"بروفا" الانهيار الأمني

مهند الحاج علي

الإثنين 2020/06/15
منذ احتجاج السادس من حزيران (يونيو) الماضي، وما تلاه من توترات واشتباكات، تتكشف صورة للترهل الأمني الحاصل والمتواصل نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية. ذاك أننا اليوم أمام مسارين أمنيين سيلتقيان في نقطة انكسار أمنية يصعب معها وقف الخراب. المسار الأول هو الانخفاض المستمر في قيمة رواتب عناصر الأمن (باتت تتراوح بين  300 دولار للعنصر، و500-600 دولار للضابط، إذا احتسبنا الدولار بخمسة آلاف كما وصل في ذروته، ويُتوقع أن يعود). في المسار الأول، السؤال الأهم هو متى يُقرر العنصر الأمني عدم المخاطرة، ويُفضل إما الوقوف على الحياد أو البقاء في المنزل مع عائلته لحمايتها، أو خيار ثالث في فترة لاحقة من الأفضل عدم التفكر فيه. طبعاً، العامل الأساسي هنا هو الراتب الذي سيتراجع أكثر فأكثر. لكن هناك عاملاً آخر بالأهمية ذاتها، وهو ارتفاع منسوب أعمال العنف والجريمة، وهو حاصل أيضاً. بيد أن عدد قتلى وجرحى الجيش وقوى الأمن إلى ارتفاع، نتيجة أعمال العنف المرافقة للجريمة هذه الأيام. هذا حصل في تحرير 23 رهينة سورية في بلدة بريتال البقاعية، وحدث قبلها في حوادث مخفر الأوزاعي وفي جرود الهرمل (قتل عناصر من الجيش في مواجهة مع عصابة مخدرات). 

هذا هو المسار الثاني، أي ارتفاع منسوب العنف، والمخاطر في فرض الأمن والحفاظ عليه. والاشتباكات التي حصلت في السادس من حزيران الجاري، وما تلاها من توترات أمنية وأعمال شغب، تُضاعف المخاطر أمام الجسم الأمني في لبنان، وتُعزز وتيرة الانهيار.

كشفت اشتباكات ذلك اليوم عن خريطة "الأمن الذاتي" التي تتوزع غالباً على أحزاب كانت تُسيطر بشكل كامل على المناطق ذاتها خلال الحرب الأهلية. لكن اللافت كان ظهور مجموعات إسلامية في اشتباكات بيروت وعمليات قطع الطرقات في أكثر من منطقة. واللغة الطاغية في خصوص "الأمن الذاتي"، والتي حملها اجتماع نواب الأشرفية يوم أمس، يُوحي بمزيج من الاعتماد على قوى الأمن والجيش من جهة، وبين الحديث عن قدرات محلية (جاء في بيان نواب الأشرفية أن هذه المنطقة "كانت وستبقى ركيزة المقاومة اللبنانية وسيكون أهلها بالمرصاد لكل محاولة عبث بأمنها أو إعتداء عليها من أي جهة أتت").

طبعاً، يأتي هذا الحديث عن "المقاومة اللبنانية" في إطار السعي لاستعادة لغة الحرب الأهلية وعصبياتها، والتحفيز على الدفاع عن المناطق. وغالبية المناطق التي باتت "محاور" اشتباك هذه الأيام، إما باتت مسلحة أو يصلها السلاح. ذلك أن الحديث في لبنان متواتر عن نشاط غير مسبوق في سوق السلاح على وقع زيادة الطلب مع بوادر التفلت الحاصلة حالياً. منذ متى يحتاج "حزب الله" وحركة "أمل" الى اغلاق منافذ منطقة "خندق الغميق" وغيرها، من أجل ضبط مناصريهما؟ كانت كلمة واحدة من "السيد" أو "الأستاذ" تكفي لكبح جماح الأنصار ووقف مواكبهم.

الواقع أن للإنهيار الاقتصادي وقعاً غير حميد على قدرة الأحزاب على ضبط شارعها والمجتمعات الموالية لها. وقريباً جداً ستُضطر بعض الأحزاب الميليشيوية، وما أكثرها، إلى الإختيار ما بين ضبط الوضع الأمني في مناطق سيطرتها ونفوذها، وبين منع "الغزو" كممارسة تُخفف من الإحتقان الداخلي.

والفاصل الزمني بين الوضع الحالي وبين هذا التردي الأمني، ليس بالكبير، سيما لو أخذنا في الاعتبار استعداد القوى المختلفة للنزول على الأرض وتهديد الآخر بالشارع والأمن الذاتي، واحتمال تسجيل الدولار ارتفاعاً سريعاً في ساعات قليلة، والهامش الواسع للخطأ في جمهور المتظاهرين. الانكسار الأمني سيكون وليد لحظة تلتقي فيها كل هذه الاحتمالات والعوامل، ويُصعب العودة لما قبلها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024