعرف يوماً، إن كانت مجرد مفارقة "قدرية" أن يكون "طبيب عيون" هو "سجّان" قانون "سيزر"(قيصر) الاميركي الذي يهدد نظام بشار الأسد، والسوريين الخاضعين له، بحصار اقتصادي غير مسبوق. لكن، ما نعرفه بشكل جلّي، أنه من المبكر بعد، سواء للمتحمسين للقانون، أو للخائفين منه، أن يجزموا بأنه بات على طريق التوقيع في البيت الأبيض.


السيناتور الجمهوري راند بول، الذي يحمل دكتوراه في طب العيون، كان الوحيد الذي غرّد خارج سرب حزبه، أثناء التصويت على قانون "سيزر" ضمن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قبل أيام. وكان إلى جانب، السيناتور الديمقراطي، توم أودال، رأس حربة معارضة القانون. رغم ذلك، كانت نتيجة التصويت لصالح نسخة معدلة من القانون، تتضمن إشارة إلى أن العقوبات على نظام الأسد بسوريا، ليست تفويضاً باستخدام القوة العسكرية ضد إيران.


الإشارة الأخيرة، لم تكفِ السيناتور توم أودال، الذي اشترط لتمرير التصويت، أن يكون هناك تصويت على تعديل يمنع ترامب من مهاجمة إيران، عبر عدم تمويل أي حرب عليها لا تحظى بموافقة مسبقة من الكونغرس. وكان ذلك التعديل، لو مرّ، كفيلاً بإسقاط قانون "سيزر" برمته، لأنه حينها لن يحظى بتأييد الجمهوريين في الكونغرس، الرافضين لإعطاء إيران إيحاءً بتقييد قدرة واشنطن على العمل العسكري، بصورة قد تشجع إيران على تصعيد استفزازاتها ضد الوجود الأمريكي بالمنطقة.


لكن قانون "سيزر" نجا من حبائل تلك "المكيدة التشريعية" التي حاكها السيناتور أودال، المهووس بمنع ترامب من جرّ الأمريكيين إلى حرب مع إيران. إلا أنها ليست إلا خطوة أولى، لتجاوز عتبة الموافقة بمجلس الشيوخ، التي ما يزال قانون "سيزر" يقف عندها، منذ أكثر من سنتين ونصف السنة. ويبدو أن الخطوة الأكثر جوهرية، هي تجاوز "لاءات" السيناتور الجمهوري، راند بول، طبيب العيون الذي أشرنا إليه آنفاً، والذي بات يُوصف في الصحافة الأمريكية بـ "سجّان سيزر"، نظراً لكونه حمل لواء تعطيل هذا المشروع، وعدم تمريره من مجلس الشيوخ، طوال السنتين الماضيتين.


مرة جديدة، تشاء الأقدار أن تطرح تساؤلات حول إنسانية أطباء العيون. فـ راند بول، دافع مراراً عن "زميله السابق في المهنة"، بشار الأسد، معتبراً أنه يحمي المسيحيين في المنطقة، مقللاً من فظاعة جرائمه. ومنذ بضعة أشهر، خرج بتصريحات احتفت بها وسائل الإعلام الروسية، مؤكداً على أن الأسد "انتصر"، وأن على واشنطن القبول بهذا الأمر الواقع والتفاوض مع الروس بخصوصه.


"طبيب العيون" الأمريكي، على غرار "زميله السوري"، متحمس شرس لـ فلاديمير بوتين. حتى أن السيناتور الراحل، جون ماكين، اتهمه بالعمالة لـ الكرملين.


ويبدو أن هذا "البوتيني" سيبقى العقبة الوحيدة، والرئيسية، أمام تمرير قانون "سيزر" من مجلس الشيوخ. فـ راند بول ما يزال متعنتاً.


لكن في مجمل ما سبق من تعقيدات، قد تكون هناك بارقة أمل، في نهاية نفق "سيزر" الطويل. إذ أن هناك جالية سورية – أمريكية، تعمل بجهد حثيث على اختراق هذه العقبة "التشريعية" التي تقف حائلاً دون حصول قانون "سيزر"، على توقيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. تلك الجالية، نفذت تحركات تستحق التقدير، عبر تواصلها المكثّف مع مُشرّعين أمريكيين متفهمين للمسألة السورية، ولضرورة وضع حد لجرائم نظام الأسد في سوريا. ونتيجة لتلك التحركات، فإن مُشرّعين أمريكيين يعتزمون القيام بـ "تحايل تشريعي" للالتفاف على تعنت "راند بول"، عبر طرح قانون "سيزر" للتصويت داخل مجلس الشيوخ، ضمن حزمة تشريعات أخرى. الأمر الذي قد يضطر "راند بول"، حسب طبيعة التشريعات المرفقة مع "سيزر"، إلى التصويت بالإيجاب.


في هذه الأثناء، في سوريا، وخارجها، ينقسم السوريون كما في كل قضاياهم، حيال قانون "سيزر". إذ يرى فيه بعضهم، أذىً سينال من الشعب، ولن يضرّ نخبة الأسد الحاكمة، على غرار ما حدث في حصار العراق أثناء حكم صدام حسين. فيما يرى آخرون أنه سيضعف قدرة نظام الأسد على المناورة السياسية، تحت وطأة الضغوط الاقتصادية، ويضطره في نهاية المطاف إلى تقديم تنازلات سياسية جدّية لتحقيق تسوية للصراع في البلاد.


وتبقى العقدة أمام قانون "سيزر"، مع "طبيب العيون" الأمريكي، صلبة. وستظل هناك شكوك حول إمكانية حلّها، ستحسمها أسابيع أو أشهر قليلة قادمة. في هذه الأثناء، يبقى "طبيب العيون" السوري، في مأمن. إلى حين.










©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024