إسرائيل التائهة في أنفاق حزب الله

منير الربيع

الأربعاء 2018/12/05
آلت التحذيرات والتهويلات الإسرائيلية، إلى القيام بحملة عسكرية للبحث عن أنفاق لحزب الله، تصل بين الجنوب اللبناني والأراضي المحتلة. السؤال الأهم هو حول توقيت هذه الحملة، وما يرافقها أيضاً من حملة إعلامية مركزة من قبل الإسرائيليين، لإحراج لبنان الرسمي وترهيبه، وربما لحشر قوات اليونيفيل، بالإدعاء أن القرار 1701 لا يطبّق، إذ أن حزب الله لا يزال قادراً على الوصول إلى الداخل الفلسطيني المحتل. لا شك أن الحملة ستفيد حزب الله بالمعنى الإستراتيجي، وستثبت مجدداً مدى قدراته، التي لطالما تحدّث عنها أمينه العام.

برعاية خامنئي
من الواضح، أن الحملة تأتي في سياق تصعيد سياسي إسرائيلي تجاه حزب الله ولبنان، خصوصاً بعد إجتماع عاجل عقد بين وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بروكسل، وما تسرّب عنه من تهديدات حمّلها نتنياهو للوزير الأميركي لنقلها إلى لبنان.

منذ ما قبل العام 2006، وما بعدها، بدأ حزب الله العمل على حفر هذه الأنفاق. بعد التحرير في العام 2000، ولدى زيارة المسؤول العسكري السابق في الحزب عماد مغنية إلى الجنوب، بدأ التخطيط لحفر هذه الأنفاق إلى الداخل المحتل. جاء هذا التحرك بعد نقاش بين قادة حزب الله ومرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، حول ما الذي يمكن فعله بعد التحرير. فكان التوجه بحفر هذه الأنفاق إلى داخل الأراضي المحتلة.

وما بين العامين 2000 و2006، عمل حزب الله على محاولات خطف لجنود إسرائيليين، وكان الردّ الإسرائيلي غالباً يتحاشى حرباً واسعة، باستثناء لحظة حرب تموز. والمعلومات تؤكد انه منذ ذلك الحين، بنى حزب الله قرى تحت القرى، وأنفاقاً تصل قرى الجنوب ببعضها البعض، وهذا ما مكّن أمين عام حزب الله، تلويح وتصريحاً، أكثر من مرّة، أنه سيكون قادراً على نقل المعركة إلى الجليل أو إلى الداخل الإسرائيلي، بالإعتماد على الأنفاق.

هاجس الصواريخ
اكتشف الإسرائيليون الأنفاق منذ العام 2015، ولكن الإشكالية الحساسة في إسرائيل كيفية ضرب هذه الأنفاق وتدميرها، من دون الانزلاق إلى مواجهة واسعة أو حرب شاملة عند الحدود. وبهذا المعنى، تبقى هذه الأنفاق تفصيلاً، وليست الأساس، لأن الأمر الجوهري يبقى في أن تعرف إسرائيل ما هو مستوى وطبيعة الصواريخ الموجودة في لبنان، وإلى أي مدى قادرة على الوصول ومستوى دقّتها، وكثافة إطلاقها. وهذا ما يقرر الحرب من عدمها مع حزب الله.

حتى الآن، يتجنب الإسرائيليون أي ذريعة لافتعال حرب بسبب الأنفاق. فحتى وإن تم إكتشاف عدد من هذه الأنفاق، التي لن تستطيع القوات الإسرائيلية إكتشافها كلها، فلن تصل الأمور إلى تصعيد عسكري كبير، بل فقط سيتم إقفال الأنفاق من الجهة التي تسيطر عليها قوات الإحتلال.

في هذه الأثناء، ينشط الإسرائيلي، منذ ادعاء وجود مخازن أسلحة ومصانع صواريخ، داخل أروقة الأمم المتحدة، ما يشير إلى أن إسرائيل تحاول قلب الأجواء، لتكون في موقع الدفاع (المعتدى عليه) وليس في موقع الهجوم (المعتدي). وعلى هذا الأساس، تركزت مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الأمم المتحدة. وبعدها تزايدت الاتصالات والتحذيرات شديدة اللهجة، التي وجهها الإسرائيليون إلى لبنان، بوجوب وقف أنشطة حزب الله.

استنفار
التزم حزب الله الصمت حيال ما جرى. والصمت بحدّ ذاته موقف. إذ يعتبر أنه ليس مضطراً للعمل ككشاف لدى الإسرائليين، لكنه يؤكد جهوزيته لكل الاحتمالات، خصوصاً أن الإسرائيلي لا ينطلق من إعلان اكتشاف الأنفاق، مرفقاً بحملة إعلامية، من دون استحواذه على معطيات جدّية. صحيح أن الإسرائيلي يعرف بوجود هذه الأنفاق منذ فترة، لكن المهم هو التوقيت الذي اختاره لهذه الحملة، وهو إما مرتبط بحسابات إسرائيلية داخلية وإشكالية الإنتخابات المبكرة والتجييش الذي يحتاجه نتنياهو للبقاء رئيساً للحكومة، أو أن هناك أموراً أخرى مخفية.

حسب المعلومات المتوفرة، فإن الإسرائيلي ليس بوارد القيام بأي عمل عسكري، وحتى لو كان ذلك عبر توجيه ضربات محدودة. ربما أقصى ما يمكن حدوثه هو تفجير هذه الأنفاق، أو إغلاقها. فالتحذيرات التي تلقاها الحزب، أرسل مقابلها تحذيرات أكثر تشدداً، فحواها أن أي ضربة ستقابل بضربة مماثلة. وحزب الله كان على علم بالتحركات الإسرائيلية منذ يوم السبت الفائت، وهو في حال استنفار عسكري كامل. وعلى الأغلب، كل ما يجري هو ضغط على الحكومة اللبنانية ووضعها في مواجهة مع حزب الله، علاوة عن الحسابات الإسرائيلية الداخلية الإنتخابية وغير الإنتخابية. وهذه كلها سيعرف حزب الله جيّداً كيف يجيّرها لصالحه سياسياً ومعنوياً. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024