رسائل روسية في منصة أستانة

بسام مقداد

الجمعة 2021/02/19
بعد توقف دام منذ كانون الأول/ديسمبر العام 2019 بتأثير هامشي لجائحة كورونا ، عادت منصة أستانة لعقد إجتماعاتها بشأن الصراع السوري . واقتصر حضور إجتماعها الأخير في سوتشي في 15 ــــــــ 16 من الجاري على الحضور التقليدي من أولياء المنصة (روسيا ، إيران ، تركيا) ، وممثل الصليب الأحمر الدولي ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ، والبلدان المراقبة (لبنان ، العراق ، الأردن) . وكالعادة ، لم تحضر الولايات المتحدة الإجتماع ، على الرغم من دعوتها الروسية لحضوره ، وهي التي توقفت منذ العام 2018 عن إرسال مراقب عنها لحضور هذه الإجتماعات.

أنهى المجتمعون لقاءهم بإصدار بيان أشبه بالبرقية ، سبق تعداد بنوده ال 17، سطر واحد ، بأن ممثلي الدول الثلاث الضامنة لمنصة أستانة : يؤكدون ، بحثوا مجدداً ، بحثوا بالتفصيل ، يدينون ، إلخ . نُشر البيان بنصه الكامل على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية ، في حين تطرقت كل من المواقع الإعلامية الروسية إلى البنود المهمة برأيها . وأجمع معظمها ، على أن عمل اللجنة السورية للدستور كأساس للتسوية السياسية برمتها ،  شكل الهاجس الأساس للمجتمعين ، إضافة إلى مواصلة محاربة الإرهاب ، وعودة النازحين ، والهجمات الإسرائيلية ، والمساعدات الإنسانية ، وسواها . وتم تخصيص لجنة صياغة الدستور بأربع بنود ، وعبر أحد البنود الأخيرة عن "الإرتياح" لحضور وفود الأردن والعراق ولبنان ، والبند ما قبل الأخير عن "التقدير الصادق" لممثلي إيران وتركيا للسلطات الروسية لعقد اللقاء الدولي الخامس عشر لمنصة أستانة بشأن سوريا.

إثر إختتام اللقاء ، نشرت "تاس" مقابلة مع الممثل الخاص للرئيس الروسي في التسوية السورية الكسندر لافرنتيف حول نتائج اللقاء ، لم يحظ فيها اللقاء بذاته أهمية تذكر ، بل تحدث عن أسباب تأزم عمل اللجنة الدستورية في جنيف ، وعن مستقبل الإستقرار في إدلب ، وعن اللقاح الروسي في سوريا . وعن اللقاء ، بعد إختتام مؤتمر سوتشي ، مع وفد النظام السوري ، قال لافرنتيف ، بأن روسيا تعمل عن كثب مع السوريين ، وتقدم لهم النصائح ، من أجل التقدم الفعلي في عملية التسوية السياسية ، على أن تكون المصالح الوطنية السورية محمية ، وألا تتعرض لأي تأثير مدمر .  واشاد بالعلاقة الجيدة مع دمشق ، لكنه قال ، بأن وجود روسيا في سوريا ، لا يعني أنها كلية التأثير على دمشق ، وأنها هي تأمر ، وعلى السوريين أن ينفذوا ، كما يقولون . ليس صحيحاً هذا التأويل وهذه المقاربات للعلاقة . روسيا يمكنها أن تنصح وأن تقدم توصيات ، والقرار ينبغي أن تتخذه الحكومة السورية مباشرة ، على قوله.

وعن التوصيات ، التي ستقدمها روسيا بشأن عمل لجنة الدستور في جنيف ، يقول لافرنتيف ، بأن عمل هذه اللجنة ينبغي دعمه ، ولا ينبغي ، في حال من الأحوال ، العمل لصالح من يريد دفن هذه العملية . ومثل هذه الأحاديث تدور بالفعل وتقول ، بأنه إذا ظل موقف الحكومة السورية على هذا النحو ، فهذا يعني بأن هذه العملية سوف تدفن ، وليس من بديل لهذه العملية . ليس من بديل لعملية التفاوض بشأن الإصلاحات الدستورية في جنيف ، لأنه إذا ما تم إفشالها ، وإذا ما رفض المجتمع الدولي دعم هذه العملية ،  لن يكون أمام الحكومة السورية من خيار سوى القيام بالعمل على الإصلاح الدستوري في المنطقة الواقعة تحت سيطرتها . وهذا ما لن يقبله المجتمع الدولي وبلدان معينة ،  وسوف يستمر الصراع ، وهذا ليس في مصلحة أحد ، على قوله.

وما الذي يعيق عمل اللجنة الدستورية ، ويشكل حجر عثرة  في طريقها ، يقول لافرنتيف ، أن حجر العثرة يتمثل في تأكيد دمشق ، أنه ينبغي في البداية التوصل إلى فهم المبادئ الوطنية الأساسية (يعددها  على كثرتها ، التي أصبحت شائعة)، والتي لها طابع مبدئي.  وبعد هذا يصبح بالإمكان المباشرة بكتابة الدستور . واستغرق نقاش هذه الأسس الوطنية والمبادئ الدستورية الأساسية الدورات الثالثة والرابعة والخامسة من إجتماعات اللجنة الدستورية ، ويقول ، بأنه على الأرجح حان الوقت فعلياً  ، للإنتقال إلى مناقشة مواد محددة في الدستور ، كما تراها الحكومة ، وكما تراها المعارضة ، وتثبيت هذا على الورق ، و "أقول صراحة ، نحن لا نري أي تهديد ، إذا ما حصل ذلك".

وعن موعد إنعقاد الإجتماع القادم للجنة الدستور ، ينفي لافرنتيف ، أن يكون قد بحث الأمر في سوتشي مع دمشق ومع المعارضة ، وقال ، بأن غير بيدرسن يحتاج إلى الوقت لمعرفة مدى إستعداد دمشق للعمل الجدي في كتابة الدستور ومواده المحددة ونصه . ويقول ، بأنه إذا ما لمس بيدرسن إستعداد دمشق ، وتمكن من تنسيق آلية العمل اللاحقة ، فسوف يعلن عن إنعقاد الإجتماع في أقرب وقت ممكن . ودعا إلى إنتظار نتائج محادثات بيدرسن في دمشق الأحد القادم ، وأمل في أن تكون النتائج إيجابية.

وعن مضمون محادثات بيدرسن مع سيرغي لافروف ، قبل مغادرته إلى دمشق ، قال لافرنتيف ، بأنه سيكون الحديث نفسه ، إذ أن الأمور كلها مرتبطة بعمل اللجنة الدستورية.

واللافت ، أن تاس أبرزت في سياق النص كلاماً ، ليس من المفهوم إن كان كلام لافرنتيف ، أم أنه إستنتاجها الخاص من وحي كلامه  ، حيث تقول ، بأن روسيا هي الداعم الأقوى لاستمرار الإصلاح الدستوري ، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال السماح بتعطيله.

وبعد أن يؤكد لافرنتيف ، بأن لقاء سوتشي ساعد في نقل عملية التسوية السياسية في جنيف من النقطة ، التي تجمدت عندها ، إنتقل للحديث المفصل عن العلاقات مع تركيا ، وعن إدلب وإستعداد المعارضة لمحاربة الإرهابيين ، ومن ثم عن عودة المهجرين والمساعدات الإنسانية لسوريا في ظل وباء الكورونا والوضع الإقتصادي المعيشي المتأزم وتأثير العقوبات الغربية على "الشعب السوري" . واختتم مقابلته بما كان لا بد أن يختتمها ، بالحديث عن إستعداد روسيا للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة في التسوية السياسية السورية . وقال ، بأن الولايات المتحدة لا تزال صامتة حتى الآن ، ما يعني ، أنها لم تحدد بعد خطها على الإتجاه السوري . ولا يعرف ما إن كان الأمر سيتطلب 3 ـــ4 اسابيع لتحدد واشنطن خطها هذا ، إلا أنه لم تصدر عنهم أية إشارات حتى الآن ، وإن كانت صدرت إشارات عن إستعدادها للعمل مع روسيا ، دون أن ترفق ذلك بأية إقتراحات ملموسة.

بدورها صحيفة "Kommersant" السياسية الكبرى كانت من المواقع القليلة ، التي رافقت لقاء سوتشي بنصين مطولين خلال يومين متتالين ، عنونت الأخير منهما بالقول  "في سوتشي يحيون اللجنة الدستورية" . وقدمت للنص بالقول ، بأنه على خلفية "منصة أستانة" المجمدة ، روسيا تساعد سوريا وإسرائيل في تبادل الأسرى ، وقالت ، بأنه بينما كان يناقش في سوشي ، ودون كبير أمل بالنجاح ، مستقبل سوريا السياسي ، تعيّن على موسكو فجأة ، أن تصبح وسيطاً بين دمشق والإسرائيليين ، وتساعد في حل قضايا إنسانية.

قالت الصحيفة  ، بأنه على هامش المفاوضات في سوتشي ، كان يجري مناقشة فكرة من الواضح أن دمشق وطهران روجتا لها وتقول ، بأن التقدم في عمل اللجنة الدستورية ، يمكن أن يحدث فقط بعد إجراء الإنتخابات الرئاسية في السورية المقررة صيف هذه السنة . ورأت ، أن دمشق يبدو أنها تريد أن تتستر ب"الموافقة الشعبية" على سياستها ، وتحصل على ضمانة للإستقرار السياسي في المستقبل القريب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024