السودان: شجاعة أم عبث؟

شادي لويس

الثلاثاء 2019/01/29

لم تكن زيارة الرئيس السوداني للقاهرة، أمس الأول، العلامة الأولى على الدعم المصري لنظام البشير في مواجهة المطالبات الشعبية بإسقاطه. فعقب اندلاع موجة الاحتجاجات السودانية، قام كل من وزير الخارجية المصرية سامح شكري، ومدير المخابرات المصرية عباس كامل، بزيارة الخرطوم. وعقب ذلك، وفي الخامس من كانون الثاني/يناير الجاري، قام المساعد الأول للبشير، محمد الميرغني، بزيارة القاهرة، مسلماً الرئيس السيسي رسالة من نظيرة السوداني. وبعد اللقاء، أصدرت رئاسة الجمهورية المصرية بياناً رسمياً، هو الأول من نوعه منذ بدء الاحتجاجات، يؤكد بشكل ضمني الوقوف بجانب البشير: "مصر تدعم بشكل كامل استقرار وأمن السودان، الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري".

ولا يخفي البشير، الذي أشاد بالدعم المصري بوصفه "رسالة للشعب السوداني وآخرين"، منطلقات ذلك الدعم. فبحسب تصريحاته خلال زيارته القاهرة، فإن ما يحدث في السودان هو "محاولات لاستنساخ الربيع العربي"، وبالآليات والشعارات نفسها والاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي. وينسب البشير الاحتجاجات إلى "منظمات" لا يسميها، وإلى "تهويل وسائل الإعلام"، بالإضافة إلى المخربين، مستنسخاً بدوره الخطاب الحكومي الذي رُفع في وجه احتجاجات الربيع العربي في موجته الأولى. أما الرئيس المصري، فلم يغب عنه تأكيد عامل التطابق هذا أيضاً في الاحتجاجات ورد فعل الأنظمة تجاهها، مشيراً إلى "وحدة المسار والمصير" بين البلدين.

فبعد ثماني سنوات على اندلاع شرارة الربيع العربي، تبدو التطابقات بين شعاراته وآلياته ووسائله، وبين الاحتجاجات السودانية، أكثر ما يدعو للقلق في أروقة الحكم في المنطقة. هذا الاستنساخ تحديداً هو الأكثر إثارة للحيرة والتوتر. فالانتفاضة السودانية تبدو وكأنها جاءت متأخرة جداً، وفيما يمكن الظن أن هذا التأخير هو نقطة ضعفها، فهو أيضاً موضع قوتها. ففي حين تبدو فيها الثورات العربية وقد تمت تصفيتها بالكامل، وبالأخص في سوريا حيث حُسم الصراع لصالح النظام بأفدح الأثمان دموية ووحشية، فإن استلهام السودانيين للشعارات والوسائل ذاتها، يظهر كدلالة واضحة على أن كل ما ارتكبته الأنظمة الحاكمة في حق شعوبها لم يكن كافياً لنفي فكرة الثورة خارج مخيلة مجتمعات المنطقة.

يلوم البعض السودانيين، على تكرار تجربة أقرانهم في دول الربيع بحذافيرها، من دون التعلّم من أخطاء تجاربهم ومصائرهم. وهم بالطبع محقّون، فالأمر لا يخلو من حماقة، هي قرينة الهبّات الشعبية معظم الوقت. لكن هذا العناد السوداني، والإصرار على استنساخ التجربة، ليس كسلاً عن تعلم دروس الآخرين بالضرورة، ولا دلالة على ضيق أفق، بل ربما هو إدراك شجاع بأنه لا طريق آخر، سوى المحاولة، وفي الطريق نفسه، فيما تبدو تجارب الهزيمة جاثمة أمامنا، وربما شبه متحققة.

يتابع المصريون، مع غيرهم، تصاعد حصيلة القتلى في المدن السودانية، بقليل من الشفقة وبعض من الأمل غير الصريح، متسلحين بالكثير من الحكمة بأثر رجعي. أما النظام المصري، ومعه غيره، فيتابع التظاهرات من قرب، بإدراك غريزي للخطر، وبفهم واضح أن أي نجاح ولو جزئي للانتفاضة السودانية يعني بلا شك موجة جديدة من الأمل والغضب، تجتاح المنطقة. فما يُفزع الأنظمة، اليوم، ليس عودة الاحتجاجات الواسعة الشعبية، بل السرعة التي عادت بها، وبكل هذا التباهي بالانتساب إلى ربيع مهزوم، والاستعداد للتضحية، في مقابل قدر هش من الأمل.

سيبذل النظام المصري كل ما في وسعه لدعم نظيره السوداني، لا لشيء سوى لحماية نفسه من التبعات الممكنة لسقوطه. أما الأطراف العربية المؤثرة، فمع انقسامها بشأن قضايا أخرى، تبدو متفقة على الوقوف إلى جانب البشير. يواجه السودانيون هذا كله وحدهم، باحتمالات للهزيمة أعلى من غيرها، وفي ظل إهمال دولي، ولا مبالاة إعلامية. لكن الرسالة الواضحة في انتفاضة السودان، تظل، بغض النظر عن نتائجها، أن نسخاً من الربيع العربي ستعود، مرة بعد مرة، إذ ربما لا سبيل آخر غيرها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024