تقرير فرنسي عن حزب الله بأوروبا: تبييض أموال وأمونيوم

المدن - لبنان

الخميس 2021/06/10
نشرت "لو بوان" الفرنسية تحقيقاً مطوّلاً حول نشاط حزب الله في فرنسا والاتحاد الأوروبي، ونشاطاته على مستوى تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات لتمويل نشاطاته، ومنها تخزين نيترات الأمونيوم في بلدان أوروبية عديدة. وهنا ترجمة لأهم ما جاء فيه:

لن يكون قرار الحكومة الفرنسية القاضي بتسليم الموقوف اللبناني مازن الأتات، المتّهم بالعمل لصالح حزب الله، إلى السلطات الأميركية بلا عواقب. فلحزب الله، الذراع العسكرية لإيران في الشرق الأوسط، وجود وتشعّب في أوروبا وفرنسا. كما أنّ نشاطات الحزب زادت على نحو مقلق خلال الأعوام الأخيرة. ويبقى الأهم، أنّ هذه النشاطات تتعلّق بتبييض الأموال والدعاية السياسية وجمع الأموال والاتجار بالمخدرات وتخزين نيترات الأمونيوم، حسب ادعاءات المسؤولين الأميركيين. ونترات الأمونيوم خطرة، وكانت عنوان الانفجار الضخم الذي دمّر العاصمة اللبنانية يوم 4 آب 2020 وقتل أكثر من 200 ضحية وخلّف آلاف الجرحى. وإذا ارتبطت هذه النشاطات إلى حد كبير ووثيق بحزب الله، ينفي الأتات أي علاقة له بهذه الأمور.

تبييض أموال.. كولومبيين
يستقبلنا مازن الأتات في منزله في باريس بلحيته مشذبة وشعر مسرّح، ووشم مخفي بساعة يد أنيقة. يضع ثلاث أجهزة خلوية بقربه على الطاولة، يجلس الرجل الأربعيني وقد صفّى حساباته مع القضاء الفرنسي. إذ سبق وتمّت إدانته للمشاركة بأعمال جنائية لصالح "Lebanese connection" المتّهمة بتبييض الأموال لصالح تجّار مخدرات كولومبيين. فقد أدان القضاء نهاية عام 2018، 13 شخصاً من بينهم الأتات، وصدرت بحقّهم أحكام تتراوح بين السجن لعامين و9 أعوام. وعمد هؤلاء على جمع أموال التجارة بالمخدرات، وشراء مجوهرات وساعات يد وسيارات فخمة، ليعيدوا بيعها في لبنان أو في أفريقيا الغربية ويقوموا بإعادة تحويل الأموال التي تم تبييضها إلى الكولومبيين، مقابل حصة من الأرباح. وهذه الأعمال كان تدخل ملايين اليورو كل عام، ومنها 20% على الأقلّ لصالح حزب الله.

سكرتاريا.. وعشيقة
كشفت إدارة المخدرات الأميركية هذه الشبكة، من خلال العمل مع نظرائها في فرنسا. وقد أطلق على العملية اسم "عملية الأرزة". والمحققون الأميركيون على قناعة تامة بعلاقة عدد من المتورطين في هذه الشبكة بحزب الله. وبين المتورطين أيضاً، محمد نور الدين، والذي حكم عليه بالسجن لمدة 7 أعوام. كما أنه مهدّد بالتسليم للولايات المتحدة، على الرغم من أن موكله القانوني ينفي أي علاقة له بحزب الله. يقول مازن الأتات أنه تم جزّ اسمه بالملف لكونه مقرباً من نور الدين، "كنت أقدم له خدمات سكريتاريا، وفي بعض الأحيان أتلقى اتصالاته، لا لشيء سوى لأنه كان لمحمد عشيقة، وكنت أغطي على هذا الأمر حين تتصّل زوجته به".

تسميم البئر
في سياق آخر، يشير كوانتين ماغ، وهو أحد ضباط الشرطة الفرنسية التي توّلت "عملية الأرزة"، إلى أنه "في فرنسا، نحن نعمل وفق مبدأ الوقائع والاثباتات". يضيف أنه "بالطبع كان لدى الأميركيين معلومات لم تكن بحوزتنا"، مشدداً على ارتباط المال بالعمل السياسي والديني. كما يلفت إلى الغطاء الذي يمكن أن يعمل بعض المجمرمين في ظلّه، أو حتى المصالح التي يسعى آخرون إلى تحصيلها. يقول إنه "خلال المحاكمة، عندما تم لفظ اسم حزب الله، كأنّ صقيعاً ضرب الغرفة"، في إشارة إلى واقع الصدمة. وفي حين أعدّ ماغ كتاباً مؤخراً حول الشبكات العالمية لتبييض الأموال، يلفت إلى أنّ هذه الأعمال "أشبه بتسميم بئر، منظمات كحزب الله يعملون على إضعاف أعدائهم، ونحن أعداؤهم. ينشرون المخدرات بين أطفالنا ويجنون أموالنا". ويشدّد المحقق الفرنسي على أنّ الاعتداءات التي نفذّها تنظيم القاعدة في مدريد عام 2004 كان الاتجار بالمخدرات مصدر تمويلها الأساسي.

ترنّح فرنسي
وعلى مستوى آخر، يؤكد أحد القضاة الموكلين في "عملية الأرزة"، بودوان توفنو، على أنه "في هذه العملية لم يتمكّن القضاء الفرنسي من تثبيت عناصر الإرهاب، إذ لم يكن بحوزتنا أدلة دامغة". يضيف بوديان أنه "لا يمكن جزم العلاقة المباشرة لحزب الله والإرهاب في هذه العملية، كما لا يمكن نفيها في الوقت نفسه". وفي لبنان، حيث يمسك حزب الله بزمام الأمور، لم يتم إجراء أي تحقيق في هذا الإطار. فماغ يعتبر أنه "من الأفضل لو يتم العمل على ملف محكم في التحقيقات والمسار القضائي بدل الوقوع في أفخاخ التخمين".

الملاحقة الأميركية
لدى خروجه من المحكمة، استدعي مازن الأتات، فاكتشف أنه تم تسطير مذكرة دولية لتوقيفه من قبل الولايات المتحدة. يعلّق بالقول: "شعرت بصدمة كبيرة". ويعمل اليوم وكيله القانوني المتخصص بالقانون الجنائي الدولي، وليام جوليه على محاولة إبطال هذه الإجراءات الأميركية. في حين يصرّ قضاة أميركيون على ضرورة مثول الأتات أمام المحاكم الأميركية، لكونه متورطاً بنشاطات تمويل حزب الله. أما جوليه فيؤكد من جهته أنّ "الأميركيين لم يقدّموا أي دليل إضافي على الأدلة الموجودة لدى القضاء الفرنسي، لارتباط الأتات بأشخاص من الجناح العسكري في حزب الله".

فرنسا.. والقرض الحسن
في فرنسا، تعمل جمعيات ومنظمات مقرّبة من حزب الله على جمع الأموال لصالحه. ففي 29 كانون الأول 2020، تمكّن عدد من المقرصنين من خرق نظام جمعية "القرض الحسن" التي تضعها الولايات المتحدة على لوائح العقوبات وتعتبر أنها أبرز الأدوات التمويلية للحزب، ونشاطاته الإرهابية. كما فرضت وزارة الخزينة الأميركية، الشهر الماضي، عقوبات جديدة على 7 شخصيات جديدة تعمل لصالح القرض الحسن وحزب الله. والأهم، أنه من بين أكثر من 100 ألف من الحسابات التي كشفها المقرصنون، يعود عدد من هذه اللحسابات إلى أشخاص أو مجموعات موجودة في فرنسا.

محاذير الجناحين
وذكرت "يوروبول"، وهي وكالة تطبيق القانون الأوروبية، حزب الله في تقريرها لعام 2020، معلنة أنّ "حزب الله مشتبه به بالاتجار بالألماس والمخدرات وبتبييض الأموال من خلال أسواق السياراة المستعملة". ويتم تحويل هذه الأموال إلى لبنان بواسطة التحويلات المصرفية أو حتى من خلال نقلها شخصياً عن طريق الرحلات التجارية. إلا أنّ التحقيقات في هذا الموضوع تصطدم بغياب البراهين الفعلية لتأكيد أنّ هذه الأموال لصالح الجناح العسكري لحزب الله". مع العلم أنّ فرنسا والدول الأوروبية لا تزال تفصل بين الجناحين العسكري والسياسي في الحزب، إذ تصنّف الأول فقط إرهابياً. كما يدخل في هذا التصنيف أيضاً الموقف الديبلوماسي والخارجي الفرنسي لحماية القوات الفرنسية العاملة في جنوب لبنان من جهة، وموقف الرئاسة الفرنسية تجاه لبنان وأزمته من جهة أخرى.

شيعة فرنسا
ينتقد ماثيو ليفي، أحد أبرز االخبراء في موضوع حزب الله، ومدير برنامج مواجهة الإرهاب في معهد واشنطن، الفصل من الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله، فيتعبر أنّ "حزب الله يجسّد خطراً دولياً". ويشير إلى أنّ السنوات الماضية "كشفت أنّ فرنسا وبلجيكا تشكّلان مركزاً لنشاطات حزب الله ولشخصيات تحمل الجنسية اللبنانية وإحدى الجنسيتين الفرنسية أو البلجيكية، وتساهم في نشاطات تمويل الحزب". ويضيف أنّ فرنسا تشكل قاعدة أساسية لحزب الله نظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين، ولوجود 150 إلى 200 ألف من الطائفة الشيعية في فرنسا". ويؤكد ليفي على أن ليس كل من ينتمون للطائفة الشيعية يدعمون حزب الله، إلا أنّ أنصار الحزب ينشطون في هذه البيئة.

نتيرات حزب الله
لا يواجه حزب الله صعوبة في تجنيد أشخاص يحملون جنسيات أجنبية في تنفيذ بعض الأعمال. فالانتحاري الذي نفذ عمليات بورغاس في بلغاريا عام 2012، يحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية. وفي عام 2015، أوقفت السلطات القبرصية أحد الأشخاص المسؤولين عن تخزين ما يزيد عن 8 أطنان من نيترات الأمونيوم في إحدى الفيلات. وفي العام نفسه، ألقت السلطات البريطانية القبض على أحد اللبنانيين الذي يحملون الجنسيتين اللبنانية والبريطانية لتخزينه حوالي 3 أطنان من النيترات. ويستخدم الحزب هذه الخلايا لنقل النيترات بوسائل شرعية، إذ اتّخذت ألمانيا قرار حظر نشاطات حزب الله بعد اكتشاف مخازن لتخزين النيترات جنوبي البلاد. وحسب السلطات الألمانية، تقف وراء هذه العلميات مجموعات شيعية لبنانية. كما كشف منسّق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، ناثان سايلز، أنّ "حزب الله، منذ عام 2012، يعمل على تخزين الأمونيوم في أماكن عدة في أوروبا بوسائط مختلفة، وتم نقل بعض هذه المواد عبر بلجيكا وفرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا، كما تم التخلّص من بعض هذه الكميات في فرنسا واليونان وإيطاليا". ويضيف سايلز أنّ هذه النشاطات لا تزال مستمرة، في حين يشير بعض الخبراء في باريس إلى أنّ "حزب الله يقوم بنشاطات لوجيستية وتحديد أهداف على الأراضي الفرنسية. لكن في حال عملت مجموعات من الإسلاميين على نقل متفجرات فلا يعني ذلك حصراً أن حزب الله هو المتورّط".

حرب عقيدتين
وفي السياق نفسه، تشير ساريت زيفاهي، مدير معهد ألما للدراسات، إلى تصاعد قوّة حزب الله في الشرق الأوسط وأوروبا خلال الأعوام الماضية. تضيف أنّ الحزب يحاول العمل بالخفاء "فيمكن استخدام منظمات دينية لتنفيذ نشاطات إجرامية من دون استخدام اسم حزب الله". وتشير زيفاهي إلى أنّ "70% فقط من واردات حزب الله تأتي من إيران. منذ عقد يقوم الحزب بتمويل نفسه. وأوروبا جزء من نشاط الحزب". وتعتبر أنّ السلطات الفرنسية تقلّل من حجم المخاطر المحدقة بها وتستهين بها، "فحزب الله وحركة حماس ليسا فقط شأناً إسرائيلياً، والحرب هي بين عقيدتين، الأولى يمثلها الغرب الديموقراطي والثانية متجسّدة بالراديكالية الإسلامية الشيعية".

مركز الزهراء
ويشمل هذا التيار الداعم لإيران الحاضر على الساحة الفرنسية، من خلال جوامع ومراكز ثقافية إسلامية مرتبطة بحزب الله. في غراند سينت، شمالي البلاد، لطالما كان مركز الزهراء مكشوفاً في نشاطاته. مدير المركز، يحيى قواسمي، لم يخف يوماً دعمه للحزب. ويشير محامي قواسمي إلى أنّ "القضاء الفرنسي يدين موكلي لارتباطه بحزب الله المصنف إرهابياً، في حين أنّ هذا الحزب هو حركة مقاومة، تماماً كالمقاومين الفرنسيين الذين قاوموا الاحتلال الألماني عام 1940". ويهزأ المحامي مشيراً إلى أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "التقى العام الماضي رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد، موكلي لم يقدم على خطوة مماثلة". من يريد دخول مركز الزهراء، يمسح رجليه بالعلم الإسرائيلي. مع العلم أن القواسمي، نظّم تحالفاً معادياً للصهيونية عام 2009 للمشاركة في الانتخابات الأوروبية وكان على رأسها ديودوني وسورال. إلا أنه اليوم تم تصفية كل أعمال القواسم.، ويعمل الأخير على نشر أفكاره الداعمة للجمهورية الإسلامية والإمام الخميني عبر الانترنت. تغيّرت الوسائلة إلا أنّ الأفكار هي نفسها.

فرنسا لم تنته بعد من ملف حزب الله.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024