الأربعاء الأسود: انهيار الكهرباء والماء والاتصالات

نادر فوز

الأربعاء 2020/07/29
إمعان في الذبح اليومي للناس. لا وصف آخر لما تقوم به السلطة على مدار الساعة بحقّ مواطنيها. عجينة السلطة، مكوّناتها ومعارضيها في الحكم والبرلمان، مصنوعة من فشل وعجز. كأنها تصنع الفشل وتمتهن العجز عن سابق تصوّر. كأنها تريد إذلال من بقي في لبنان عن سابق تصميم. ومعهما، تكابر. لا داعي للهلع في ما يخص فيروس كورونا. الليرة بألف خير في الشق النقدي. العجلة ستدور ولا خوف من السقوط في الشق الاقتصادي. وصلت البواخر والتقنين سيتراجع في شق الكهرباء. لن يموت أحد على أبواب المشافي في شق الطبابة. وكل هذا يحصل، يتكرّر يومياً. يتراكم ويتضخّم. حتى بات الجحيم واقعاً. نعيش في جحيم مختلف عن ذاك الذي جاء في كتب السماء. هناك نعرف أننا هلكنا ونُحاسب. هنا لم نهلك لكن نحاسب على أمور لا دخل لنا فيها. نعاقب، نحترق، نعيش في العتمة، نحرم من أموالنا وأبسط حقوقنا. جحيم لبنان يكبر، لا ينطفئ بل يغذّي ناره بنفسه. هذا ما تطلعنا عليه المستجدات اليومية الصادرة عن من في السلطة وإدارات المؤسسات التي انهارت. 

الكهرباء وخدمات أخرى
في يوميات اللبنانيين، مستجدات انقطاع التيار الكهربائي. هذه مصيبة بحدّ ذاتها، طبعاً، إلا أنّها بدأت بسرعة تنعكس على تقديم الخدمات الأخرى. نقص في الفيول وسرقته، أعطال فنية، وغيرها من الحجج التي تقدمها السلطة يومياً للتقنين والعتمة، حتى أنّ وزيراً عبقرياً في حكومة الرئيس حسان دياب اقترح اليوم وضع أجهزة GPS على شاحنات المازوت لمعرفة أين تفرغ حمولاتها. مازوت كهربائنا ومعاملها يُسرق من أمامنا، بعلم دولتنا ووزرائها وعسكرها وقضائها. من بين أولى تأثيرات انقطاع الكهرباء على الخدمات الأولية التي من واجب الدولة تقديمها، توقّف سنترال أوجيرو. فغرّد المدير العام للهيئة، عماد كريدية، مشيراً إلى أنه "نتيجة استمرار انقطاع التيار عن سنترال رياض الصلح والضغط المستمرّ على المولدات الخاصة بالمركز، توقفت الأخيرة عن العمل عند الساعة الثالثة صباحاً ليتوقف عمل السنترال. تعمل فرق أوجيرو جاهدة لإصلاح العطل وإعادة الخدمة".

معاشات المتقاعدين
أصدر المكتب الإعلامي لوزارة المالية اليوم الأربعاء، بياناً أشار فيه إلى أنّ "النظام الإلكتروني لدى الوزارة قد توقف لأسباب تقنية ناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي، ما أدى إلى تعذر تحويل معاشات المتقاعدين لشهر آب 2020 على الرغم من جهوزيتها في مديرية الصرفيات". وأضاف البيان أنه "سيتم تحويلها إلى المصارف في أول يوم عمل بعد عيد الأضحى". لا أرقام رسمية لنسبة هؤلاء في الدوائر اللبنانية، لكن ما نعرفه أنّ نسبة رواتب موظفي القطاع العام هي الثلث للمتقاعدين. وفي حين أنّ دراسة "الدولية للمعلومات" تشير إلى أنّ عدد العاملين فيه يبلغ 300 ألف، فإنّ نسبة المتقاعدين يرجّح أن يتجاوز 100 ألف. هؤلاء ستؤجّل رواتبهم لشهر آب، في ظرف اقتصادي مماثل. وإن افترضنا أنّ المتقاعد يعيل فقط نفسه وشريكته/شريكها، فيعني أنه على الأقل 200 ألف إنسان سيشعرون بعبء اقتصادي ومالي إضافي على الأقل أسبوعاً آخر. هذا من دون احتساب ابن أو ابنة أو كلب أو قطة تشاركهم تقاعدهم. ذلّ موصوف.

انقطاع المياه
ونتيجة انقطاع الكهرباء أيضاً، عبّر رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، المهندس جان جبران، عن أسفه الشديد لصعوبة "استمرار المؤسسة وسط الظروف الصعبة والمعقدة، في تأمين التغذية بالمياه، وذلك رغما عنها بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء وندرة وجود المازوت في الأسواق". أكد جبران في بيان صادر عنه على أنّ "70% من ضخ المياه في المؤسسة يعتمد على الكهرباء أو المولدات"، معلناً أنّ أزمة التقنين إلى ازدياد تحديداً في بيروت الكبرى. أما وزراء الطاقة وكل الطاقات، فيتباهون بإنجازاتهم، كلّهم في سيرة فشل واحد وهدر متنوّع.

اليوم، بدأت فعلياً أزمة الكهرباء بالتمدّد إلى سائر القطاعات، فلنضئ شمعةً لنسهر ونتضامن مع أنفسنا في الآن نفسه. 

باتت بيروت على أغلفة الصحف والمجلّات العالمية، بفقرها وعتمتها وموتها. والتحذيرات مستمرة من الجوع الذي لم يحلّ بعد. فكان التحذير الأخير الذي أتى عن منظمة "سايف ذي تشيلدرن" التي قالت إنّ في العاصمة 910 آلاف نسمة لا يملكون المال الكافي لتأمين الطعام. أكثر من نصف مليون منهم، أطفال مهدّدون بالجوع. إنه جحيم الانهيار الكلّي لمؤسسات الدولة. إنه جحيم السلطة وما جنته على اللبنانيين. 

لا كهرباء، ولا رواتب ولا اتصالات ولا ماء. لا مصانع (إن وجدت) ولا إنتاج (إن وجد) ولا خدمات ولا سياحة. وكل هذا يضاف إلى لا مصارف ولا حسابات مالية ولا دولار. وقريباً لا مولّدات خاصة تعمل، ولا محروقات للسيارات والتنقّل، لا خبز ولا طحين. وكل هذا مجتمِعاً، ناجم عن سلطة واحدة عجينتها العجز والفشل. سلطة تكابر وأسوأ ما فيها تمسكّ مكوّناتها اللا محدود بطاولة القرار، دائرية كانت على شكل محور سياسي أو بيضاوية على شكل طاولة حكومية.
إنه الانهيار. لا، هو الموت بعينه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024