مؤتمر "إقناع" الأسد

بسام مقداد

السبت 2020/10/31
في تغريدة لها على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية في 22 من الجاري ، كتبت الناطقة الرسمية باسم الوزارة ماريا زاخاروفا ، بأن السلطات السورية تخطط لعقد مؤتمر دولي في 11 و12 من الشهر القادم ، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين . وقالت زاخاروفا ، بأن روسيا هي شريك منظم للمنتدى ، وتأمل بأن ينضم المجتمع الدولي إلى حل هذه "المسألة الإنسانية" . 

حسب زاخاروفا إذاً ، بشار الأسد هو الذي بادر بالتخطيط لعقد المؤتمر الدولي في دمشق لعودة اللاجئين السوريين ، وما تشترطه من تسوية سلمية للمقتلة السورية ، وتقوم روسيا بدور "الشريك المنظم" للمؤتمر . وبالتالي ، ليس صحيحاً كل ما قيل ونشر في الإعلام الروسي ، وما يزال ، منذ نيسان/أبريل المنصرم (حملة مواقع إعلام "طباخ بوتين") عن فساد نظام الأسد وممانعته للعملية السلمية ، وإصراره على مواصلة الحرب حتى استعادة سلطته على كامل الأراضي السورية . فهل انقلب نظام الأسد على نفسه ، وخسرت إيران كل رهانها على بقائه وما وظفته فيه من أموال وطاقات وجهود ؟ 

إن ما تشهده إدلب من حرب متقطعة ، يشارك فيها الطيران الروسي ، ومايزال يكابده السوريون من قتل ودمار وتعذيب وتهجير ، لا يقول ، بأن نظام الأسد انقلب ، فجأة ،على نفسه ، وبادر إلى الدعوة لعقد مؤتمر عالمي لعودة اللاجئين . ولم يذهب الممثل الشخصي للرئيس الروسي بالشأن السوري ألكسندر لافرنتيف ومرافقوه من دبلوماسيين وعسكريين للتشاور مع الأسد بشأن تنظيم المؤتمر العتيد ، بل ذهب "لإقناع" الأسد ، بأن روسيا تدعو إلى عقد المؤتمر ، لأنها ما عادت تحتمل إستمرار الوضع على ما هو عليه ، وانها مهددة بخسارة كل ما أحرزته في سوريا ، في ظل موجة التطبيع مع إسرائيل تحت المظلة الأميركية ، وعلى عتبة مقاربة أميركية جديدة للوضع في المنطقة ، سواء بقي ترامب في البيت الأبيض أو غادره . 

لكن من اين للكرملين هذه الثقة بنجاح ما فشل به في العام 2018 ، حين طرح فكرة إعادة إعمار سوريا ، وجال بها على الخليج وأوروبا لتمويلها ، ولم يلق سوى الرفض الحازم ، واشتراط القبول بتغيير النظام السوري لسلوكه ، وخضوعه لبنود القرار الأممي 2254 ؟ فالجانبان الخليجي والأوروبي لم يبدلا موقفهما منذ ذلك الحين ، وإن تخليا عن شعار إسقاط الأسد ، إلا أنهما لم يتخليا عن شرط تغيير سلوكه للمساهمة في تمويل إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين ، وإن وجد من تساوره الرغبة في مثل هذه المشاركة ، فالردع الأميركي جاهز لصد هذه الرغبة . 

وإذا كانت الدول الخليجية لم تقل كلمتها في المؤتمر حتى الساعة ، إلا أن الإتحاد الأوروبي قالها  بوضوح على لسان ممثله جوزيب بوريل في مؤتمره الصحافي في ختام إجتماع لوزراء خارجية الإتحاد في لوكسمبورغ ، حيث اعتبر أن مبادرة روسيا لعقد المؤتمر "سابقة لأوانها" ، كما نقل الموقع الأوكراني "ukrinform" في 13 من الشهر الجاري . الجميع يريدون عودة اللاجئين ، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة ، طوعية ولائقة ، وفق معايير الوكالة الدولية لشؤون اللاجئين . والجميع موافق على أن الظروف في سوريا ليست مطابقة لشروط الحد الأدنى هذه ، بمن فيهم المشاركون في مؤتمر بروكسل الرابع بشأن سوريا والمنطقة ، الذي ترأسه بوريل ، ولذا "نعتبر مبادرة روسيا سابقة لأوانها" . والأوروبيون لا ينكرون أهمية الجهود لعودة اللاجئين ، إلا أنها ينبغي أن تتم وفق مبادئ متفق عليها ، و"بالتنسيق مع الأمم المتحدة" ، على قوله.

المبادرة لعقد المؤتمر ، حسب الوكالة الإتحادية للأنباء "FAN" العائدة ل"طباخ بوتين" في 22 من الجاري ، لا تعود لسوريا وروسيا ، بل ل"ترويكا أستانة" ــــــــ روسيا ، إيران وتركيا ، "المنهمكين جميعهم في تسوية ما بعد الحرب في سوريا" ، برأيها. وقد تلقت الأمم المتحدة وبلدان الإتحاد الأوروبي الدعوة للمشاركة في المؤتمر ، الذي ستكون إحدى مهامه ، إطلاع "الشركاء الأوروبيين" على حقيقة الوضع في سوريا ، والجهود ، التي تبذلها دمشق لتوفير "حياة طبيعية لجميع العائدين" . 

المجلس الروسي للشؤون الدولية ، وفي مؤتمر صحافي عُقد في شباط/فبراير المنصرم مع مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل "ICG" ، نشر على موقعه ملخصاً للمؤتمر بعنوان "إعادة إعمار سوريا : رؤيا من روسيا والإتحاد الأوروبي" . يعدد الملخص الأسئلة ، التي ناقشها الطرفان وتراوحت بين : آفاق التعاون بين روسيا والإتحاد الأوروبي في هذه المسألة ، ما هي البرامج ، التي تنفذها دمشق الرسمية ؟ كيف تؤثر العقوبات الأميركية والأوروبية على هذه العملية؟ هل من بديل للسياسة المتبعة اليوم ؟ وسواها من المسائل .

مدير المجلس الروسي أندريه كارتونوف يقول ، بان مسألة إعادة إعمار سوريا تبتعد كل سنة أكثر فأكثر ، وهذا "مأساوي" ، لأنه ولد في سوريا جيل لم يعرف السلام ، ويعيش في ظروف شديدة الصعوبة ، والوضع  ليس فقط لا يتحسن ، بل يزداد تردياً . وهذا يشي بمهجرين ونازحين جدد ، وليس لأسباب سياسية ، بل لأسباب إقتصادية معيشية  ، وفي ظل تردي الوضع أكثر ، سيتحول هؤلاء إلى عامل مديد التأثير على المنطقة ، شبيه بوضع النازحين الفلسطينيين . 

ويقول كارتونوف ، بان الموارد المطلوبة لتعافي الإقتصاد السوري ، وللبنية التحتية الإجتماعية والإقتصاد الحضري ، تقدر بمئات ملايين الدولارات ، وثمة تصور  بأن القسم الأساسي من هذه الأموال ، ينبغي أن يأتي من أوروبا . ومن الواضح بالنسبة للخبراء ، أن هذه الأموال لن تحصل عليها سوريا في المستقبل المنظور لأسباب متعددة : لدى الإتحاد الأوروبي أولويات وهموم أخرى ، وثمة وجهات نظر متفاوتة داخل أوروبا حول كيفية إقامة العلاقات مع سوريا . 

مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان يقول ، بأن  لروسيا وأوروبا موقفان متناقضان من النزاع السوري . روسيا تريد أن تباشر الحكومات الأوروبية بالتعامل مع دمشق ، بهدف التأثير على سلوكها في ظروف الإنتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب . لكن الأوروبيين يرفضون التعاطي مع دمشق ، لأن ذلك يشرعن النظام الدموي ، الذي يعرض السوريين للتعذيب والإعتقالات ، وسلوكه هو بالذات ، الذي أدى إلى الحرب السورية . من وجهة نظر أوروبا ، التعامل مع هذا النظام هو تعميق للمشكلة ، وليس حلها . وهنا يكمن الإختلاف الأساسي في موقف كل من الإتحاد الأوروبي وروسيا . 

ويقول هيلترمان ، أن الأوروبيين يمتلكون ثلاث رافعات للتأثير في الوضع السوري : تطبيع العلاقات مع دمشق ؛ توفير الموارد اللازمة لإعادة إعمار سوريا أو عدم توفيرها ؛ رفع العقوبات أو تشديدها . 

مقابل رفع العقوبات ، تريد أوروبا من دمشق تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بما يعني من : إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ؛ التخلي عن التعذيب ؛ الحصول على سكن لأولئك  الذين فقدوه ؛ عودة اللاجئين ؛ إتخاذ الإجراءات ، التي من شأنها أن تساعد في عودة اللاجئين من لبنان . الموارد الضرورية لإعادة الإعمار ، ليست الأولوية الرئيسية للنظام السوري ، الذي يرفض الحصول عليها من أوروبا ، مقابل الشروط المذكورة أعلاه ، حسب هيلترمان . 

وبعيداً عن كل ما ورد أعلاه ، يبقى السؤال الأساسي : هل يريد النظام السوري فعلاً عود اللاجئين إلى سوريا ؟ صحيفة "Novaya" الروسية نشرت في فترة سابقة ، تحقيقاً مع اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال  بعنوان "لماذا لا يريد الأسد عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ، مع أن روسيا تصر على ذلك " . فهل تمكنت روسيا من "إقناع" الأسد بذلك ، أم أن المؤتمر العتيد كفيل بذلك ؟  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024