الفلسطيني وإقامته اللبنانية الدائمة

أحمد جابر

الإثنين 2019/09/09

الإقامة الدائمة
النظر إلى مسألة "العمل الفلسطيني" في لبنان ليس مسألة معالجة عابرة، والتصدي لمعضلة معالجته عماده الاعتراف الواقعي بديمومة الوجود الفلسطيني في الجغرافيا اللبنانية، هذا من دون أن تمنع واقعية الاعتراف بالديمومة التواجدية الفلسطينية، من تكرار الشعارية السياسية اللبنانية التي ترفض التوطين، وتحرص على عودة الفلسطينيين إلى دولتهم المستقبلية المستقلة.

توطين أم تهجير
خط التمييز بين موضوعي التوطين والتهجير رفيع جداً، وكلام الافتراق عن الموضوعين دقيق جداً أيضاً، أما المرجعية التمييزية فكامنة في الإجراءات العملية التي يُعامل بموجبها الفلسطيني المقيم قَسْراً في لبنان، فهذه وحدها كفيلة بالفصل بين من "تباكى ومن بكى" على القضية الفلسطينية بكل تشعباتها وتعقيداتها.

وللوضوح، كان العامل الفلسطيني وما زال موضع نظرات مختلفة بين اللبنانيين، والصداقة مع الفلسطينيين مثل العداء لهم، كانت وجهة نظر بين الأطياف السياسية اللبنانية، مثلما كانت استقواء وتوظيفاً في الداخل اللبناني من جهة الأصدقاء والحلفاء، ووسيلة استدعاء استقواء وشحن "لبنانوي" طائفي من جهة الخصوم والأعداء. لقد طوى زمن ما بعد اتفاق الطائف هذه الثنائية، وكان اتفاق أوسلو وما تبعه العنصر الأهم في إعادة رسم السلوكات حيال الموضوع الفلسطيني، لكن مسألة التوجس و"النقزة" من "الفلسطينية" لم يغب عن أدبيات وسلوكات التجمعات الأهلية اللبنانية، في السر السياسي وفي جهره وإعلاناته. الجديد في هذا السياق كان دخول الاستتباع السوري زمن الوصاية على لبنان، والإجراءات والقرارات التي استهدفت الكتلة الشعبية الفلسطينية بالمنع من العمل في عشرات من المهن والمجالات، والتضييق الإضافي على المخيمات، وتصعيب حياة سكانها، أمناً واقتصاداً واجتماعاً، بحيث بدا أن المقصود أمران أساسيان: دفع الفلسطيني إلى الهجرة أولاً، بدعوى الحرص على حقه في العودة إلى دولته، والتغطية على التوطين السوري الحقيقي الذي تمَّت تغطيته بعملية تجنيس واسعة للعائلات السورية، وبحبل خطاب سياسي ممانع دعم "رقبة الفلسطيني" حتى إزهاق روح صاحبها.

حق التنظيم وحدوده
ما ورد لا يعني عدم تنظيم العلاقة مع "اليد العاملة" الفلسطينية، ولا يعني من الجانب الآخر عدم حماية اليد العاملة اللبنانية وتوفير فرص العمل لها. انطلاقاً من هذا الحق، وتأسيساً على مندرجاته، يطرح السؤال: ما هي المجالات التي ينافس فيها العامل الفلسطيني العامل اللبناني؟ الجواب يجب أن تحمله الإحصاءات الدقيقة، لكن مما يتيح إعطاء رأي عملي وقريب من الواقع، اللجوء إلى معاينة المعطيات العيانية التي تنفي جوانب كثيرة من مسألة المنافسة التي تشكل دافع "التنظيم" لدى المرجعية السياسية اللبنانية. من الجوانب العملية: لا يتقاضى الفلسطيني أجراً أقل من أجر العامل اللبناني في مجال الأعمال الزراعية وأعمال البناء والعمل اليومي المأجور حيث تكون له فرصة عمل. يخضع الفلسطيني لشروط المعيشة اليومية ذاتها ويتحمل ضغطها في غلاء الأسعار وفي تأمين الخدمات التي لا تؤمنها الدولة اللبنانية من ماء ومن كهرباء. يشتري الفلسطيني ما يحتاجه من السوق اللبنانية، فلا يأتيه "مدد" مهرب من خلف الحدود، ولا يحمل حاجياته من بلده الأصلي... يمكن أن تطول اللائحة أكثر، هذا للقول، أن الفلسطيني يشارك اللبناني ضغط البطالة، وغياب فرص العمل، مما يجعل "ابتكار" الخصومة مع اليد العاملة اللبنانية قناة تهريب للمشكلة الأساس: مسؤولية "الدولة" عن خلق فرص عمل جديدة للبنانيين، وتأهيل القوة العاملة لرفع مهنيتها وإنتاجيتها، وتأمين دعمها من خلال برامج مالية ومشاريع اقتصادية... إلى آخر ما يتم تداوله اليوم من إجراءات لمعالجة الأزمة الاقتصادية المستفعلة.

هل يعني ما تقدم استثناء الفلسطيني من كل الإجراءات التنظيمية "التشغيلية"؟ ليس هو المقصود، إنما المقصود أولاً وأساساً إدراك حقيقة الموضوع بما هو عليه، ولحظ الاستثناء "التشغيلي" الذي يوجبه وضع الإقامة الدائمة للكتلة الفلسطينية، هذا يعني أن السياسة مجدداً هي المدخل إلى التعامل مع الفلسطينيين من منظار سياسي شامل، وليس من مداخل "نظرية" ضيقة ترتد سلباً على مصالح وحقوق الشعبين اللبناني والفلسطيني.

التنظيم "الفخ"
توقيت طرح تنظيم "التشغيل" الفلسطيني غير ملائم، ومرجعيته، أي الوزير "القواتي" تطرح علامات استفهام، هذا يستدعي انتباهاً سياسياً وحذراً أداتياً، من القوات ومن وزيرها، فهذه الأخيرة، أي القوات اللبنانية، ترث عبء الماضي الثقيل مع القضية الفلسطينية، ووزيرها أُلقي إليه جمر ملف تنظيمي طرح على جدول الحكومات السابقة وأُهمل، ثم لم يتابعه فريق لبناني بهذا الدأب، فلماذا يبدي وزير العمل الحالي كل هذه الحماسة؟ من مدخل التنافس اللبنانوي في وسط المسيحية السياسية، هذه معركة مضرَّة للقوات اللبنانية، وقد يكون المستفيد منها التيار الوطني الحر الذي يوغل في رفع لواء "الممانعة" ويلبس لبوس "القومية والفلسطينية"، تاركاً، وإلى حين، لخصمه القواتي الاكتواء "بشوك" ملف العلاقة اللبنانية الفلسطينية، ومن مدخل مسألة تمس قوت الكتلة الفلسطينية، واستقامة أدنى شروط حياتها.

أخيراً
ينبغي القول أن التنظيم يبدأ من السياسة، والسياسة شاملة، ومن هذا المدخل، يسهل اقتراح المعالجات... و"فلسطين" عون للبنان وليست عبئاً عليه، هنا وفي كل مجال.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024