غاب نادر فاجتمع الحريري وجعجع: ماذا وراء صورة عون-بري؟

منير الربيع

الأربعاء 2018/05/16

حدثان مفصليان لا يمكن التعاطي معهما بشكل هامشي. صورة اللقاء بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري في بعبدا، الثلاثاء في 15 أيار 2018، بعد انقطاع لأشهر؛ وصورة سمير جعجع إلى جانب الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط بعد انقطاع لأشهر أيضاً. هل هناك تحولات مقبلة على الساحة السياسية اللبنانية في ضوء المتغيرات المستقبلية؟ لا يمكن الجزم في الإجابة عن هذا السؤال، لكن لا بد من التوقف أمام ما يجري، خصوصاً أن حزب الله منذ اليوم الأول لانتهاء الانتخابات يعمل على جمع حلفائه، لاسيما حركة أمل والتيار الوطني الحر. يريد حزب الله من ذلك تعزيز وضعيته والاستثمار في انتصاره.

يربط البعض غياب نادر الحريري عن المشهد، وهو رابط العلاقة بين بيت الوسط وبعبدا، وأحد أبرز ناسجي التحالف الثنائي بين التيارين الأزرق والبرتقالي، بهذه التطورات. إذ إن ابتعاده يمثّل تمايزاً بين التيارين، والذهاب إلى مرحلة جديدة. وهذا ما يستدعي العودة إلى التلاقي مع الحلفاء السابقين، في إطار 8 آذار. ولا تنفصل ذلك عن بعض الاشارات الايجابية التي حصلت بين بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إذ اعتبر بري أنه ينسق مع الجميع وباسيل من ضمنهم، فيما ردّ باسيل بأنه حين يتحدث عنه رئيس المجلس بـ"المنيح" سيرد التحية بالمثل.

هذه الاشارات يمكن أن تقود إلى إعادة بروز اصطفافات سياسية جديدة على الساحة، يريد حزب الله وبري من خلالها إعادة إحياء التحالف الواسع، وضم قوى جديدة منتخبة حديثاً إليه، خصوصاً أن زيارة بري إلى بعبدا إذا وضعت في هذا الإطار تؤكد دخول عملية تشكيل الحكومة في مرحلة صعبة. فمسعى حزب الله سيكون لتحجيم القوات. ما يلتقي عليه كل من بري وعون. والخطوة تهدف إلى مواجهة تقارب الحريري- جعجع، الذي على ما يبدو قد بدأ قبل أيام. وهنا لا بد من السؤال: هل أن عون يريد تعويض ابتعاد الحريري عنه، وقد بدأت ارهاصاته مع إبعاد نادر الحريري، بتعزيز علاقته مع بري واستمرار التوأمة مع حزب الله؟ كل ما سبق قد يقود إلى الإجابة عن هذا السؤال. في المقابل، ثمة طرح لدى الحريري وجعجع معاً، بشأن ضرورة دعم العهد، واستمالة رئيس الجمهورية إليهما. وهذا ما أكده جعجع بعد اللقاء، إذ أشار إلى أن تفاهم معراب لم ينتهِ، والتفاهم مع الحريري يأتي في سياق اتفاق معراب، مضيفاً أنه يجب دعم العهد والمؤسسات والذهاب إلى إنطلاقة جديدة بوجوه جديدة.

وهناك أسباب أخرى لحصول هذه الاجتماعات، وأن تكون مصلحية ولحظية. فبري يريد رئاسة المجلس، ولا يريد أن يخوض معركة للحصول على هذا المنصب. لذلك، يجد نفسه مضطراً إلى فتح أبواب التواصل والتقارب مع كل الأفرقاء وأولها رئيس الجمهورية، فيما الحريري أيضاً يريد رئاسة الحكومة ويستحيل عليه الوصول إليها ما لم يتعاون مع القوات اللبنانية، التي كانت قد وضعت شرطاً لتسميته، وهو إنجاز تفاهم سياسي بينهما. لأنها لن تذهب إلى تسميته إذا ما أصر على سياسته السابقة، التي كانت ترتكز على تهميش القوات لمصلحة تعزيز العلاقة مع التيار. بالتالي، فإن هدف هذه التقاربات كلها ضغط الأفرقاء على بعضهم البعض، في إطار عملية تشكيل الحكومة وما تخضع له من ابتزاز. وهنا، أكد جعجع أن البحث تركّز على تشكيل الحكومة والمرحلة المقبلة.

منذ ما بعد صدور نتائج الانتخابات النيابية، تحرّكت الاتصالات بشكل قوي على خطّ معراب- بيت الوسط. مثّل جعجع شخصية ثابتة في تحالفاته، ولم يذهب إلى تحالفات انتخابية هجينة. موقفه هذا، بالإضافة إلى مواقف أخرى ترفض التنازلات، وضعته في مرتبة أولى خليجياً. نظرت إليه المملكة العربية السعودية بأنه الحليف الأوثق الذي يمكن الاتكال عليه في مواجهة حزب الله، لأنه لا يقدّم أي تنازلات. قيمة جعجع في نظر دول الخليج تجلّت مجدداً بزيارة التهنئة التي أجراها القائم بالأعمال السعودي والسفير الإماراتي، بعد صدور نتائج الانتخابات. وهذه لا يمكن فصلها عن ابتعاد نادر الحريري وعن لقاء بيت الوسط.

وتشير مصادر متابعة لمجريات اللقاء بين الطرفين إلى أن التحضير للقاء قد بدأ عبر قنوات التواصل قبل أيام، وقد أحرز تقدّماً إيجابياً جداً وفق ما تؤكد مصادر قواتية، معتبرة أنه سيمهد للتنسيق في تفاصيل المرحلة المقبلة. ويعتقد القواتيون أن اللقاء بين الحريري وجعجع سينتج إتفاقاً سياسياً وأساسياً متجدداً بينهما، على قاعدة كل العناوين التي كانت تجمعهما سابقاً. وهذا الأمر كان يعرقله نادر الحريري بحسب القواتيين، وخروجه يعني أن العلاقة ستكون أكثر جدية من السابق، ولا يمكن التلاعب في نتائجها، خصوصاً أن الحريري على ما يبدو سيبقى ماضياً في الاجراءات التنظيمية داخل بنية تياره.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024