متاهة الحكومة والعهد: التودد للسفيرة ومواجهة واشنطن!

منير الربيع

الجمعة 2020/07/10

يظنّ ساسة لبنان أن اللعب على الحبال متاح في الأوقات كلها. ويظنون أن التناقضات في المواقف تأتي بالمنافع. لم يتعلّم أي منهم من تجارب سابقة، أن القفز البهلواني من حبل إلى آخر لا يعمّر أكثر من وقت قصير، ومن يستمر في التقافز يقع لا محالة.

سياسة لاعبي السيرك
أوقع المسؤولون أنفسهم في شباك نصبوها بأنفسهم. فمنذ أسابيع يوزعون التهم يميناً ويساراً، متهمين دولاً وجهات خارجية بالتآمر على لبنانهم الحبيب. تماماً كحالهم في تقاذفهم التهم في ما بينهم. وتبدو الحكومة الحالية عرّابة هذا النموذج السياسي الرديء، الذي لا يريد إلا "المساعدات"، ومن لا يقدّمها يصبح متهماً ومتآمراً.

سعت الحكومة والعهد جاهدين للحصول على مساعدات خليجية، والانفتاح على دول الخليج، وتحديداً المملكة العربية السعودية والإمارات، بالرهان على موقف أميركي إيجابي. دفعوا في سبيل ذلك حملات دعائية كثيرة واتهامات موجهة إلى الدور التركي التخريبي في لبنان. ونسجوا سيناريوهات أمنية وإرهابية، ظناً منهم بقدرتهم على استمالة السعودية والإمارات. وعندما فشل الرهان، أصبح لا بد من طلب النجدة من قطر، لتقدم مساعدات مالية واستثمارية توقف الانهيار وتسمح بالتنفس. 

دبلوماسية الضياع
وأخيراً أيقن الجميع أن لبنان أصبح في المدار الأميركي -الإيراني، وما يتفرع عنه من صراعات. لذلك تحرّكت الملفات ذات الإرتباط الإقليمي كلها دفعة واحدة: الحديث عن النفط الإيراني ومعارضته أميركياً، وزيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، والإعلان عن زيارة وزير الخارجية الفرنسي ووزير الخارجية القطري، ولقاء السفيرة الأميركية بالرئيس نبيه بري، وبرئيس الجمهورية ميشال عون، ورسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي... وتتزاحم الملفات. وزير الخارجية الفرنسي يأتي بتفويض أميركي، وبعد تنسيق واتصالات بين الطرفين، لقيام فرنسا بمسعى في لبنان بحثاً عن مخرج، يبدأ باستقالة هذه الحكومة. لكن حزب الله لا يمكن أن يقتنع بذلك، وسيتمسك بها أكثر. والتعقيد مستمر.

زيارة وزير الخارجية القطري تأتي بعد مناشدات لبنانية كثيرة لدولة قطر، طلباً للمساعدة. وتشير الملعومات إلى أن لا مساعدات مالية قطرية، بل التأكيد على موقف قطري إلى جانب اللبنانيين في أزمتهم. وغداة تسريب خبر زيارة الوزير القطري، تلقى رئيس الجمهورية رسالة من السيسي. وحسب المعلومات، تتضمن الرسالة حرصاً مصرياً على لبنان واستقراره، والمساعدة في رأب الصدع، وإظهار الحضور العربي. كما تتضمن أيضاً مطالبة لبنان بموقف يساند مصر في التطورات الليبية. وإذا ما أقدم لبنان على هذه الخطوة، فسيكون محرجاً، بعدما لم يترك فرصة إلا واستعدى فيها تركيا، وكال لها التهم التي نبشها عون من بطن التاريخ الغارب. 

بازار الحدود والمساعدات
الولايات المتحدة الأميركية صريحة في منع لبنان من الحصول على النفط الإيراني. لذا تحركت حكومة دياب باتجاه العراق. وما أن وافق العراق، حتى حطت السفيرة الأميركية في عين التينة، والتقت الرئيس نبيه بري، فبحثت معه مسألة المخاطر الناجمة عن استيراد النفط الإيراني: لبنان تحت مقصلة عقوبات قاسية. وبحثت السفيرة مع بري ترسيم الحدود، هو الملف الذي يتمسك به رئيس المجلس، فيما يحاول عون انتزاعه منه. فمفاوضات ترسيم يعتبرها لبنان فاتحة إيجابية للحصول على مساعدة أو لتخفيف الضغوط.

سأل بري عن امكان نيل استثناءات في شأن الحصول على مواد غذائية وضرورية من العراق أو سواه. كان جواب السفيرة أن بلادها غير مسؤولة عن التأخير، بل السرايا الحكومية التي لم تطلب هذه الاستثناءات. أوفد بري مساء الخميس 9 تموز الجاري الوزير السابق علي حسن خليل إلى دياب لسؤاله عن الأمر. قال دياب إنه تأخر بسبب سفر وزير الخارجية ناصيف حتي إلى روما والفاتيكان، وأشار إلى أنه في صدد طلب الحصول على هذه الاستثناءات.

على الأثر جرى التواصل مع السفارة الأميركية، فحدد موعد غداء بين دوروثي شِيا ودياب في السرايا. تسلمت السفيرة طلب الاستثناءات لتدرسها الادارة الأميركية. والغريب في الأمر أن دياب يريد الحصول على استثناءات أميركية، وفي الوقت نفسه يعمل على الظهور بمظهر من يجابه أميركا. 

هذه المواقف بتناقضاتها وتضارباتها، تعني أن المراوحة مستمرة أكثر فأكثر. ولا حلول تلوح في الأفق. ولو قدّمت بعض المراهم والمسكنات التي تسهم في تخفيض سعر الدولار بشكل طفيف. أي أنها خطوات تقتصر على دعم سلل غذائية، ودعم الجيش، في انتظار تطورات إقليمية أكبر، لن تحدث قبل الخريف المقبل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024