التتمة الخطرة لصفقة القرن

مهند الحاج علي

الإثنين 2020/02/10
لـ"صفقة القرن" تتمة. الإعلان نفسه، وهو بمثابة اعتراف أميركي أولي بالمشروع الإستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، سجّل نقاطاً انتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب (مع ناخبيه من اليمين المسيحي)، ولرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

بعد الصفقة، هناك خطوتان أساسيتان. أولاً، ضم اسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقاً للصفقة الأميركية-الإسرائيلية. وحسب للسفير الأميركي في اسرائيل ديفيد فريدمان، "يخضع تطبيق القانون الاسرائيلي على الأراضي الممنوحة لاسرائيل في الخطة (صفقة القرن)، الى عملية مسح تُنفذها لجنة أميركية-اسرائيلية مشتركة". فريدمان، من باب الحرص على المصالح الاسرائيلية، حذر نتنياهو من "أي خطوات أحادية قبل انتهاء عمل اللجنة، إذ أن ذلك سيُهدد الخطة والاعتراف الأميركي". بكلام آخر، يقول فريدمان لنتنياهو، انتظر قليلاً من أجل إعداد إخراج مناسب للإعلان الاسرائيلي. المفارقة هنا في كلام السفير فريدمان أن ٰالإدارة الأميركية المتماهية تماماً مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، ستحل مكان الجانب الفلسطيني في عملية ترسيم الحدود الجديدة، وتشريع المستوطنات.

ثانياً، ومن ضمن إخراج الصفقة، تلوح في الأفق عملية تطبيع عربية جماعية مع اسرائيل. وهذه الخطوة تأتي استكمالاً لإتصالات وعلاقات سرية شجعت عليها الإدارة الأميركية الحالية. الهدف الأساسي لهذا التطبيع العلني هو استكمال الخناق على الفلسطينيين بعد سلب أراضيهم. ذاك أن اجتماعاً عربياً برئيس الوزراء الاسرائيلي بعد رفض السلطة الفلسطينية الخطة، هو إبلاغ للفلسطينيين بأنهم ليسوا وحدهم فحسب، بل إن امتدادهم العربي المفترض بات على الضفة الأخرى. ولا مانع من قصف غزة وكسر عظام بعض فتية الضفة لحظة التقاط صور المصافحات والابتسامات.

في المقابل، وجدت إيران ضالتها في القضية الفلسطينية مجدداً. هي لطالما كانت "أم الحجج" لطهران، لكن الخطة تلبي تماماً الصورة المرسومة إيرانياً للجانب الآخر، الأميركي المتآمر مع الاسرائيلي، والعربي الخاضع لإرادتهما. والحقيقة أن الجانب الايراني لم يحقق شيئاً للفلسطينيين، بل أسهم في تعميق الانقسام، وعمل على تغليب مصالحه القاضية بإيجاد الوكلاء على القضية نفسها. كيف نُفسر ولادة مجموعة شيعية من رحم "حركة الجهاد الإسلامي" في غزة؟

فوائد "صفقة القرن" كثيرة للمحور الإيراني. بداية، المفرد ملائم لخطاب المحور وعراضاته. يحمل الإسم كلمتي "صفقة"، وهي تؤشر الى عملية تجارية في قضية رمزية مثل فلسطين، وأيضاً "القرن"، ما يوحي أنها مؤامرة عابرة للزمن. لهذا لم يبق مسؤول إيراني إلا وعلّق على "صفقة القرن"، من المرشد إلى رئيس مجلس الشورى والقادة العسكريين. قد تكون الصفقة عراضة انتخابية لنتنياهو وترامب، ولكنها باقية في خطاب الممانعة الى أجل طويل، نظراً لمنافعها المتعددة. على سبيل المثال، ربط النائب حسين الحاج حسن بين الأزمة المالية والاقتصادية اللبنانية وبين مساعي تمرير الخطة. "لأميركا دور في الوضع الاقتصادي الذي نمر فيه"، وفقاً للحاج حسن، "من أجل صفقة العار التي يرفضها ​الشعب الفلسطيني​ … نحن في محور ​المقاومة​ لدينا الكثير من الامكانيات، وسوف نسقط هذه المؤامرة على ​القضية الفلسطينية​ وأمتنا، كما أسقطنا من قبلها العديد من المؤامرات".

رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم أمين السيد ذهب أبعد من ذلك، وربط صفقة القرن بالحرب العراقية - الايرانية، وادعى بأن "الامام الخميني أجّلها (الصفقة) أربعين عاماً" بعد انتصار الثورة الاسلامية. عملياً، الصفقة عمرها عشرات السنوات منذ زمن الرئيس السابق جيمي كارتر (الذي استخدم عبارة نظام الفصل العنصري في وصف الاحتلال الإسرائيلي). في نهاية المطاف، الأجندة الايرانية في المنطقة منفصلة عن المصالح الفلسطينية، وهو واضح في التصريح بأن "الرد على اغتيال سليماني سيكون بإخراج ​القوات​ الاميركية من المنطقة ومن ثم تحرير ​فلسطين​". 

مع الصفقة أو من دونها، ليس أمام الفلسطينيين سوى تجديد مساعي المصالحة، والاتفاق على رؤية مشتركة للحل العادل، واعادة انتاج النضال السلمي ضد الاحتلال وفقها. وإلا فإن المزيد من التقهقر والاستغلال بانتظارهم. وفقاً للمسار الحالي، قد تحوّل سنوات جديدة من الاستيطان والاحتلال المتفلت "صفقة القرن" إلى "فرصة ضائعة"، تماماً كعرض ايهود باراك في "كامب ديفيد" قبل 20 عاماً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024