فيروس كورونا وفيروز دلعونا

أحمد عمر

السبت 2020/02/15
قال لي السائق، وكان ينادمني على الطريق بين حلب وحمص، ربما كان يشكو لي همه، كما كان الحوذي في قصة "وحشة" لتشيخوف، يشكو لفرسه، ويصبُّ لي خبرته في حُفَر الطريق، وفي حفرِ راسي صباً: إن أخطر شيء على طريق السفر ليس الحفر، وإنما الحمار، الحمار على الطريق قنبلة موقوتة. وقال ذلك لأننا صادفنا حماراً أعزكم الله وأسقط جنابتكم ونظامكم.

 سنعود في ختام المقال إلى الحمار، لأني وعدتكم بشرح سبب تسمية الفيروس بالفيروز بالزاي وليس بالسين، فأخلفتكم، وأضلنا السامري، وقد  تكاثر السامريون، وكان السامري قد قبض قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول، لكن السامري العربي الحاكم الذي أضلّنا قبضَ قبضة من أثر الشيطان، وللباحث بسام جرار اجتهاد في تفسير هذه الآية تفسيرا جديدا ليس هذا محله،  نعود إلى سبب التسمية، ذلك لأني لا أحب المطربة فيروز، فكفَّرني صديق لي من قيادات الثورة السورية، يكتب في صحف قطر، لكن هواه مع ابن زايد، لأن ابن زايد يكره ابن تيمية، وسبب ذلك يا كرام أنه وقر في وجداني أنها مطربة بعثية، وكنت أُجبر على سماعها صباحاً، ويتصاحب ذلك مع قسوة المناخ، وحقد البشر والطائفية، ووعثاء السفر ووحشة الطريق، وكنت أسمعها أيضاً كثيراً عندما أقصد العمل، كرهاً، لا طوعاً، فلم يكن لدى السائق سوى كاسيت المطربة "فيروس" الذي يجلدني به كل صباح وهي تستغيث وتنادي: "وينون وينون"،  أي: أين هم؟ بنبرة عسكرية مروعة، ليس الفيروسات طبعا، ربما فيروسات الشوق، وهو نفس خطاب جوليا روبرتس، عفواً جوليا بطرس، وكانت أكثر أغاني فيروس جنائزية، لقد فقدتْ المطربة فيروس أهلها، وضاع شادي أيضاً، لا ردّه الله، لكن ابنها زياد تربية أمه، وبارّ بها ومغرور، وصناعة فينيقية. ومن ذلك أن محافظ إحدى المحافظات السورية أجبر الناس على سماع فيروز، حتى بائع جرّات الغاز المغشوشة، عليه أن يعلن عن بضاعته بفيروز، وليس بالقرع والطرق على الجرة وكأنها ناقوس صلاة الغائب المسيحية. وقال أحد الفقهاء في الأصوات والتأويلات وهو يسمع ناقوس جرة الغاز: المؤذن يؤذن خمس مرات في اليوم، والناقوس يدق على مدار الساعة، إما منادياً على جرّات الفارغة، وإما على جرّات الغاز المليئة الغالية المغشوشة، ويزعمون أن بلادنا ذات أكثرية مسلمة، ولو كان شعار العلمانية: الدين لله والغاز للجميع حقا وصدقا، لنجونا. غاز الطبخ وليس غاز السارين.

وكان صديقي عبد الكريم الذي دعاني إلى الصين، وهو صاحب فضل، يبدأ صباحه الثاني بالمطربة فيرو"س"، بينما يبدأ فجره الأول بالمنشاوي أو الحصري مثله مثل إذاعات الحكومات العربية قبل الربيع العربي، التي كان في أيامها شروق وغروب، ثم ما لبث الزمن أن دار حتى صار كالكرة، واتصل النهار بالليل ورأينا الويل، فهددتُه وقلت: قسماً بالله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يلد ولم يكن له كفوا أحد إن لم تكفّ عن تعذيبي بفيروز، لأشردنّ بنفسي إلى مدينة أووهان حتى تنفرد سالفتي كما انفردت سالفة  الناشط الدرعاوي أيمن الأسود، أو أهلك دون ذلك. الحق يقال إن أهل أووهان محاصرون، ويأكلون لحم الهررة والكلاب، لكنهم ليسوا مثل شعب الغوطة. هدّدته: سأقصد أووهان وأقتل نفسي بفيروز الكورونا، كما كنت أُقتل في سوريا بفيروز دلعونا، فسكت، ألا يكفي فيروز خيراً أنها ولدتْ ولداً اسمه زياد، وكدت أقول زياد الناقص، وكان يزيد الثالث بن الوليد الخليفة الأموي الثاني عشر الذي توفي بعد توليه الخلافة بقليل، فلم يدم حكمه أكثر من ستة أشهر، قد سمّي بيزيد الناقص، لأنه أنقص في أعطيات الجند، فما أهجى تلك التسمية. وصرنا نسمع مثل الحكومات العربية قبل الربيع العربي، ربع ساعة من ساعات اليوم الأربع والعشرين الحُصَري أو المنشاوي، وفي الثلاث والعشرين ساعة وثلاثة أرباع أسمهان وعبد الوهاب وليلى مراد وكارم محمود. وموفق بهجت وهو يغني: يا صبحة هاتي "الصينية". والهوا يا صبحا طاب. طبعاً في الأيام الخوالي من الكورونا.

 وقد ذكرتني أووهان المحاصَرة بمدينة حماة، وقطع طريق الثورة على الشعب. كنا نسافر ونقصد الشام، ونستمتع بمشاهد المدن السورية، وتمر الطرق من وسطها، فتعلم النظام صناعة الطرق الالتفافية، وما لبثت الصين أن صارت مثل سوريا، كلها حواجز، والصينيون يبحثون عن الإرهابيين والعراعير المصابين بفيروز كورونا وعجرم السارس، وتحجر عليهم، لكن لم نسمع ولله الحمد والمنّة أن صينياً مات من التعذيب أو بالسكتة القلبية. بالأمس شاهدتُ المخابرات الطبية الصينية تقتحم نادياً يلعب فيه الصينيون ألعاباً صينية مثل البلياردو، فحطمتْ الطاولات، وكان اللاعبون أتقياء مكمّمين، حتى لا يعدوا بعضهم إن كان أحدهم مصاباً، المشكلة أنه لا يمكن معرفة المصاب من السليم، "فنطفة" فيروز الكورونا لا تظهر على المصاب إلا بعد نصف شهر، وهي مدة الحمل والحضانة، الصين مثل نظام الأسد يحارب الحاضنة الشعبية.

 ذكرتُ في مقالي الأول، وهو بعنوان "فيروز الصين العظيم" من هذه المقالة المتسلسلة، أن الحكومة الصينية تسبق الشعب، على عكس البلاد العربية، فشعوب البلاد العربية تسبق حكوماتها التي تحكم منذ نصف قرن، ودليل ذلك الصبيّة اللبنانية البطلة ثريا طالب التي حجرت على نفسها، وكذلك حال المصريين، أما بشار الأسد، قاهر الدنيا، وغالب المؤامرة الكونية، فليس عنده سوى الطائرة الرئاسية، وهي لا تكفي لإعادة نصف الشعب السوري إلى سوريا حرصاً عليهم من الكورونا، الأنظمة العربية تحجر فقط على المصابين بفيروز الكرامة وجرثومة الحرية.

 الحكومة الصينية تتصل بنا كل يوم في المجمع السكني المحاصر، وقد أطلقت في السماء طائرات الدرون، التي تخاطبنا مثل أفلام الخيال العلمي، وتقول بعد ترجمة كريمة بتصرف من عبد الكريم: أنت يا أبو ريشة الصيني ابعد عن بعضك، التجمع ممنوع، وأنت يا أم أحمد الصينية، عودي ع ديارك عودي ما بو بالزرع شميّل، وتقتبس الدرونات من الكتاب الأخضر الذي ألفتّه الصهيونية العالمية، كما يتذكر المقريف في شهادته على العصر، قول القذافي: من تحزب خان. وقاست عليه: من تفيرس خان.

 وزعم عبد الكريم الذي يعرف الصينية أن الدرونات قالت أمس: من دخل بيته فهو آمن، ومن رفع صورة بشار الأسد على بيته فهو آمن، ومن عاد إلى حضن الوطن فهو فاطس".

 وهناك روبوتات لا تعرف العلوي من السّنّي، تفحصنا، وتحذّر الناس من ارتفاع الحرارة، وتنبهنا إلى التبليغ عن كل خائن مصاب، عفواً أيها السادة ما زلت أتحدث باللغة السورية، فأنا مصاب بالكورونا السورية، وأنا أهذي، ومدينة اييو ليس فيها سوى 14 حالة، كما تزعم الحكومة الصينية ، ونظن أنهم بالملايين، ممنوع أن يدخل المدينة سوى أهلها، مثلها مثل القنيطرة المحررة، التي زعموا أنها محررة، واحتفلوا وألّفوا الأغاني، لكنها مصابة بالكورونا منذ سنة 1973، وقد نجحت إجراءات العزل الصينية، ونحن الوافدين علينا أن نخرج للتسوق مرة كل يومين مع ثلاثة أشياء حتماً مقضياً: جواز السفر، رقم الجوال، وكمامة، من يعطس سيذهب وراء الشمس وفوق القمر.

  وقد دعت الحكومة أهالي أييو الغائبين للعودة لأنها مدينة صناعة وكلهم "غربتليه"، وغربتليه تصريف تركي لوصف الغرباء والوافدين، وهو شائع في سوريا، وقد تعرضت الصين إلى خسائر مماثلة لخسائر سوريا الاقتصادية، أما الخسائر البشرية والحضارية، فلا تعوّض..

  الصينيون يحجرون على المندسّ المصاب، ويضعون حرساً على بيته، والحرس يخدمه، والحرس الصيني يشتري للمصابين ما يرغبون، وقد جاءت طائرة ركاب من إحدى الدول، وكان بينهم مصاب بالكورونا، واستطاع الصينيون الوصول إلى جميع ركاب الطائرة عن طريق السجلات واعتقلوهم، عفواً حجروا عليهم صحياً، كما فعلت سوريا مع شعبها منذ أن تولى الأسد الكورونا سدّة الحكم السوري. ألم تروا صورة ابن الرئيس الصيني على السيارات مكتوب عليها: هكذا تنظر الأسود، مع أنه يضع نظارة شمسية تستر نظرته الثاقبة مثل الرمح!

 وعند دخول المرء السوبر ماركت الصيني، تُفحص درجة حرارته، فإن كان علوياً سمحوا له بالدخول، وإن كان سنّياً حجروا عليه، بفتوى ابن تيمية الصيني. ولم يُعرف سبب تجريم ابن تيمية في الفكر الصيني مع أنه بطل قضى حياته بالسجون والأسفار والكتابة، وهو أكثر علماء الإسلام تأليفاً على الإطلاق، وحارب التتار على ظهر حصانه، واستشهد، ولم يكن للبوطي، آخر الشيوخ المدللين في سوريا، سوى اعتراض على مسألتين من فقه ابن تيمية، وعندما أعلن البوطي ذلك، استشعر النظام ارتفاع حرارة البوطي فقتلته، كما نظن، والله أعلم بمن قتله، ولابن تيمية قول شهير يصلح أن يكون شعاراً، وهو: (ما يصنع أعدائي بي؟ جنَّتِي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارِقُني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة).

  تذكرون أيها السادة، إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، وأن أولى الصفحات كانت بعنوان الثورة السورية في الصين، وذكرتُ لكم أن الطعام وافر في الصين، من غير بطاقات ذكية، فالبطاقة الذكية في سوريا ليست بطاقة للإذلال الصافي والحجر الاقتصادي وحسب وإنما هي بطاقات للتجسس والرقابة، وقياس النبض، وتوهين القدرة الجنسية، وكل خوف يعطل الباه، وبث الخوار، وزرع حب الرئيس في النفس الأمارة بالسوء.

  قال لي السائق: الحمار على الطريق قنبلة، ولو صدمه السائق، فإن السائق هو الذي يلام وليس الحمار، الحمار له حصانة مثله مثل نواب مجلس الشعب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024