باسيل ومراسيم استعادة الجنسية: لماذا يمقت المتزوجات من أجنبي؟

جنى الدهيبي

الجمعة 2020/03/20

قبل أيام، وفي خضّم غرق لبنان بمخاوفه من تفشي فيروس "الكورونا"، عاد السجال حول مراسيم التجنيس، بعد أن نشرت حملة "جنسيتي حقّ لي ولأسرتي" على منصتها الإلكترونية في فايسبوك، منشورًا جاء فيه: "مراسيم تجنيس جديدة! البلد غرقان بالفساد والوباء العالمي كورونا والسلطة غرقانة بالتجنيس! وهذا جزء صغير من اللائحة الطويلة!". وأرفقت المنشورة بصورة مقتطعة من الجريدة الرسمية، تظهر لائحة بأسماء مجنسين جدد، وجميعهم كما يتبيّن من عائلتهم من الطوائف المسيحية.

ما كشفته الحملة حينها، استدعى ردًا سريعًا من قصر بعبدا ووزارة الداخلية. من جهة، نفى بيان رئاسة الجمهورية صدور مرسوم تجنيس جديد لعدد من الأشخاص من جنسيات أجنبية وعربية، وأكد أنّ هذا المرسوم الجديد هو لـ"استعادة الجنسية لمتحدرين من أصل لبناني". كذلك فعلت وزارة الداخلية من جهتها، وأصدرت بيانًا أوضحت فيه أنّ الاسماء المذكورة هي ضمن مراسيم استعادة الجنسية اللبنانية لمن يستحقها وفق ما ينص عليه القانون 41 الصادر عام 2015، وأنّ هذا التدبير معمول به منذ أكثر من خمس سنوات، والمراسيم تصدر دورياً بناء على دراسة تجريها لجنة برئاسة قاض.

لكن، هل كانت هذه التوضيحات كافية؟
ما صدر في الجريدة الرسيمة في عدد 11 بتاريخ 12 آذار 2020، ضمّ 8 مراسيم تجنيس ضمن قانون استعادة الجنسية تحمل الأرقام 6173، 6174، 6175، 6176، 6177، 6178، 6179 و 6180. أمّا ما صدر عن الجمهورية والداخلية، فاعتبرت حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" أنه لا يغيّر بموقفها، ولا ينفي أنّ بعض أركان السلطة يلهثون خلف مصالحهم الانتخابية والطائفية، وبما يخدم مصالحهم السياسية، على حساب حقوق النساء اللبنانيات. ورغم توضيحات السلطة، إلّا أنّ الحملة قررت الاستمرار بمواجهتها ضدّ السلطة تحت شعار "لا نريد مراسيم تجنيس تخدم مصالح سياسية، لا نريد مراسيم تجنيس منوطة بفئات محددة". وعادت الحملة لإصدار بيان صوّبت فيه بشكل مباشر على رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، وذكّرت أنها منذ بداية طرح مشروع "استعادة الجنسية"، أيّ "مشروع باسيل" كما أسمته، في تشرين الأول 2015، رفضته ولم تقبل به انطلاقًا من كونه استنسابيًا وتمييزيًا، "خصوصاً أنه من المفترض، بحسب سلّم الأولويات، أن تكون المرأة اللبنانية على رأس قائمة من لهم الأحقية بالحصول على الجنسية، وألا تأتي في الدرجة الثانية، بينما تُعطى الأولوية للمغتربين على حساب الأمّ المناضلة والنساء والمتمسكات بحقهن في لبنان"، كما رفضت الحملة أيّ قانون لا يحقّق المساواة القانونية الكاملة بين اللبنانيين واللبنانيات في منح الجنسية أو استردادها.

أجداد وقناصل
مرسوم استعادة الجنسية الجديد لمتحدرين من أصل لبناني، شمل 423 فردًا، أغلبهم من البرازيل والولايات المتحدة والمكسيك والأرجنتين ومصر والأورغواي وجنوب أفريقيا. والغضب الذي أثارته الحملة حول هذا المرسوم، يعيدنا إلى "فضيحة" مرسوم التجنيس الذي صدر سرًا في العام 2018، قُبيل الانتخابات النيابية، وقد خالف الإجراءات الدستورية المفترض اتباعها عند صدور مراسيم مشابهة، وتجسدت فضيحته بهويات المجنسين تحديدًا السوريين منهم وارتباطهم بالنظام السوري سياسيًا واقتصاديًا، ومعظهم كان من رجال الأعمال والمتمولين الكبار من الطائفة المسيحية أيضًا!

وفي السياق، يشير مصدر مطلع لـ "المدن" أنّ ما صدر في المرسوم الأخير ليس تجنيسًا على غرار ما حصل في العام 2018، وإنما هو تطبيق لقانون "استعادة الجنسية" رقم 41 الصادر في العام 2015، بعد أن خضعت طلبات التجنيس لإجراءات وتحقيقات وفق أوصول قانونية معينة. فـ "هذا ليس مرسوم تجنيس، ولا تشوبه أي شائبة قانونية، لأنه يمر في عدة مراحل، يتم التأكد من خلالها أن صاحب الطلب ينحدر من أب أو جد أو جد جد لبناني. ومجرد أن يثبت هذا الأمر، من خلال الأب وليس الأم، يحق له فورًا الحصول على الجنسية، أسوةً بالقانون اللبناني". ويشير المصدر أنّ القناصل الفخريين حول العالم، الذي سبق أن عينهم جبران باسيل حين كان وزيرًا للخارجية، عملوا جاهدين على الترويج في الخارج لاستعادة الجنسية. أمّا مساعي باسيل، فقد كانت طائفية وانتخابية، لأن مجرد نزولهم على لوائح الشطب، يحق لهم الانتخاب، ولا بد لحاملي الجنسية الجدد أن ينتخبوا باسيل وتياره، ردًّا للجميل ولاعتبارهم استعادوا الجنسية في عهده!

اللبنانيات المحرومات
وفي حديثٍ لـ "المدن"، تشير مديرة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" كريمة شبّو، أنّ الحملة ليست معنية بالنزول إلى مستوى بعض أحزاب السلطة في المقاربة، لأنها ترفض إخضاع حقوق النساء لمعايير طائفية وسياسية وانتخابية. قالت: "في وقت تسعى السلطة لمنح الجنسية لمتحدرين في الخارج، يجري التعاطي مع النساء المتزوجات من أجنبي كأنهن دخلاء على المجتمع اللبناني، ومحرومات من أبسط حقوقهن. وجميعهم ليسوا أحق من النساء اللبنانيات اللواتي يعشن في لبنان ويعملن، بينما هن محرومات من أبسط حقوقهن بمنح الجنسية لعائلتهن لأسباب طائفية وعنصرية بحته، وعلى ميزان العداد بين المسلمين والمسحيين".

تنطلق شبّو من مبدأ الحملة أنّ "المرأة اللبنانية لم تتنازل عن جنسيتها وإنما حُجب عنها حقها". أمام من يعيش في الخارج، فـ "هو قد تنازل عن جنسيته للحصول على جنسية أخرى بطلب الانتماء لبلد آخر. لذا لا يوجد أحق من النساء اللبنانيات بالحصول على جنسيتهن". تختم شبّو بالتصويب غير المباشر على باسيل قائلةً: "يدورون في بلاد العالم ويفتشون بالسّراج والفتيل للعثور على فرد متحدر من أصل لبناني، بينما يتركون نساء لبنان مظلومات فاقدات لحقهن. وإذا كانت استعادة الجنسية للمغتربين هي حقّ، فلا يجب أن يكون على حساب النساء والأمهات اللبنانيات لاعتبارات طائفية بحتة".

سهى بشارة وعامر الفاخوري
وواقع الحال، يكشف ملف مراسيم التجنيس في كلّ مرّة، على شوائب النظام اللبناني، ومدى توغل سلطته بالطائفية والطبقية والعنصرية، والمنطق الفوقي والطبقي الذي تتعاطى فيه أحزاب السلطة مع مطالب المواطنين والمواطنات. وكان لافتًا أنّ حملة "جنسيتي حقّ لي ولأسرتي" استمرت برفع سقف المواجهة، لا سيما بعد فضيحة تهريب العميل الاسرائيلي عامر الفاخوري. وعلّقت: "من العار أن العميل لا تسقط عنه الجنسية ويمنحها لأولاده بينما المرأة اللبنانية تحرم من هذا الحق". أمّا المُقاومة سهى بشارة، فهي متزوجة من رجل أجنبي سويسري ولديها ولدين، لكنّها محرومة من أبسط حقوقها بمنح الجنسية لعائلتها، في بلدٍ قاومت لأجل تحريره، فلم يقوَ سوى على تهريب العملاء!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024