ما بعد "الجاهلية": تسليم الدولة لحزب الله

منير الربيع

الإثنين 2018/12/03

ما شهدته بلدة الجاهلية، السبت الفائت، هو تطور مهمّ. بمعزل عن التفاصيل، أو عن الملاحظات على هوامش النكسة في النتيجة. فاتخاذ قرار بإحضار وئام وهاب أمام المدعي العام، بعد تعذّر تبليغه مذكرة الإحضار، يعني أن إرادة سياسية حولت فرض توازن، ولو شكلي ومؤقت، مع المحسوبين على "محور الممانعة". لكن الخطأ وقع في التنفيذ، وربما أيضاً في كيفية تدبير القرار. إذ يسجّل كثر ملاحظات عديدة على ما جرى. لو كانت النية جدّية في توقيف وهاب، وثمة جرأة مكتملة لتحقيق ذلك، لما كانت هناك حاجة لإرسال قافلة أمنية من بيروت إلى الجاهلية لتحقيق ذلك. فنجاح العمليات الأمنية من هذا النوع تقترن عادة بالسرّية.


عراضات متبادلة
كان بإمكان الأجهزة الأمنية الترصد وإقامة حاجز مفاجئ، على طريق يسلكها وهاب، بما يفي بالغرض. أو يتم الذهاب إلى منزله بشكل سرّي ومباغت، كما حدث يوم تم توقيف ميشال سماحة. بمعزل عن المقارنة في الحيثيات والظروف. الأكيد، أن لدى الأجهزة الأمنية الكثير من المعلومات عن نشاطات وهاب، التي توصف بأنها خارجة على القانون. لكن، على ما يبدو، ما سعت إلى تحقيقه تلك الإرادة السياسية، يندرج فقط في إطار الرد على عراضات وهاب واستعراضاته.. بعراضات مضادة وحسب.

 يوم تم تسريب التسجيل المهين والذي تضمّن شتائم من قبل وهاب، نُظّمت حملة مقابلة. فنجح وهاب في استدراج خصومه إلى منازلته ومساواة أنفسهم به، وسط حساباتهم بالسعي إلى شدّ للعصب. والعراضة العسكرية من بيروت إلى الجاهلية، التي كان يتم تناقل صور لها على وسائل التواصل الإجتماعي، كانت غايتها الإثبات للبيئة السنّية تحديداً بأن زعامتها لن تصمت، ولا يمكنها السكوت على الضيم أو المهانة. وفي الأثناء، أي في وقت المسيرة العسكرية ذاته، أُتيحت لوهاب وأزلامه تحضير أنفسهم والتواري. وبعيداً من الدخول في تفاصيل وحيثيات مقتل مرافق وهاب، فإن النتيجة هي أن الرجل "المطلوب" سيحاول استثمار الحادثة إلى أقصى الحدود، استجراراً للتعاطف، ومجالاً للإبتزاز.

البهدلة الممنهجة
في الوقائع أيضاً، يبدو الرئيس سعد الحريري كأنما اتخذ قراراً بالرد على من يتطاول عليه. وأراد وضع المسألة في مرتبة الملاحقة حتى النهاية، أي تجاوز مقولة سائدة أن لا أحد يجرؤ على إسكات وهاب. أراد الحريري هذه الحملة التأديبية، لكن النتيجة انعكست بشكل سلباً، خصوصاُ إثر تدخّل حزب الله، الذي لم يرفع الغطاء عن وهاب، المستفيد من جملة تقاطعات على رأسها حظوته السورية، والرغبة السورية في الإمعان بالإنتقام من اللبنانيين المعارضين للنظام، والإستمرار في محاولات "بهدلتهم"، وفق توصيف أحد المسؤولين السوريين أمام بعض اللبنانيين، بأن دمشق ستبهدل خصومها في لبنان، في الحكومة وفي السياسة، شكلا ومعنى ومضموناً.

وسط كل هذه الضوضاء، ثمة من استشعر أن ما يجري هو أكبر من سجالات إعلامية. يعتبر البعض أن تدخّل حزب الله كان مرفقاً برسائل بالغة الأهمية، توحي أن للحزب تحسباً من محاولات بعض القوى وإستناداً إلى أجواء دولية، التحضير لوقائع ولأرضية سياسية تمهد لمشهد مختلف.

هذا التحسب دفع الحزب إلى التدخل، لحماية وهاب، وتنبيه الخصوم من الذهاب بعيداً فيما يفكرون به. هناك من يصف رسائل الحزب بأنها تحمل تهديداً وعيداً، وريبة من عميقة من كل معارضية، دافعاً في الوقت نفسه إلى تسوية كل هذا التشنج بطريقة هادئة. فكلام وهاب فور وقوع المداهمة، والذي حاول فيه تكرار الإعتذار ربما تأثراً بالصدمة، عاد وتغيّر إلى نبرة استفزازية، ومن المرجح أن يتصاعد أكثر بعد مقتل مرافقه.

الاستثمار بالدم
أغلب الظن أن لبنان وصل إلى حافة الخطر. وبغض النظر عن هوية القتيل وربطاً بالتعقيدات السياسية، لا يمكن أن تنتهي القصة عند هذا الحدّ. هناك من يبدي تخوفه من الإستثمار بدماء مرافق وهاب، لتسعير الوضع الأمني، أو لفتح صندوق باندورا الصدامات الأمنية أوالمذهبية. وهذا سعى إليه وهاب سريعاً، سواء بتصوير المشكلة وكأنها درزية - درزية، ودرزية - سنّية. وفيما بعد أحالها على حزب الله.

كان الردّ قاسياً على الدولة اللبنانية وسعد الحريري ووليد جنبلاط، الذي أكد بأن المختارة خطّ أحمر أياً كانت الظروف الإقليمية. الرسالة واضحة من قبل جنبلاط، بأنه لن يتنازل، ولن يسمح بهز عرينه. لكنه تلقى رسالة مقابلة، تحمل بعضاً من تهديد، وتفرض عليه قبول تنازل محدد، أو تهدئة الوضع، والحفاظ على حالة وهاب، الذي أحال "القضية" إلى حزب الله. ما يعني أن الحزب هو الموكل في حلّ المشاكل في لبنان، وعلى الجميع اللجوء إليه لإيجاد النواجع.

ما جرى في الجاهلية وبانتظار ارتداداته، سيسهم في المزيد من تهشيم الدولة، وتقديم فروض الطاعة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024