اللهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بإحْدى الشَقْراويْن

أحمد عمر

السبت 2019/03/30

وقعت غارات ومشاحنات لفظية بين المسلمين وغير المسلمين، على صفحات التحارب الاجتماعي. المسلمون لم يجدوا أحداً من ملوك الروم وملكاتهم ينصفهم من تهم الإرهاب الذي لصق بهم ماركة مسجلةً أبد الدهر، كأنهم "إرهاب ليمتد"، أما ملوكهم، فالعياذ بالله من شرورهم وحسنات أعمالهم، وهي أسوأ من السيئات. انظروا أطفال الدواعش ونساءهم، وهم أبرياء بالقانون الدولي وأعراف الأرض والسماء، قُتلوا أمس بالآلاف، ولم يذكرهم أحد، فالإعلام يسعى وراء المجرم المسلم لله رب العالمين حصراً.

لهج المسلمون بذكر جاسيندا ومدحها، وغار العلمانيون العرب واليساريون عليها، وذكّروا المسلمين بأنها ما تزال مسيحية واشتراكية وعلمانية، وللنكاية، صدّروا صورة شيخ جليل فقد أولاده في المجزرة من نيوزلندا الصامدة، يعانق جاسيندا عناق العاشق الهيمان، وسخروا منه. احترنا معكم يا بقايا قوم ثمود وعاد وأصحاب الرس ولوط، يُدْبر الشيخ ويتجنب مصافحة الشقراوات خوفاً من الفتنة فتسخرون، ويقبل ويعانق فتهزؤون، أم لكم كتاب فيه تدرسون، أن لكم فيه لما تخيرون، أم لكم علينا ايمان بالغة إلى يوم القيامة أن لكم لما تحكمون..

احترنا أيتها القرعاء من أين نقبّلُ صلعتك الفاتنة.

 وقد حدث ذلك بعد تضامن رئيسة وزراء نيوزيلندا مع ضحايا المسجدين وظهورها بالخمار الأسود. وقد فعل الخمار الأسود فعله في قلوب المسلمين صالحين وطالحين، أكثر من فعل شعر الدارمي في المدينة المنورة بتجارة الخُمُر السود، حتى وقفت لنا جاسيندا بباب المسجد، ماذا فعلت جاسيندا بقلب أمة متجلد، لكن لا بأس من العودة قليلاً إلى الوراء، مع أن قوانين المرور تحظر الخطف خلفاً. الخطف خلفاً آلة فنية سينمائية وأدبية ولا تصلح للسيارات والمرور.

يا أيتها العير:

إنّ نازحاً سورياً خيّره الله بين الموت تحت البراميل، والحياة في بلاد الروم، فاختار بلاد الروم، وكان يقود سيارته باتجاه فرانكفورت، فتجاوز المخرج الصحيح ببضعة أمتار، ولأن النازح نشأ على المروءة والفضيلة، ولا يحب هدر الوقود، وإيذاء ثقب الأوزون الذي اتسع على الراقع، كبح سيارته في الأوتوستراد الدولي، وارتد على أثاره قصصا، وعاد بضعة أمتار إلى الوراء، وصحح مسار السيارة بحركة تصحيحية مباركة ومجيدة، وأراد إكمال طريقه في ثبج البر، لكن خطيئته أحاطت به، فإذا بالشرطة من كل حدب ينسلون، وزمامير سياراتهم تزعق وتصيح: يا لثارات كليب وهتلر.

أيقن النازح بالهلاك والخسران المبين، وخشي طرده من جنة أوربا الكئيبة، وخاف من تسليمه إلى زبانية جهنم على الأرض؛ علي مملوك، وصاحبه جميل حسن، وليس له من الجمال والحُسن شيء، وآخر ما تمناه أن يجد دولة تقبله بعد طرده، فالسودان التي كانت تقبل اللاجئين من غير تأشيرة، تغيّر حالها وتبدّل، وليس له إلا الصبر وغواتيمالا وتوغو، العقوبة كانت خفيفة مقارنة بما ظنَّ أنه ملاقيه: سحب رخصة السواقة، وخسارته نقطتين في الدوري الألماني، وتحويله إلى طبيب نفسي على حساب دائرة البوليس، الشرطة لم تصدق أن هذا فعل شخص صحيح معافى نفسياً.

هاهم الروم يتهمون لاجئاً مسكيناً وأسيراً لا يجيد قراءة بوصلة القيادة على البر، بالخلل العقلي، وحسناً فعلوا، فقد حمد اللاجئ الله كثيراً، بكرة وأصيلاً، أنهم لم يتهموه بالإرهاب، فهناك مسلمون يائسون خوارج من دينهم وبلادهم ودواخل في أوربا، يقتلون الروم الآمنين في ديارهم بالسيارات دهساً ودحماً. حمد النازحُ القارحُ ابن القارحِ اللهَ، قياماً وقعوداً وعلى جنبه، أنهم لم يتهموه بأنه يريد أن ينتحر سعياً وراء حوريات الجنة.

  زفر اللاجئ زفرة حارة، وقال: والله إن أريد إلا الإصلاح، وما عودتي إلى الوراء بالسيارة في طريق دولي، وهي غير مباحة في طريق غير دولي أيضاً، إلا حرصي على شرف ثقب الأوزن من الخرق والدنس. رؤساء دولنا، وهم قادتنا وقدوتنا وعزوتنا يعودون بالبلاد إلى الوراء في طريق المستقبل الدولي وتستقبلونهم في دياركم على السجاد الأحمر، انظروا السيسي، اعترف بلسانه "المبين" أنّ تدخل العسكر سيعيد مصر أربعين سنة إلى الوراء، ثم عاد بها إلى الوراء، والغرب يصفق له ولا يتهمه بالاضطراب النفسي، أما الأسد فغيّر الدستور حتى يناسب طوله الفارع إلى الأبد، وكذلك فعل ملوك ورؤساء آخرون. والله وايم الحق، لو أنّ في بلادنا قضاء عادلاً لحكم على هؤلاء الرؤساء بالشنق بالأسلاك الشائكة وليس بحبال الكتان.

وقال الغيورون على جاسيندا من العدوة الأخرى، يعني من غير المسلمين، إنها علمانية وتقوم بواجبها، لا أكثر ولا أقل، فتذكّر اللاجئ نفسه وهو على كرسي طبيب الأسنان، أن الطبيبة الشقراء الألمانية ترتد إلى الخلف ذعراً كلما أنّ النازح من وقع القنا أنيناً خفيفاً، ثم إنها بعد أن عالجت أسنانه التي طالما عضَّ بها على أصابعه ندماً، اعتذرت لأن نثاراً من الدواء عديم اللون، لا يرى بالعين المجردة من النظارات المكبرة وقع على قميصه من قُبُل، فصدقت وهو من الكاذبين، وقالت:

لك عندنا سعر قميص جديد، قدره ثمانون يورو تعويضاً عن العطل وديّة عن الضرر، فإما أن تختار قميصاً تشتريه وترسل لنا فاتورته، وإما أن ندخره لك في حسابك الطبي لعلاج قادم!

أخفى النازح سعر قميصه الحقيقي، وتمنى لو استطاع جعله كقميص عثمان، ونوى أن يقول لها: والله لن أغفر لك خطيئتك يوم الدين حتى تقبلي الزواج بي على سنة الله ورسوله. وسأعدل بينك وبين ضرَّتك، لك ستة أيام كاملة ولها ليلة "الويك اند"، تلك سبعة كاملة، العدل أساس الملك والسعادة الزوجية. والذي نفسي بيده، لأرينّك عظمة الإسلام، ولترين بعينيك الجميلتين حسن التبعل والمعاشرة، وإِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدْقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكِ.

  الغيورون من جاسيندا كثر، ومنهم عبيد الأسد، قالوا: اعلُ هبل، لكم جاسيندا ولنا ستّ الكل جوكندا، والبادئ أظلم، فصدروا صورة جوكندا الأسد على صفحاتهم وصحفهم، وهي تحنو على أم ضحيةٍ من ضحايا جيش أبي شحاطة الباسل، لكن الفروق كبيرة وكثيرة بين جاسيندا وجوكندا:

أولها: إن جاسيندا تظهر في الصورة مغمضة ًعينيها خجلاً من الجريمة التي ارتكبها مواطنها الأبيض، واستغراقاً في عناق أم الضحية، ومن العطف والأسى، وطولهما متقارب، بينما تبدو جوكندا الأسد أطول من أم الضحية السورية، وهذا ليس ذنبها، لكن جوكندا الأسد لا يظهر عليها الأسى ولا العطف، وتظهر أيضاً في حالة استعلاء، فهي تمد يديها إلى وجه أم الضحية مدركة أنها تمدها بالطاقة البعثية أو الطاقة الطائفية.، وهي بعيدة عنها مسافة ذراع، فلا عناق في الصورة السورية.

ثانيها: إن جاسيندا لبست الحجاب، تضامناً مع المسلمات المحجبات، وهو مكروه في أوربا المعاصرة، وقد سبب كثيراً من الاعتداءات على الحرائر المسلمات، بينما ارتدته جوكندا الأسد لحجب آثار العلاج الكيماوي، وليس تعاطفاً مع أكثرية بلدها، والحجاب أو الوشاح معقود بطريقة تبعد شبهة الغطاء الإسلامي الرجيم، وربما هي حريصة على عدم فقدان صداقة فراس السواح الفاتنة، وليس برج السرطان كبرج الإيمان.

ثالثها: إن جاسيندا لا ذنب لها في جريمة جزار المسجدين، بينما تساهم جوكندا الأسد في قتل مليون مسلم في المساجد وخارجها، فوراء كل رجل عظيم مثل الأسد امرأة، وأحياناً امرأتان أحدهما إعلامية منشقة عن الجزيرة، والفرق كبير بين مجزرة المسجدين ومجزرة الشام، التي عجز المحصون عن حصر أعداد الضحايا بالبراميل والكيمياء وتحت التعذيب.

رابعها: إن جوكندا مسلمة بالوراثة، وأن جاسيندا مسيحية، وشتّان بينهما.

خامسها: إن التعويضات النيوزيلندية كبيرة، معنوية ومالية، وعمّت المسلمين في العالم، وآمنتهم من خوف، ورفعتهم من ذلٍّ، فقد انتعش المسلمون في العالم بشعب نيوزيلندا ورئيسة وزرائها، وعلا صوت الأذان في نيوزيلندا، وزالت عنهم صفة الإرهابي الدائم، إلى حين طبعاً، بينما لم تبلغ تعويضات ضحايا جيش أبي شحاطة على شهداء جيش ابي شحاطة سوى علبتي متة، أو ساعة جدارية، والمسلمون ما زالوا مذعورين في بلدهم.

سادسها: إن مسلمي نيوزيلندا لاجئون، وإن مسلمي سوريا أصليون. ويعتذر كاتب السطور من ذكر هذا الفرق، فالإنسان إنسان نازحاً أو مقيماً، في نيوزيلندا أو سوريا.

وسابعها وثامنها وتاسعها..

والشقراوان هما أنجيلا ميركل، وجاسيندا أرديرن. الأولى كاثوليكية تقية، والثانية مورمونية كريمة، وكلتاهما أكرم من معظم الرؤساء العرب الموحدين المسلمين لسيد البيت الأبيض وأندى.

لقد كان عزاء المنفى رائعا، ولا عزاء في الوطن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024