هل سيقبل حزب الله عودة مزارع شبعا مقابل السلام؟

سامي خليفة

الخميس 2019/10/10

يطلب بعض الخبراء في واشنطن وتل أبيب، من الحكومة الإسرائيلية التي كُلف بنيامين نتنياهو بتشكيلها، سحب آخر الذرائع من بين يديّ حزب الله. فالأجدى برأيهم، هو الإنسحاب من مزارع شبعا، باعتبار أن التخلي عنها بمساحتها الصغيرة لن تكون لها أي عواقب سلبية على إسرائيل، وسيحرج الجماعة اللبنانية أمام العالم.

اللحظة المناسبة
تبدو الساحة السياسية الإسرائيلية أكثر تعقيداً، بعد اعتذار رئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو عن تشكيل الحكومة. إذ إن المهمة تبدو صعبة بفعل تمترس الأحزاب الإسرائيلية خلف مطالبها للانضمام إلى ائتلافه المنشود. وقد أظهرت التطورات الأخيرة مع لبنان الغضب العارم الذي عبر عنه الجمهور الإسرائيلي خوفاً من أي حرب.

وعلى المقلب الأخر، تؤكد واشنطن أن العقوبات الاقتصادية قد بدأت تؤتي ثمارها وتنهك إيران والحزب في لبنان، وأنهما باتا يشعران أن الزمن يتجه في غير مصلحتهما، وبشكل يتفاقم مع مرور الوقت، وكما يقول العرب: "أول الغيث قطرة ثم ينهمر". فالإصرار على المضي قدماً بالسياسات نفسها لن يزيد الأمور إلا تأزماً، وقد تصل إلى نقطة يُصعب فيها الرجوع.

وعليه، يشير خبراء أن هذه هي اللحظة المناسبة لاتخاذ قرار إسرائيلي تراجعي، يُفضي إلى الانسحاب من مزارع شبعا، وطوي هذه الصفحة نهائياً.

سحب الذريعة
في اجتماع طارئ عُقد في الثاني من أيلول الجاري بمستوطنة أفيفيم، ناقش المشاركون  قدرة حزب الله على التسبب في الدمار والخسائر في الأرواح بين السكان المدنيين. وقال جيورا زيلتز، رئيس المجلس الإقليمي للجليل الأعلى، أن نصف المنازل في المنطقة، التي تضم مئات الآلاف من المدنيين، لا يوجد بها غرف آمنة. كما لا توجد حماية للمباني أو المصانع العامة، بما فيها تلك التي تستخدم مواد خطرة.

تحدث الباحث الإسرائيلي البارز، عكيفا إلدار، منذ مطلع أيلول، عن هذه النقطة وهلع المجتمع الإسرائيلي من أي حرب محتملة، وأشار إلى ضرورة تغيير إسرائيل للطريقة التي تتعامل بها في نزاعها مع لبنان من خلال محاولة جادة للتقدم نحو الحل. وبدلاً من الاعتماد على أمل أن يكون الردع العسكري والدبلوماسي كافياً، يمكنها أن تستخدم الأوراق الموجودة بحوزتها، وأكبرها على الإطلاق هي مزارع شبعا، على المنحدرات الغربية لجبل الشيخ، التي استولت عليها إسرائيل في عام 1967.

هذا وأكد ماتي شتاينبرغ، المستشار السابق لرؤساء جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، منذ بضعة أيام، إن جميع الخبراء الذين تحدث معهم اتفقوا على أن مزارع شبعا ليس لها أهمية عسكرية أو استراتيجية، لأنه من الممكن الاستغناء عن المنطقة بأكملها. مضيفاً أنه اختلف مع رئيس الوزراء السابق إيهود باراك حول قرار عدم الانسحاب من منطقة شبعا في عام 2000، وأوضح أن الإخفاق في الانسحاب منها سيمنح حزب الله ذريعة، ويجنبهم معضلة تقرير ما إذا كانوا لبنانيين أو إيرانيين.

وتم إدراج قضية مزارع شبعا بشكل صريح في مبادرة السلام العربية التي وافقت عليها جامعة الدول العربية في عام 2002. وهناك شبه قناعة بدأت تتبلور بين واشنطن وتل أبيب، بقبول هذه المبادرة كأساس لترتيب سلام إقليمي يمكن أن يعزز تلك الدول العربية التي أبدت اهتماماً متزايداً بالاقتراب من إسرائيل.

أرض لا قيمة لها
يرى خبراء مركز "ستراتفور" الأميركي، للدراسات الأمنية والاستراتيجية، أنه يجب على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بغض النظر عن الشكل الذي ستتخذه في النهاية، التحرك نحو إنهاء الحرب الآن من دون إطلاق رصاصة واحدة. ويتعين عليها أن تعرض الانسحاب فقط من مساحة صغيرة من الأرض، وصفها مبعوث الأمم المتحدة السابق للشرق الأوسط، تيري رود لارسن، ذات مرة، بأنها "قطعة أرض لا قيمة لها".

في سلسلة الأحداث هذه، ستنتهي حرب إسرائيل مع حزب الله، التي لم تجلب لها سوى الآسى منذ غزوها للبنان عام 1982. وستكون هناك مكافأة لإسرائيل: ستخسر إيران التهديد الاستراتيجي لآلاف صواريخ حزب الله الموجهة إلى المدن الإسرائيلية.

يمكن للدبلوماسية هذه، في حال اعتمادها، حسب الخبراء، تفكيك أدوات المواجهة الأخرى بين إيران وخصومها، ومن بينها البرنامج النووي الإيراني، حرب اليمن والعقوبات الأميركية ضد إيران، التي تهدد بإغراق الولايات المتحدة في حرب إقليمية.

فضح النوايا
تضم المنطقة التي تحتلها إسرائيل مع لبنان وسوريا 14 ملكية صغيرة، وصفها الخبير في شؤون الحزب نيكولاس بلاندفورد، بأنها جبل صغير ناء غير مأهول تقريباً، ويضم عدداً قليلاً من الأكواخ الحجرية المهجورة.

عندما احتلت القوات السورية المزارع، كان لبنان أضعف من أن يقاوم. وسمحت سوريا حينها للمزارعين اللبنانيين بزراعة أراضيهم كما لو لم تكن هناك حدود. لكن الأمور اختلفت عام 1967، عندما احتلت إسرائيل المنطقة التي تسيطر عليها سوريا إلى جانب مرتفعات الجولان السورية المجاورة لها، وقامت بإبعاد المزارعين عن مزارعهم. واستقر الوضع على هذا المنوال حتى عام 1989.

وإذا قدمت إسرائيل عرضاً بالانسحاب من شبعا، فهذا سيجبر الحزب، كما يرى الخبراء، على الإعلان عن نواياه، وسيحتاج للإجابة على الأسئلة التالية: هل تهدف أسلحته إلى تحرير الأراضي المتنازع عليها من الاحتلال الإسرائيلي وحسب؟ أم هدفها الحقيقي هو الدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، أو خدمة إيران كقوة مسيطرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط؟

أصر أمين عام حزب الله، أن الحزب لن ينزع سلاحه بينما تحتل القوات الإسرائيلية الأراضي اللبنانية. ومع ذلك، قال أيضاً، في صيف عام 2006، "نحن لا نرغب في الاحتفاظ بأسلحتنا إلى الأبد". وهنا يشير خبراء المركز الأميركي، أن إسرائيل ليس لديها ما تخسره. فإذا رفض نصر الله العرض، فلن تحتاج إلى الانسحاب، وسيثبت للعالم أن الهدف الحقيقي للجناح المسلح لحزبه ليس "تحرير" الأراضي اللبنانية بل العمل كقوة إنفاذ مسلحة لإيران في لبنان.

أما إذا قبل نصر الله العرض، فهذا سيجعل من الممكن تخيل سلام فعلي بين لبنان وإسرائيل يفيد كلا البلدين. كما أنه سيفتح الباب أمام الدبلوماسية للتعامل مع الكارثة السعودية الإيرانية في اليمن، وإعادة التفاوض بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وهذا يُعتبر سيناريو مربحاً للجانبين الإسرائيلي والأميركي، يجنب جر الجنود إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024