تفاهم كانون بديلاً لل ١٧٠١

نديم قطيش

الخميس 2015/01/29

فعلها حزب الله. تجاوز في عملية مزارع شبعا ردا على غارة القنيطرة على موكب لحزب الله والحرس الثوري الإيراني،  توقعات خصومه وجزء كبير من جمهوره، على ما عبرت عن ذلك في الإعلام أصوات معلقين وكلمات مقالات ذهبت في اغلبها الى إيجاد سياقات منطقية وعقلانية لعدم الرد، واجتهدت في شرح الأسباب الموجبة لعدم انتظار رد كلاسيكي على شكل ما حصل في شبعا أمس.

 

إختار حزب الله جغرافيا ذكية للعملية هي مزارع شبعا، التي بصرف النظر عن ما يعتري هويتها من اشكاليات، اكانت لبنانية او سورية، الى انها معتبرة، سياسياً، جزءا من الاراضي اللبنانية المحتلة، وبالتالي يمتلك حزب الله "حقاً مشروعاً" لتحريرها، انطلاقا من تفسيرات ارتجالية وسياسية ايضاً للقرار ١٧٠١، الذي لطالما وجدت التوازنات السياسية في البلد أبواباً لتفريغه من مضمونه.

 

كما اختار حزب الله حدوداً "عاقلة" للرد، تحفظ ماء وجه حزب الله ولا تسمح للاسرائيليين بالذهاب في حفلة جنون على أبواب انتخابات ١٧ آذار المقبل. وهو ربما استفاد من حقيقة ان الرأي العام الاسرائيلي معارض لأي حرب جديدة لتسجيل هدف محدود ولكن كافٍ ليحمي سمعته وصورته ومعنوياته. ولعل هذه الحدود "العاقلة" للرد هي ما استدعى ان تستكمل العملية في الاعلام  على شكل تغطية مجبولة بسيل من الشائعات والمبالغات لساعات طويلة حاولت صناعة "صورة" للعملية تفوق حجمها بكثير.

 

العملية محترفة وشجاعة بلا شك. وتندرج في لعبة حرب اعصاب وحسابات بالغة الدقة مع اسرائيل في واحدة من اخطر اللحظات التي تمر فيها المنطقة. هذا صحيح. لكنها في الوقت عينه، ولأنها تحصل في السياق المشار اليه، إحتاجت لتلك المبالغات الذي تابعناها بالامس. فحين كان يُسأل حزب الله عن الرد على اغتيال الحاج عماد مغنية كانت الاجابات تتمحور حول فكرة واحدة: المقاومة تبحث عن هدف يوازي مغنية في القيمة والحجم!  وبالتالي من حسن الفطن ان نستنتج ان عملية شبعا استهدفت هدفاً يوازي في حجمه وقيمته من قتلتهم اسرائيل في القنيطرة وبينهم احد ارفع ضباط الحرس الثوري العاملين في سوريا والعراق وعدد من نخبة قادة الميدان في حزب الله.

 

هل هذا ما حصل؟ بدأنا نهارنا أمس بأنباء عن حصول عملية شبعا وسرعان ما راحت الحصيلة ترتفع الى حدود الحديث عن  ١٨ قتيلاً بينهم جنرال كبير وأسر جندي. وبقي الخبر يتداول بشكل مضلل على صيغة "قتلى وجرحى في عملية لحزب الله في شبعا". كما تحفظ حزب الله على مسألة أسر جندي، فلم يؤكد ولم ينف الخبر الذي سربته مصادره للوكالة الوطنية للأنباء كجزء من حرب الدعاية الحربية. ترافق كل ذلك مع انفجار تنظيري ممانعاتي وصل الى حدود وصف العملية في شبعا بأنها "الأهم في تاريخ المقاومة"!

وما ان شارف نهار التغطية على الأفول حتى تبين ان دية من قتلتهم غارة القنيطرة لم تتجاوز نقيباً وجندياً اسرائيليين. بل وسارع حزب الله الى بعث رسائل تطمين عبر الامم المتحدة، انه يكتفي بهذه الحدود للرد، للمرة الاولى في تاريخه، في سلوك مماثل لسلوك اسرائيل الذي أنفق عشرة ايام من التعبئة في التعييب عليه وتعيير الإسرائيليين به!

 

وكأن الغبار الإعلامي الذي اثير، اثير خصيصاً للتعمية على هذين الامرين. الطبيعة المعنوية للضربة وتعديل قواعد العلاقة مع اسرائيل من خلال استبدال القرار ١٧٠١ بتفاهم جديد يحل محله وياخذ بعين الاعتبار التغير الاستراتيجي الذي اصاب البيئة التي ولد فيها هذا القرار قبل نحو عقد من الزمن. فاسرائيل تعرف ان القرار فُرغ من مضمونه عملياً وبالتالي سقطت ضماناته التي انطوت عليها بنوده. "الحدود العاقلة" لعملية شبعا والرد الاسرائيلي عليها، التي من ابرز سماتها التحييد الدقيق للمدنيين في الجانبين، تعني ان ثمة اتفاقا جرى توقيعه بالنار ومن ابرز بنوده التالي:

 

١- الضامن الدولي لهذا الاتفاق وعدم تطور الاحتكاكات الى حرب شاملة هو المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية التي تحمل كل انواع صمامات الأمان، حتى الان، لابقاء جرعة صحية من الاستقرار على حدود اسرائيل.

٢- تطوير خطوط الاتصال بين إسرئيل وحزب الله وجعلها تمر من خلال قوات الطوارئ الدولية بمعزل عن الدولة اللبنانية. 

٣-وقف التصعيد عند حدود التعادل بين غارة القنيطرة وعملية شبعا

-٤ تجميد اي أنشطة عملانية لحزب الله او الحرس الثوري تهدف الى خلق واقع جديد على جبهة الجولان.

 

خاض كل من حزب الله وإسرائيل مغامرة محسوبة، في توقيت لا يسمح للاثنين بالذهاب نحو حروب كبيرة وخرج الاثنان بمكاسب معتبرة. بوسع نتانياهو الان ان يخوض الانتخابات على قاعدة ان أقصى ما يمكن ان ترد به ايران على تأديبها في الجولان وإعادتها الى جادة الانضباط بقواعد الاشتباك هناك هو عملية شبعا. كما بوسع حزب الله ان يقول لجمهوره الواقع تحت ثقل الأزمة السورية واثمانها الفادحة، انه لا يزال عنوان حمايتهم من اسرائيل وانه القادر على إقامة ردع حقيقي بوجهها بصرف النظر عما يكبدهم إياه انخراطه في الحرب سوريا.

 

لا يلغي هذا السياق ان الأخطاء تحدث. وان الانزلاقات ليست خارج التوقع. نتنياهو ونصرالله يلعبان بالنار في مخزن للبارود. التدحرج نحو الحرب ما زال هو العنوان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024