القوات اللبنانية تحبّ الانتخابات

إيلي القصيفي

السبت 2017/02/25

ليست المرة الأولة التي يخوض فيها حزب "القوات اللبنانية" الانتخابات النيابية. فقد سبق له أن شارك، ترشيحاً واقتراعاً، في انتخابات 2005 عندما كان قائده سمير جعجع لا يزال في زنزانته في وزارة الدفاع. كما خاض انتخابات 2009 الشهيرة وجعجع كان قد انتقل إلى مقرّ القوات الجديد في معراب بكسروان.

لكن هذه المرة لا تخوض القوات الانتخابات بمثل ما خاضتها في المرتين السابقتين. هذا التغيّر لا يتصل بخريطة تحالفاتها الجديدة بعدما انقلبت من الخصومة مع التيار الوطني الحر غريمها التقليدي على الساحة المسيحية إلى التفاهم معه. إنما يتصّل أولاً باعتبار القوات هذه الانتخابات "استراتيجية"، وثانياً بكيفية خوض القوات لهذه الانتخابات تقنياً وسياسياً.

لذلك، القوات في ورشة انتخابية منذ أشهر عديدة وهي تتحضر لخوض الانتخابات "على قاعدة أنها ستحصل في أيار المقبل"، على ما يقول رئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات شارل جبور. ويضيف: "شبابنا جاهزون في كل المناطق، ونستعد للانتخابات بمعزل عن أي تبديل تقني يمكن أن يطرأ".

أمّا مايا سكر وهي "political officer" في القوات ومدربة في عدد من المنظمات الدولية، فتؤكد أنّ "القوات اللبنانية تتقدم سنة عن سنة. نحن لا نقبل أن نخوض الانتخابات كما في السابق. وكلّ مرّة سنكون أحسن. لا تنسى أنّ القوات تحبّ الانتخابات".

مايا تعمل حالياً على تدريب المسؤولين والناشطين القواتيين في المناطق على المهارات السياسية "ليصبحوا مؤهلين لإعداد حملة انتخابية ناجحة. وهذه المرة الاولى التي تقوم فيها القوات بمثل هذه التدريبات وفق المعايير العالمية. كما أنّ المدربين يعملون في منظمات دولية رائدة في موضوع تعزيز الديموقراطية، ولاسيما في مجال الانتخابات. إنها معايير أميركية صافية".

منذ تشرين الثاني الماضي ومايا تجول على مراكز القوات في المناطق لتدريب القواتيين. برأيها أنّه "كلّما بدأنا أبكر تكتسب حملتنا الانتخابية أفضلية أكبر". فبموازاة العمل التنظيمي الحزبي الذي قامت به الأمينة العامة للحزب شانتال سركيس، التي اشتغلت على "تركيبة المناطق، لمعرفة الهيكلية التنظيمية في كل منطقة، وما هي المكاتب الموجودة، فضلاً عن اختصاصها بقوانين الانتخاب"، يعمل جهاز الانتخابات في الحزب على التعبئة المناطقية، كتحضير لوائح الشطب وإعداد المندوبين واجراء المسح السياسي لكل منطقة لجهة توزيع القوى السياسية فيها وتحديد حجم القوات فيها أيضاً. والركن الثالث في العمل التحضيري للانتخابات "هو معي من خلال عملي التدريبي للقواتيين، والذي شارف نهايته، إذ لم يبق سوى أربع مناطق لم يشملها التدريب الذي ستليه مؤتمرات تنموية كبيرة في كل المناطق".

من وماذا يشمل التدريب؟
تقول سكر: "نحكي مع ناشطينا في المناطق، ومع المسؤولين رؤساء المراكز والمكاتب الانتخابية ومن ضمنها المكاتب الإعلامية، عن المهارات السياسية التي تؤهلهم لتركيب حملة انتخابية ناجحة، لبناء استراتيجية لحملة انتخابية. نعطي تقنيات انتخابية بغض النظر عن القانون الانتخابي والتحالفات. لقد تعلّم شبابنا أن يضعوا هدفاً انتخابياً محدداً: كم مقعداً أريد في كسروان مثلاً؟ كم صوتاً احتاج لأؤمن الفوز بهذه المقاعد؟ أين أحصل على هذه الأصوات؟ ماذا علي أن أحكي كي أستطيع استهداف الناس ليصدقونني؟ ولماذا سيصدقونني أنا لا سواي؟ هذه تقنيات ثابتة".

العمل يتمّ "من تحت لفوق. أعددنا أسئلة واستمارات ليجيب عنها المشاركون في كل قرية ومدينة. وعندما تصل إلينا، وهي بدأت تصل، نستطيع أن نقرأ طبيعة المنطقة ونعد الخطاب المناسب لها. لا بد لنا كحزب من التطرق لهواجس الناس وحاجاتهم ومطالبهم. مهم جداً أنّ يشعر الناس بأنّ القواتيين المرشحين مطلعون على معاناتهم ومشكلاتهم. لذلك، نطلب منهم أن يحددوا لنا القضايا الاجتماعية والانمائية والاقتصادية التي نحن كقوات لبنانية علينا حملها في كل منطقة. كما نطلب منهم تحديد الشعارات وجدولة النشاطات الانتخابية خلال الحملة".

تضيف: لقد وصلنا إلى مرحلة تقييم الرسائل التي ترسل إلينا، وهذه الرسائل تأخذ في الحسبان أكثر من سيناريو انتخابي بحسب طبيعة تحالفاتنا في كل منطقة: إذا ما كنّا متحالفين مع التيار الوطني الحر أو لا؛ إذا ما كان حزب الله في اللائحة التي نشارك فيها أو لا.. إلخ".

التطور النوعي في الحملة الانتخابية القواتية الذي تتحدث عنه مايا، وشارل أيضاً، هو الاهتمام الأساسي بـ"قضايا الناس عموماً وبقضايا كل منطقة خصوصا". "الأمور محلية جداً. مشاكل بيروت غير مشاكل كسروان. هواجس عكار لن تكون هي نفسها هواجس الشوف أو عاليه. لذلك، الشباب هم من يحدد القضايا التي ستوضع في برنامجهم الانتخابي. لكن لن نكتفي بالنظرة التقليدية للعمل الانتخابي على قاعدة أن ابن الأشرفية يعرف ناخبي الأشرفية وتطلعاتهم. لا، سنذهب إلى استطلاعات الرأي، ودراسة نسب الاقتراع والخريطة الديموغرافية للمنطقة، وأماكن إقامة المقترعين فيها.. لا بد من أن نعرف البيئة الانتخابية والمزاج العام كي تكتسب حملتنا أفضلية".

بالنسبة لخطاب القوات الانتخابي فهو مقسمٌ، بحسب سكر، إلى ثلاثة مستويات. المستوى الأول سياسي وطني تتوجه به إلى اللبنانيين عموماً، لكن لا بد أن يكون للقوات خطاب يستهدف بيئتها الانتخابية. فهي ممثلة للمجتمع المسيحي، وهذا أمر شديد الأهمية، ويحتم علينا خطاباً ثانياً مسيحياً يكون محدداً. وتحت الخطاب المسيحي يجب أن يكون هناك خطاب محلي لكل منطقة. فلم يعد بالإمكان تخطي قضايا الناس واهتماماتهم ومشكلاتهم. فإلى جانب قضايا احترام الدستور والسيادة ورفض السلاح غير الشرعي، هناك قضايا الناس وهي أولوية بالنسبة إلينا في المرحلة الراهنة".

انتخابات استراتيجية
يشير جبور إلى أنّ "مرحلة الاستقرار التي يمرّ بها البلد سمحت للقوات بأن تبذل جهداً أكبر لخوض الانتخابات بشكل منظم واحترافي، بعدما حالت ظروف العام 2009 دون تنظيمها الانتخابات على النحو الذي يرضيها".

سياسياً، تنطلق القوات لخوض الانتخابات من ثلاث نقاط استراتيجية. أولاً، تسعى القوات عبر هذه الانتخابات لأن "يمسك الشعب اللبناني بالبرلمان الذي هو أم السلطات، وهذا يؤمنه التمثيل الصحيح الذي يمنع قوى مرهونة للخارج من الإمساك بمفاصل السلطة"؛ ثانياً تنظر القوات إلى الانتخابات النيابية كمسألة لها بعد ميثاقي. فالانتخابات في لبنان هي تعبير عن شراكة إسلامية- مسيحية. والقوات تعتبر أن اتفاق الطائف بشقه التمثيلي لم يتم احترامه، لذلك إعادة الاعتبار لاتفاق الطائف بشقه التمثيلي مسألة أساسية في هذه الانتخابات. ثالثاً، القوات ترى أنّ التحالفات يجب أن تكون منسجمة مع وضعيتها السياسية الراهنة. لذلك، هي حريصة على التحالف مع تيار المستقبل انطلاقا مما يمثله من عمق وطني تتكامل معه فيه القوات، وكذلك مع التيار الوطني الحر لإعادة الاعتبار للقرار الوطني المسيحي الذي تمت استعادته من خلال الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة، وهناك رهان كبير جداً على إقرار قانون انتخابي يستكمل تصحيح التمثيل.

هذه العناوين الثلاثة يستوعبها عنوان رئيسي ستخوض القوات الانتخابات على أساسه، وهو "تمكين الدولة اللبنانية. القوات ترفع اليوم الشعار نفسه الذي رفعته قوى 14 آذار في 2009، أي العبور إلى الدولة، مع فارق أنه سابقاً كان العنوان الدولة مقابل الدويلة، أمّا اليوم ونتيجة للتبريد في البلد، فالجميع يرفع، كلّ على طريقته، شعار العبور إلى الدولة وتمكين المؤسسات ومكافحة الفساد".

ماذا عن الانقسام في شأن سلاح حزب الله؟
ليس مطروحاً على الطاولة اليوم. لكن عندما صدر موقف من السيد حسن نصرالله ضدّ السعودية جاء أول رد عليه من جعجع. الحزب على موقفه ونحن ايضاً. لكن عملياً كل البلد طبّع مع الحزب منذ العام 2005 عندما كنا أمام خيارين، إما مواجهة السلاح بالسلاح وإمّا انتظار اللحظة الخارجية المؤاتية التي تسمح بتحقيق مشروع الدولة.

نحن اليوم في مرحلة تهدئة. القوات ترى أنّه بمقدار ما تكون قوية يكون مشروع الدولة قوياً، وأنّه كلما اتجهنا إلى مسارات ديموقراطية حوصر مشروع الدولية. لذلك فالمسار الذي انطلق في 31 تشرين الأول مع انتخاب الرئيس ميشال عون نقل لبنان من مرحلة الفراغ والفوضى إلى مرحلة تقوية المؤسسات، وهذا هو العبور إلى الدولة.

يضيف جبور في تبرير حجّته هذه: "هناك ثلاثة أبعاد في مسيرة القوات: بعد سيادي لم يتحقق بعد ولذلك هناك مواجهة بين القوات وحزب الله وكلّ من ينتهك القرار السيادي للدولة؛ بعد تمثيلي؛ وبعد مكافحة الفساد والإصلاح السياسي والإداري.

في البعد التمثيلي يرى جبور أنّه "من غير المقبول أن تبقى القوات ذات التمثيل الشعبي الواسع مغبونة في تمثيلها النيابي. فالقوات مثلما كانت قوية في الحرب هي قوية اليوم في السلم، وقوتها هذه يجب أن يعبّر عنها تمثيلها النيابي. إذاً، هدفنا أن يعكس تمثيلنا النيابي تمثيلنا الشعبي الحقيقي. لذلك، القوات كلّها مجنّدة للتحضير للانتخابات التي هي بالنسبة إليها هدف استراتيجي كبير، وسنشارك فيها لتصحيح التمثيل والحصول على حصة نيابية كبيرة هي مستحقة لنا شعبياً. لذلك، أيضاً القوات تنتظر الانتخابات بفارغ الصبر.

المرأة القواتية
يتفق جبور وسكر على أنّه لولا الأحزاب والحملات الانتخابية لما كان هناك مستوى تنافسياً جيداً في أي انتخابات. فالأحزاب مسؤولة عن كل شي في البلد من السيادة إلى حقوق الطفل والعمّال ووضع المرأة.. وهنا ترى سكر أنّ "القوات تخطو خطوات كبيرة في اتجاه تعزيز مكانة المرأة في الحزب، فالأمانة العامة تتولاها امرأة، وأنا قمت بتدريبات في مجمل المناطق ولم يقل لي أحد أنت امرأة لا تحكي معي. علماً أنّ الناشطات قلّة في المناطق، اللهم في صفوف الطلاب حيث أعدادهنّ تساوي أعداد الشبّان". ويرى جبور أنّه لا أمل للنخب في ممارسة العمل السياسي خارج الأحزاب، إذ إن الزعامات التقليدية باتت غير قادرة على أن توصل أحداً، فهي نفسها بالكاد قادرة على أن تصل. والقوات تخلق طبقة سياسية جديدة في البلد، فاليوم لديها ثلاثة وزراء جدد، وستوصل في الانتخابات النيابية 15 نائباً غالبيتهم من الوجوه الجديدة. ثمّ، في الوزارة العتيدة ستجدد للوزراء الحاليين أو تزكّي غيرهم.. وهكذا تسهم جدياً في تجديد الطبقة السياسية في لبنان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024