المحكمة الدولية "المنسية": يتيمة لجمهور حزب الله

فؤاد خشيش

السبت 2019/09/21
لم يكن لصدور قرار المحكمة الخاصة بلبنان في عملية اغتيال جورج حاوي ومحاولتي اغتيال مروان حمادة وإلياس المر، واتهام القيادي في حزب الله سليم عياش المجهول الإقامة، أي صدى إعلامي ولا "تحليلي"، ولا حتى تعليقات بين الممانعين. كأنما المحكمة برمتها لم تعد تعنيهم، لا من قريب لا من بعيد، بعدما كانوا يقولون إنها مسيّسة وتستهدف فريق 8 آذار.

وحتى ما كان يوماً جمهور قوى 14 آذار، فقد حماسته للمحكمة الدولية وقراراتها، بعدما كانت تشكل بنداً ساخناً في البرنامج السياسي لتلك القوى. وكما تكاد جرائم الاغتيالات تغرق في الصمت والنسيان، كذلك يلف الصمت والغموض اسم سليم عياش القيادي في حزب الله، والذي مر اسمه مرور الأشباح فوق صمت قبور الضحايا.

من هو سليم عياش؟
أشارت المحكمة إلى أنه كان قد سكن في شارع الجاموس بضاحية بيروت الجنوبية، ومعقل حزبه الأمني. وتحديداً في بناية طباجة. ويعج الشارع اليوم بالمحال التجارية، التي يقول صاحب متجر منها إن الشارع قد يكتسب صيتاً وشعبية أكبر، لأن أحداً لم يكن يتوقع أن يكون ذلك القيادي في حزب الله من سكانه، وأن يكون على هذا القدر من الأهمية. وربما سيحمل شارع ما في الضاحية اسمه تكريماً له، على الرغم من الغموض الكبير الذي يلف الرجل وسيرته. فلا أحد من سكان بناية  طباجة سمع باسمه قبل أن تذيعه المحكمة الدولية.

لكن الشيخ حسن سعيد مشيمش - وهو كان مساعد أمين عام حزب الله في مطلع التسعينات، صبحي طفيلي، وطارده وسجنه ونكًل به سنوات كل من حزب الله والنظام الأسدي، قبل إطلاق سراحه ولجوئه في فرنسا هارباً من سطوتهما الأمنية – كتب قبل مدة على صفحته في الفايسبوك متسائلاً: من هو سليم عياش المتهم باغتيال رفيق الحريري رحمه الله؟ وهو يجيب: "حماتي والدة زوجتي أرملة الشهيد العلامة السيد علي بدر الدين رضوان الله عليه الذي اغتاله الخمينيون، تزوجت بعد استشهاده الحاج دخيل عياش سنة 1984. والحاج دخيل زوج حماتي، ابن عمه سليم عياش من جهة، وصديقه منذ الطفولة من جهة أخرى. وقاوما الاحتلال الإسرائيلي معاً، من جهة ثالثة. وبحكم هذه العلاقة المتينة والقوية والتاريخية بين زوج حماتي الحاج دخيل وسليم عياش، ارتبطت أنا بعلاقة متينة خاصة بسليم وأسرته وعائلته منذ سنة 1985 وحتى سنة اعتقالي في العام 2010، فضلا عن علاقتي الحزبية به".

وأضاف مشيمش: "سليم عياش صديقي وقريبي وزميلي في الحزب الذي أحدثكم عنه، وبقيت علاقتي به ممتازة حتى بعدما وقع الطلاق الخلعي بيني وبين الحزب سنة 1998. لكنها انفجرت وانقطعت بعدما وقع اغتيال الشهيد الحريري. وذلك عندما شاهدت سليم عياش قد اتخذ اجراءات أمنية احترازية غير عادية مطلقا. فقلت تخمينا وتحليلا أمام بعض الأقارب المشتركين بيني وبينه: جهاز أمن الحزب قد يكون متورطاً باغتيال الحريري ودليلي الإجراءات الأمنية فوق العادة وفوق الطبيعية التي اتخذها واعتمدها الحاج سليم عياش. نقل أقاربي حديثي هذا للحاج سليم، فتحول إلى أحقد مخلوق عليَّ وذهب مباشرة إلى اتهامي بالعمالة لإسرائيل. وسبق أن تعرضت لتهديد مباشر من قائده مصطفى بدر الدين الذي كانت تربطني به صداقة متينة من جهة، وكان جاري في المربع الأمني الذي كنت أقيم فيه كعضو قيادي في الحزب من جهة أخرى. وهما مع قيادة الحزب يعلمون جيدا أن أقداري شاءت أن أكون متمرداً شكاكاً (...) لا يكترث لخسارة المناصب والرواتب والمراكب حينما تتعارض مع ضميره ووجدانه ودينه وعقيدته".

إقفال تلفزيون المحكمة
ليس سهلاً  إقناع جمهور حزب الله بقرار الاتهام. أحدهم يردد الكلام الشائع: القرار يستهدف المقاومة، والمحكمة الدولية هي محكمة سياسية وأميركية وصهيونية، وهي تحاول النيل من نصر المقاومة في العام 2006. ولا فرق بين مرددي هذه الكلمات والآخرين الذين لم يهتموا بالقرار، حتى أنهم لم يقرؤوا أخباره، ولا عرفوا أي شيء عن المحكمة الدولية وقراراتها، ولا حتى يريدون معرفة مكان وجودها.

لا أحد يريد الحديث عن الموضوع، ولا أحد يعرف أصلاً طبيعة ما يحدث. فيما قال أحدهم ساخطاً إن قراراتها "تساوي نعلة". الصمت سيد الموقف في انتظار رد من الأمين العام. فهو من يقرر، وهو الحاكم والمحكمة والمرشد، ومن يضع الاستراتيجيات.

أما حين تذكر اسم جورج حاوي، فغالباً ما ينتفض محدثك قائلاً: مين هيدا؟ الشيوعي؟ أي شو يعني، شوفينا نخدمو؟ وهناك من يتبرع بالقول بلهجة حادة: كل واحد بيتطاول، هذا مصيره، واللي مش عاجبو يفل!

ولربما مر زمن كان فيه جمهور حزب الله يكترث، من باب الحيرة والقلق، بما يصدر عن المحكمة الدولية. لكن زمن تحقق الوعود والانتصارات محا تماماً كل قلق وحيرة، وجعل ذلك الجمهور يعيش ممتلئاً بقوته المتعالية في حصنه المنيع، وبإيمانه المقدس بكلام سيد المقاومة. وحين انتشر خبر إقفال تلفزيون المستقبل، صرت تسمع من يقول: ماذا تبقى من محكمتهم؟  فها هو "تلفزيون المحكمة" يطفئ أنواره ويختفي من الوجود.

لكن الغريب أن التجاهل وعدم الاكتراث بالمحكمة، انقلبا إلى عكسهما لدى البعض، بعدما أصدر الحزب الشيوعي اللبناني وعائلة جورج حاوي بياناً مشتركاً يتنصل من المحكمة الدولية ويشكك بها، فصرت تسمع من يقول: إذا أهل القتيل لا يثقون بالمحكمة، فكيف يثق بها من تتهم رموزهم وقادتهم بالجريمة؟!
إنها محكمة يتيمة ولقيطة، ختم أحدهم قائلاً، كأنما المحاكم تكتسب معناها وقوتها من الحسب والنسب وعلاقات الدم والقرابة.
أما حادثة تدمير منشأتي أرامكو النفطيتين في السعودية بطائرات مسيرة، فأثارت بدورها زهو رجلين يتحادثان في فان في محلة بئر العبد، فقال أحدهما: إذا كانت أميركا التي تقف وراءهم لا تتجرأ على إيران، فكيف لمحكمة منسية أن يكون لقراراتها أي معنى؟ فليشربوا بعد اليوم "زوم" المحكمة.

يساريون يؤيدون المحكمة
في الساعة الخامسة بعد ظهر الجمعة 20 أيلول تجمّع في مكان استشهاد الأمين جورج حاوي قرب محطة الزهيري في وطى المصيطبة، عدد من اليساريين المسنين المنضوين في حركة "اليسار الديموقراطي" و"حركة الانقاذ" (إنقاذ حزب حاوي من التشرذم). وهم رموز المعارضة الحزبية، وإلى جانبهم عدد من الأسرى المحررين. وهدف التجمع - الوقفة إعلان موقف مؤيد لقرار المحكمة الاتهامي، الذي اتهم عياش القيادي في "حزب الله". لم يتجاوز عدد المجتمعين العشرين، وقال أحدهم: "هذا اللقاء لتسجيل موقف فحسب".
ولم يشهد التجمع رفع شعارات ورايات، حتى أنه لم يثر اهتمام المارة في الساحة، على خلاف التجمعات الأخرى التي تشهدها هذه المنطقة المكتظة غالباً بالناس.
وقال القيادي اليساري حنا صالح، في كلمة مقتضبة، إن "جبهة المقاومة الوطنية هي الأساس في مواجهة إسرائيل"، مشيراً إلى أن المجتمعين يدعمون أي قرار تتخذه المحكمة الدولية. وأخيراً، استنكر الحملة على الأسيرة المحررة سهى بشارة، واصفاً إياها بأنها "رمز للمقاومة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024