متى يهاتف روحاني ترامب؟

حسن فحص

الأحد 2019/05/12
قد تكون القيادة الايرانية الجهة الاكثر تحت تأثير الصدمة من المسار الذي وصلت اليه الامور بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية، فهي لم تمر في ما يشبه هذا المستوى من التوتر حتى في اصعب الظروف التي مرت بها العلاقة بين البلدين على مدى العقود الاربعة الماضية، التي شهدت مسارات من المفاوضات العلنية او السرية، كما في المفاوضات التي سبقت القبول بقرار مجلس الامن رقم 598 الذي انهى الحرب العراقية الايرانية، او تلك المتعلقة بترتيبات ما بعد احتلال افغانستان، مرورا بتنظيم العلاقة بينهما على الساحة العراقية منذ احتلاله عام 2003، وليس اخرها الاتفاق النووي عام 2015.

وعلى الرغم من ان هذه القيادة لم تسقط ضرورة الجلوس والحوار المباشر مع واشنطن في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي،  الا ان عوامل داخلية كثيرة على علاقة بالصراع بين اجنحة النظام ومراكز القوى داخله، عرقلت هذا المسار ونقلت النقاش فيه الى جدل بين حصره في الحوار من اجل الضرورة وبين الحوار من اجل اعادة العلاقات الثنائية على اسس جديدة.

لكن الخطوات التي قام بها الرئيس دونالد ترامب منذ اعلان الانسحاب من الاتفاق النووي والاجراءات التصعيدية التي لا تتوقف، احرجت الاصوات الداخلية التي راهنت على امكانية احداث خرق في جدار الممانعة لاي حوار او علاقات، الا ان العقوبات والتلويح بالحرب والمحاصرة واستعادة الخطاب القديم لواشنطن بالعمل على تغيير سلوك النظام الذي سيؤدي حتما الى تغييره جذريا ، أسقط في يد الادارة التي قادت المفاوضات النووي برئاسة حسن روحاني امكانية الرهان على فتح هذه الثغرة والانتهاء من حالة العداء من دون ضرورة الانتقال الى الصداقة.

وتتهم ايران الرئيس الامريكي بأنه نقل الجدل معها الى مرحلة متقدمة، لم يعد بمقدورها التغاضي عن مفاعيل اي خطوة باتجاه الحديث عن حوار على اساس متكافئ، لا بل انه اغلق الباب ايضا امام اي دور ممكن للدول المشاركة في صياغة ورعاية الاتفاق النووي بما فيها الاتحاد الاوروبي على لعب دور فعال ومؤثر في تحسين العلاقات بين طهران وواشنطن.

تدرك طهران ان الخيار الذي يسعى وراءه الرئيس الامريكي لا يمكن ان يكون الحرب التي تتعارض مع مبدأ فاتورة الدم التي لا يحبذها، مرجحاً خيار اجبارها على الجلوس الى طاولة المفاوضات. لكن المفاوضات التي يريدها ترامب هذه المرة، لن تكون بالشراكة مع اطراف اخرين، بل مفاوضات مباشرة بين الجانبين. من هنا يأتي كلامه عن انتظار اتصال هاتفي من الجانب الايراني يعلن فيه الموافقة على التفاوض المباشر ومن دون وسطاء، للتفاهم على اتفاق جديد يكون بالنسبة له افضل من الاتفاق الذي عقده سلفه باراك اوباما ويجبر طهران فيه على تقديم تفاهمات حول برنامجها الصاروخي ونفوذها الاقليمي.

اللعب المتبادل على حافة الهاوية هذه المرة، يترافق مع مسلمة واضحة وهي انه كلما اتسعت الهوة بين طهران وواشنطن، او تأخر الطرفان في الاستجابة لمنطق الحوار الذي يفترض معادلة التنازلات المتبادلة، فان الوضع الايراني سيصبح اكثر تأزما وستزداد العزلة وستتسع دائرة الضغوط في البعدين السياسي والاقتصادي.

واذا ما كان الرئيس الايراني حسن روحاني قد حاول رسم معادلة اي حوار مرتقب بين بلاده والولايات المتحدة، معيداً التأكيد على مبدأ رابح – رابح والا فان الطرفين سيخسران، فان طهران على ما يبدو ليس في نيتها تقديم تنازلات من طرف واحد للجانب الامريكي، ان اي بادرة تفاهم او حوار لا بد ان يسبقها سحب الشروط الاثني عشر التي سبق ان اعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو كمقدمة للجلوس الى طاولة التفاوض المباشر.

قيادة النظام الايراني وادارة روحاني تدرك جيدا ان العامل الاساس الذي سيجبرها على قبول التفاوض مع واشنطن لا يمكن ان يكون العامل العسكري، بل انها ستدخل في المفاوضات تحت ضغط العامل الاقتصادي ومصيرية الخروج منه لبقاء النظام واستمراريته، الامر الذي لمح له الرئيس الامريكي في حديثه عن احتجاجات مطلبية تشهدها ايران جراء ضغط العقوبات. مفتاح الحل يكمن في المبادرة الى حل الازمات والمواضيع العالقة مع واشنطن وهذه المرة بصورة مباشرة تؤدي الى حصول تغييرات في سياساتهما، والا فان ايران ستكون على موعد مع تفاقم ازماتها الحياتية والاقتصادية والميعشية التي ستتحول الى اكثر وخامة مما هي عليه الان.

اما اذا اختارت طهران تبني خيار "عدم التفاوض" واستمرت في تطبيق سياسة الانسحاب التدريجي من الاتفاق النووي، فان الامور ستتجه لمزيد من التعقيد في علاقاتها مع المجتمع الدولي، وبالتالي فان الدول الاوروبية، خاصة تلك المشاركة في الاتفاق، ستجد نفسها مدفوعة للانضمام الى الموقف الامريكي والدخول معه في سياسة محاصرة وخنق ايران، على الرغم من كل المساعي التي بذلتها طوال السنة الماضية من اجل كسر دائرة القرار الامريكي والعقوبات التي فرضها. ما يعيد فتح الطريق امام دخول مجلس الامن الدولي على خط الازمة والعودة به الى مرحلة ما قبل المفاوضات والاتفاق، وليس من المستبعد ان تصل الامور هذه المرة الى استخدام البند السابع من ميثاق الامم المتحدة.

تعتقد القيادة الايرانية انها حتى الان تبذل الكثير من الجهد والعقلانية في نقل خطواتها على حافة الهاوية في تعاملها مع قرار تخفيف إلتزامها بتعهداتها في الاتفاق النووي، وانها لم تصل حتى الان الى قرار نهائي في ما يتعلق بانسحابها من هذا الاتفاق او معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل.الا ان تسارع العقوبات والاجراءات العقابية الامريكية تأخذ كل يوم أبعاداً جديدة أكثر ايلاماً، وغير قادرة في هذا السباق على معالجة آثارها بالسرعة المطلوبة، ولا تستبعد ان يقوم الرئيس الامريكي بفرض عقوبات على قطاع البتروكيمياويات في الايام المقبلة، بعد العقوبات على قطاع المعادن مؤخرا بعد دخول قرار تصفير صادراتها النفطية حيز التنفيذ، ما يعني شللا شبه تام سيصيب القطاعات الاقتصادية الاساسية التي تشكل عمدة واساس الدخل القومي. وان مواجهة هذه التحديات الجديدة والمتصاعدة بحاجة الى آليات واضحة ومدروسة للرد، قد يكون احد مؤشراتها الخطوة التي قام بها الرئيس روحاني في الجلسة التي عقدها مع نخبة من السياسيين الايرانيين من مختلف التوجهات بهدف تحشيد الداخل الايراني واستمزاج توجهاته وارائه في هذه المرحلة، في محاولة لاشراكه في القرارات المصيرية، الامر الذي قد يشكل مؤشرا على بداية تبلور بعد ايجابي لهذه العقوبات وتحدياتها، يفتح الطريق امام تعددية تمهد لمشاركة سياسية. فهل ستكون الخطوة الثانية بان يعمد الى الطلب من السفارة السويسرية في ايران – الراعية للمصالح الامريكية- بتزويده برقم الهاتف الذي وضعه البيت الابيض بتصرفها في حال قرر تلبية رغبة ترامب بالاتصال به؟.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024