وحوُل تركية في "درع الفرات"

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/05/13
هذا الصيف، وتحديداً في 24 آب (أغسطس) المقبل، تحل الذكرى السنوية الثالثة لإنطلاق عملية "درع الفرات". حينها، قاتل الجيش التركي بمؤازرة من فصائل موالية أو صديقة في الجيش الحر، تنظيم "داعش"، ولاحقاً "قوات سوريا الديموقراطية" في مناطق الشمال السوري.

كان الهدف الأساس مواجهة التنظيمات "الارهابية" التي تُهدد أمن تركيا من الشمال السوري. التركيز الأولي حينها على "داعش"، مثّل حُجة مفيدة لانطلاق العملية، وما زال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستخدم هذه المواجهة المباشرة دليلاً على التزام أنقرة مكافحة الإرهاب. قبل أسبوع، ذكّر الرئيس التركي حلفاءه المفترضين في اجتماع مجلس شمال الأطلسي (الهيئة الأساسية في الحلف الأطلسي)، بأن تركيا هي الدولة الوحيدة (في الناتو) التي هزمت "داعش" وجهاً لوجه. وهذا التذكير، تماماً مثل السياسة التركية في الشمال السوري، يخدم الهدف الأهم، وهو أن على الحلفاء ومنهم الولايات المتحدة، مؤازرة تركيا في مواجهة قوات سوريا الديموقراطية، لإكمال المسار. بإختصار، أم المعارك هي ضد "قوات سوريا الديموقراطية"، وأي مواجهة ثانية هي فرعية، أكانت مع "داعش" أو الموالين للنظام أو "هيئة تحرير الشام" وأخواتها. حتى التحالفات والتفاهمات الدولية مع الولايات المتحدة وروسيا ومعها النظام (وهو اللاعب الأصغر)، تمر من بوابة مواجهة الأكراد.

منطقة "درع الفرات" و"غصن الزيتون" ستتسع باتجاه الأكراد. هذا واقع لا محالة. طبعاً الهدف الأساسي هو احتواء المشروع الكردي، لكن ضمن سياق توسع غير مفهوم. ذلك أن تُركيا تربط بين هذه المنطقة من جهة، وبين الداخل التركي من جهة ثانية، إذ بات المواطن السوري هناك يتعامل بالليرة التركية ويُرسل أبناءه إلى مدارس تُدرس اللغة التركية، ومن ثم إلى جامعات الداخل التركي. لماذا تبذل تركيا كل هذا المجهود، إذا كانت ستُسلم المنطقة لاحقاً للجانب السوري؟

الأرجح أن منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" باقيتان في دائرة التأثير التركي، على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة. التحدي الوحيد في المنطقة هو الاستنزاف. إلى أي مدى بإمكان تركيا والقوى الموالية لها الصمود أمام حرب استنزاف طويلة الأمد يقودها معارضون أكراد؟

تُواجه تركيا اليوم تحديات أمنية على 3 مستويات.

أولاً، يشن مسلحون أكراد عمليات ضد القوات التركية والميليشيات الموالية لها، تحت مسمى "قوات تحرير عفرين". وكما يحصل عادة في عمليات الاستنزاف والمقاومة، تحتاج أي قوة عسكرية الى استراتيجية مدنية موازية لكسب عقول وقلوب السكان، وهم في هذه الحالة أكراد في مجتمع عربي-تركماني-كردي. وتكمن أزمة الأتراك في أنهم غير قادرين على ضبط ميليشياتهم وصراعاتها الداخلية، إذ يرد هؤلاء الأخيرون على أي اعتداء، بإجراءات تطال أحياناً المجتمع الكردي، وتزيد تهميش الأكراد بدلاً من استقطابهم. وهذه الدائرة المفرغة للصراع غير التقليدي، تُعيد تدوير العنف، وتزيد من وتيرته.

ثانياً، يُواجه الأتراك تحدياً أمنياً على ارتباط بالتوترات بين الفصائل الموالية نفسها. غالبية سكان المنطقة ليست من أبنائها الأصليين، إذ باتت تضم الشامي والحمصي والحلبي والعشائري والمحافظ، والكردي والعربي والتركماني. هذا الخليط لا يُنتج حالة عسكرية ومجتمعية منسجمة، بل يُمثل عبئاً في زمن الحرب. جزء من حالة التفلت الأمني ناجمة عن العنف بين هذه الفصائل نفسها.

وأخيراً، تُواجه تركيا تحدي مواجهة "هيئة تحرير الشام" واحتواء النفوذ الجهادي المتفلت في الشمال السوري. هذا التحدي بالإمكان أن يتسرب الى المنطقة التركية، ويزيد من الأعباء الأمنية لأنقرة، سيما أن عداء تركيا بات جزءاً من حلقة الصراع بين الفصائل الجهادية في إدلب.

كل هذه التحديات تزيد من وطأة العبء السوري على أنقرة. قد ينجح الجيش التركي وحلفاؤه في التوسع باتجاه المنطقة الكردية شرقاً، وقد يؤمن الحدود التركية أيضاً. لكن الواضح اليوم أن المعركة لا تنتهي هنا، والاستنزاف ليس نُزهة، ويحتاج الى عقل وصبر لا يملكهما من يُواجه تحديات ملحة في الداخل قبل الخارج.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024