تشريع زراعة الحشيشة ليس جديداً: القانون موجود منذ 1998؟

لوسي بارسخيان

الجمعة 2018/07/20

"حتى حاجز الجيش". هكذا، حدد لنا ناطور زراعي مساحة الأرض المزروعة بالحشيشة، على طريق عام بين سهل بوداي والعلاق، حيث كان ينتظر بداية مغيب الشمس، ليدير عليها مياه الري، من بئرين ارتوازيتين حفرتا لري عطش النبتة التي كلما تغذت بالمياه "جوهرت" وأمنت انتاجاً نظيفاً.

على مسافة 1500 دونم تمتد مسؤولية الناطور، الذي بنى خيمته فوق بركة تجميع مياه، في أرض هي واحدة من مساحات واسعة من السهل، زرعت بالحشيشة "على عينك يا دولة"، ولا تخترقها سوى جزر ضيقة من زراعات القمح والبندورة والدخان.

فبعد 4 سنوات من غض النظر عن هذه الزراعة بحجة انشغال أجهزة الدولة بحربها على الارهاب، تمددت في سهل البقاع نبتة لا تحتاج إلى كثير من العناية، كلفتها قليلة، لكن مردودها يستحق "المخاطرة". لم تعد تقلق هذه النبتة لا صورها في وسائل الاعلام، ولا حتى التهويل بتلفها، خصوصاً أن مسرحة هذه العمليات الهوليوودية لم تنجح سابقاً بردع ولو مزارع واحد من مزارعي الحشيشة ولا حتى تاجر.

عند حدود قطعة الأرض التي تحدث عنها الناطور، وصلنا فعلاً إلى حاجز الجيش، الذي تخاله شيد في وسط سهل الحشيشة، يستريح عناصره، وكأنهم تنشقوا كل ما نفثته السهول في الأجواء. فهؤلاء ليسوا سوى "مأمورين" عند رب عمل اسمه الدولة. ومسؤولو الأخيرة يتجهون ليرفعوا "العشرة" أمام زراعة صارت أمراً واقعاً مع مرور الزمن، فيما الخوف الحقيقي من أن يكون ما كشفه رئيس مجلس النواب نبيه بري عن التوجه إلى تقديم مشروع قانون "لتشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية"، ليس سوى غطاء لمزارعي الحشيشة وتجارها بصفتها "غير القانونية". فهم ما كادوا يلقمون أسلحتهم لـ"تهشيل" أجهزة الدولة التي وعد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتوجيهها لتلف حقول الحشيشة، حتى استراحوا مجدداً أمام كلام بري.


غير أن ما طرحه الرئيس بري ليس "سابقة" في القوانين اللبنانية. فعلى صفحته في فايسبوك كشف المحامي توفيق الهندي عن قانون المخدرات الرقم 673، الذي يشرع منذ العام 1998 زراعة الحشيشة لأغراض طبية وصناعية.

زود المحامي الهندي "المدن" بمواد القانون المذكور، التي تكشف ارتباط الترخيض بمزاولة هذه الزراعة بوزير الصحة، على أن تعطى الرخصة لسنة واحدة قابلة للتجديد، ولا تعطى سوى لمؤسسات الدولة والمعاهد العلمية، ومراكز البحوث العلمية المعترف بها والتي يستدعي اختصاصها استعمال المخدرات. إضافة إلى أصحاب معامل التحاليل الكيماوية أو الصناعية أو الجرثومية أو الغذائية، وأصحاب المحال والمصانع المسموح لها بصنع الأدوية التي يدخل في تركيبتها. وإلى الصيدلي أو لشخصية معنوية يشترك صيدلي في تسييرها أو في ادارتها.

علماً أن المادة 20 من القانون اشترطت أن يكون منح الترخيص مرهوناً بالتحقق من المؤهلات الأخلاقية والمهنية لطالب الترخيص، كي لا يمنح لمحكوم عليه بعقوبة جنائية، أو باحدى الجرائم المنصوص عنها في القانون، وبإحدى الجرائم الشائنة، أو من سبق وصرف تأديبياً من وظيفة عامة لأسباب مخلة بالشرف.

إلا أن ما لفت الهندي هو المادة 16 من القانون، التي أجازت استثناء الترخيص باستخدام المواد لأغراض غير طبية أو علمية، وهو استثناء اعتبر أنه يفتح الباب على اجتهادات واسعة.

إذن، القانون موجود فعلاً، لكنه لم يسلك طريقه إلى التنفيذ، وبقي في أدراج الدولة حتى نسيه المشرعون أنفسهم، مستسلمين لغلبة غير الشرعي على الشرعي طيلة السنوات الماضية، إلى حد فرض "محميات" الحشيشة نمطاً "مافياوياً" في تصريف الانتاج وتبادله. بالتالي، صرف النظر عن كل بديل.

في العام 2011، جرت في فرع الزراعات المتسعة في مصلحة البحوث العلمية الزراعية في تل عمارة تجربة محدودة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي، من أجل دراسة مدى ملاءمة تأقلم القنب الصناعي للطبيعة اللبنانية، وامكانية زراعته كبديل من القنب الهندي.

والقنب الصناعي، كما يشرح لـ"المدن" المهندس شفيق اسطفان الذي أشرف على التجربة، هو عبارة عن النبتة نفسها التي تستخرج منها الحشيشة ولكن بمحتوى أقل من مادة التتراهيدرو كانبينول المخدرة، التي لا تتجاوز نسبتها في القنب الصناعي 1%. ما يسمح باستخدام انتاجها في المنتجات التجميلية، وبعض المواد الطبية. إلا أن نقطة التشابه الكبيرة بين النبتتين، تحمل خطورة "تلغيمها" بزراعات ممنوعة، يمكن أن تزرع في خلفية القنب الصناعي، من دون التنبه لنقطة الاختلاف بينهما.

فخلال فترة التجارب التي جرت بإذن من وزارة الداخلية، وبعد تصريح قدمه القيمون على المشروع للأجهزة الأمنية، تعرض فريق المشروع لعمليات تهويل من مزارعي الحشيشة، الذين اعترضوا عملية حصاد القنب الصناعي، واستولوا على المحصول بقوة السلاح، ظناً منهم أنه من نوع "البضاعة" التي يتاجرون بها. ولما حاولوا اعادتها عندما تأكد لهم أنها لا تحوي كمية المخدر المطلوبة، فضل فريق العمل التخلي عنها.

إلا أن هذا لم يكن المطب الوحيد في وجه الفريق العلمي، بل إنه بعد انتهاء مرحلة الحصاد، التي لم تتطلب سوى بعض التعديلات في حصاد القمح، وُجه الانتاج بتكدسه في مخازن المختبرات بسبب غياب المعامل والمعاصر التي تعصر بذار النبتة لاستخراج الزيت الذي يحولها منتجات تجميلية، لتبقى امكانية تصريفها الوحيدة في الخارج.

ليس التذكير بما سبق، لوضع "العصي" في الدواليب أمام الرئيس بري، والمصفقين لاقتراحاته التشريعية للحشيشة، إنما للتذكير بأن "شرعنة" استخدامات الحشيشة، لا تكون بقانون من هنا أو تجارب من هناك، بل تؤمنها دولة، لم تثبت حتى الآن جديتها في تطبيق أي من القوانين التي تصدرها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024