باسيل: للانفصال عن حزب الله هرباً من العقوبات

منير الربيع

الأحد 2020/09/13

طرح جبران باسيل أوراقه كلها على الطاولة. أراد تجنب أي حكم عقابي بحقّه، بعدما تأكد من أن قرار فرض عقوبات عليه قد اتخذ ما لم يقدم على مسار سياسي مختلف، عنوانه الابتعاد أو التمايزعن حزب الله.

أمام الجدار
كان حزب الله يعلم أن باسيل سيصل إلى هذا المفترق، وتوقع خطوته هذه. وليست هذه المرة الأولى التي يُطلب منه اتخاذ مثل هذا الموقف الصريح. لكنه كان يبقيه بين الكسر والجبر، محاكياً الخارج، أي الأميركيين، وحريصاً على العلاقة مع حزب الله. ولطالما نسّق مثل هذه المواقف مع الحزب إياه. وقد يكون الموقف الجديد منسقاً أيضاً. لكن لا بد من الإشارة إلى أن زمن اللعب والمناورة والالتفاف والمواربة، لم يعد مجدياً، وقد يكون أخطر من أي شيء آخر.

قبل أشهر كان جبران باسيل يستعد لقلب الطاولة، وتنفيذ انقلاب مع حزب الله ورئيس الجمهورية في مواجهة القوى السياسية المعارضة له.

التلطي بالهجوم على بري
كانت مشكلة باسيل الأساسية مع حزب الله، والتي تدفعه إلى إبتزازه دوماً، أن الحزب يقف دائماً إلى جانب الرئيس نبيه بري، فيما كان التيار العوني ونوابه يتلطون في الهجوم على بري من زاوية الفساد، بلا أي خلفية سياسية.

اليوم يريد باسيل إخراج نفسه من دائرة الاستهداف بالعقوبات من خلال إمعانه بالهجوم على رئيس مجلس النواب، وتحميله المسؤوليات كلها. طبعاً لن يقدر على تحميل حزب الله أية مسؤولية مباشرة، لأن هذا يشكل ضربة قوية لأساس خطابه ومساره السياسي. لذا فضل في خطابه اليوم الأحد في 13 أيلول، خلال المؤتمر الصحافي، الهجوم على بري وعلى معادلات سياسية واستراتيجية يتمسك بها الثنائي الشيعي.

خارج المشاورات والحكومة 
قسم باسيل موقفه إلى نقاط وبنود متعددة، بعضها سياسي وآخرها إصلاحي واقتصادي، وثالثها تطوير النظام والدعوة إلى لا مركزية إدارية ومالية موسعة.

سياسياً قال باسيل إنه مع الحكومة حتى وإن كان الثنائي الشيعي ضدها، مؤكداً أن عدم مشاركة تياره فيها لن يحجب الثقة عنها، بل يدعمها ويساعدها. وعلى الرغم من انتقاده طريقة تشكيلها وعدم التشاور معه، بل مع آخرين لا يملكون الأكثرية النيابية، قاصداً بذلك سعد الحريري ورؤساء الحكومة السابقين، لكن قوله هذا واتخاذه دور المظلوم، يشير إلى حجم المتغير الكبير في موازين القوى. فقبل أشهر قليلة كان باسيل قد شكل مع حزب الله بمفردهما حكومة حسان دياب، وأداراها كما يريدان. اليوم تتشكل الحكومة بدون مشاركتهما.  

سلاح حزب الله على الطاولة 
لم يأت باسيل على ذكر كلمتين اساسيتين: حزب الله والمقاومة. بل ذكر حزب الله في معرض كلامه عن عودته من سوريا. وأبدى تمسكاً بالقرار 1701، وبعمل قوات اليونفيل في الجنوب، على الرغم من "وجود بعض الإشكالات مع الأهالي. ولكن لبنان كله يتمسك بعمل هذه القوات كي لا يكون لبنان أو الجنوب ساحة لانطلاق عمليات وتصفية حسابات".

وهذا يتعارض بشكل كامل مع مواقفه السابقة ومواقف حزب الله. والأهم في ما قاله هو ملف ترسيم الحدود. داعياً إلى ضرورة الاتفاق عليه. ومعروف أن باسيل مؤيد لمبادرة فريديريك هوف منذ 7 سنوات. وموقفه هذا يتعارض مع موقف حزب الله وبري. وبمجرد ربطه القرار 1701 بترسيم الحدود مع إسرائيل، وبعمل اليونفيل، ورفض أن يكون جنوب لبنان منطلقاً لعمليات عسكرية، يعني أن الرجل يذهب أبعد من مجرد الاختلاف والمصلحة، إلى طرح ملف سلاح الحزب على الطاولة، لأن الترسيم يعني الاعتراف بإسرائيل وانتفاء الحاجة إلى المقاومة.  

انفصال عن حزب الله 
وذكر باسيل أن جزءاً من اللبنانيين أيد وتفهم دخول حزب الله إلى سوريا. لكن ذلك شارف على نهايته اليوم. لذا قال باسيل إن الحزب يفكر بالانسحاب من سوريا. ثم تلقف موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي حول حياد لبنان، ودعوته إلى مناقشة الاستراتيجية الدفاعية. وهذا يعني انفصالاً تاماً عن موقف حزب الله، فيما تبقى العبرة في التطبيق.

وكان باسيل واضحاً أكثر في موضوع سوريا. خصوصاً عندما تحدث عن عدم الاستقواء بالخارج انطلاقاً من استخدام الساحة السورية. ثم أعلن رفضه للمثالثة. وهذا ينطوي على رفض مقايضة أثمان القتال في الخارج ببنية النظام في لبنان. لكنه لم ينس التوجه إلى خصومه الذين يستقوون بالخارج، أي المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة من طرف واحد.

الانكفاء والهجوم على القوات
ولم ينس الرجل شن هجوم واسع على القوات اللبنانية، التي يعتبرها التهديد الأكبر له في الساحة المسيحية. هجومه هذا سيستمر للدفاع عن نفسه داخل البيئة المسيحية، بعد خسارته السنة، وبداية خسارته الشيعة. 

لقد انقلبت أحوال باسيل رأساً على عقب: بعدما كان طامحاً أو مدعياً أنه سيكون التيار السني الثاني والشيعي الثالث، يعود اليوم إلى قواعده المسيحية، في الخطاب والممارسة، وفي اللعب على الوتر العاطفي والمظلومية، وفي الادعاء بأنه تيار الدولة في مواجهة الميليشيا. وهذا  لعب على الوجدان المسيحي فات عهده.

وربطه ذلك بدعوته إلى اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، يعني أنه سيخوض صراعه داخل الساحة المسيحية بعدما كان يريد خوض المعارك في كل البيئات والساحات. وفشله أعاده إلى نغمة اللامركزية الموسعة، والتي ستكون لها معان مستقبلية كثيرة، إنطلاقاً من موقفه حول ترسيم الحدود، وفدرلة نماذج المنطقة من سوريا إلى العراق إلى صفقة القرن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024