الشيوعيون اللبنانيون: إدانة التصفيات الأهلية

أحمد جابر

الخميس 2020/03/26

بالجملة: تصدر الشيوعيون اللبنانيون، في الحزب الشيوعي وفي منظمة العمل الشيوعي، طليعة الذين انتقدوا الحرب الأهلية اللبنانية، ولم يتنصلوا من المسؤولية عن اندلاع تلك الحرب وعن الانخراط في مجرياتها.

بالجملة أيضاً: تصدّر أولئك الشيوعيون، في الحزب وفي المنظمة، طليعة المبادرين إلى قتال قوات الاحتلال الصهيوني، وكانوا أصحاب النداء والمبادرة كشيوعيين لبنانيين، حين توجهوا إلى كل اللبنانيين بالدعوة إلى طي صفحة الحرب الأهلية، وتوجيه كل البنادق إلى جنود الاحتلال وعملائه العاملين في صفوفه.

بالجملة أيضاً وأيضاً: بعد الطائف وتوازناته، أزاحت الهيمنة السورية الشيوعيين من الواجهة، بتدخلها المباشر وبواسطة حلفائها المذهبيين والطائفيين، من كل الطوائف والمذاهب، وحاصرتهم في الميادين، بملاحقاتها الأمنية حتى تقزم دورهم، وبالدعم الشامل لنسخة المقاومة الإسلامية التي تكرست كنقطة تقاطع بين السياستين السورية والإيرانية، مع تقدم الدور السوري على الدور الإيراني في تلك الأيام، لأسباب سياسية قيل فيها ما قيل ولسنا بصدد تكراره.

في سياق الجملة ذاتها: عام 2000 كان نقطة تحول. كان العام تاريخاً لدحر الاحتلال، وكان "قضاء" أحكام مخففة وملطفة عن الذين عملوا كملاحق تابعة للعدو المحتل.. منذ ذلك الحين وحتى اللحظة، ما زال الكثيرون يرددون: تحرر الجنوب وعاد الأهل إلى بعضهم، "ولم تحصل ضربة كف..". هذا كان تعبيراً عن قبول المنتصرين بترك الأمور إلى الدولة وقضائها بعد أن صاروا في صلب توازناتها، وفي داخل مؤسساتها.

بالمفرق: نادى الشيوعيون اللبنانيون كلهم بضرورة تحقيق سيادة الدولة، وتعايشوا مع الحصيلة العامة التي برزت بعد التحرير، واحتلوا موقع المعارضة لسياسة الحصيلة تلك ولقواها، لكن لم يصدر عنهم ما يدعو إلى الخروج على الانتظام "الدولتي"، بل إنهم كانوا وما زالوا من العاملين من أجل انتظام هذا الانتظام.

بالمفرق: كانت السياسة التي اعتمدت مع فلول الميليشيا الحدودية، جزءاً من الحصيلة الدولتية العامة وتوازناتها، وإذ استمر شطر من اللبنانيين في النظر إلى تلك الميليشيا كمجموعة لبنانية وجدت ذاتها في مواجهة موقف "الضرورات التي أباحت المحظورات"، فقد ظلت تلك الحالة الميليشياوية حالة غير مدانة من قبل ذلك الشطر الأهلي اللبناني.

في مواجهة هذا الموقف، كان موقف الشيوعيين اللبنانيين هو الأوضح، وكان الأكثر انسجاماً مع منطق المراجعة النقدية، فتمسكوا بعدم نكأ علل الماضي، وجعلوا الدولة حاكماً وحكماً في معالجة ما رسب من ضغائن وأحقاد وتوترات في مجمل البنية اللبنانية.

بالمفرق: لم ينصب الشيوعيون قوس عدالة لمحاكمة العملاء الذين لم يكونوا عملاء في عرف غيرهم، كما ورد أعلاه. صمت الشيوعيون من دون سياسات توتير. لم يحاسبوا ولم يصفحوا. شعروا بالغبن الجمعي، وبالظلم الفردي، وبإهانة تضحياتهم.. لكنهم لم يركبوا مركب سياسة "أخذ الثأر"، ولم يذهبوا مذهب تحصيل "الحق الضائع". لو فعلها الشيوعيون لكانوا الخارجين على منطق فهمهم ومراجعتهم، ولخسروا قوة حجة الدعوة إلى بناء الدولة التي يجب أن تكون السيدة الحرة المستقلة الضابطة للإيقاع الاجتماعي.. الدولة غير المنازعة في مرجعيتها وفي شرعيتها وفي دستورها وفي إنفاذها لكل القوانين.

بالتحديد: لا يستطيع الشيوعيون القبول بإقدام أي طرف لبناني على تصفية حساب فردية مع طرف أو أطراف لبنانية أخرى، وحري بالشيوعيين، ومطلوب منهم، وعليهم إعلان إدانة أي مسلك من هذا القبيل.. لقد تعلم الشيوعيون، أو نفترض أنهم خبروا وتعلموا، أن كل تصرف فئوي يخدم الفئة التي تقدم عليه، ويضر بالوطن والدولة وسائر الفئات.

وعلى وجه الخصوص: لقد أصاب رصاص الاغتيال نخبة من الشيوعيين، قادةً وأفراداً، ودفع الشيوعيون ثمن مخالفتهم لقوى السيطرة الطائفية والمذهبية الجديدة، أي أنهم علموا ما معنى أن تكون صفة الخيانة جاهزة عند كل اختلاف، وأن يصبح المخالف عدواً لأنه لا يُقر بهيمنة المسيطرة وسياساته، فيكون القتل جزاء مخالفته.

عليه وبوضوح: جدير بالشيوعيين، ومن واجبهم ومسؤوليتهم، أن يعلنوا موقفاً واضحاً ضد كل اغتيال سياسي، وضد كل طرف يجعل ذاته قاضياً وجلاداً.. إن الصمت عن قتل الآخر يصير قانوناً ينال من الذي صفَّق للقتل ولم يبادر إلى إدانته.

لا إزدواجية في الممارسة، إما مرجعية الدولة، وإما توزع الدولة دويلات، إما الخروج من منطق الحرب الأهلية وملاحقها التحريرية خروجاً كاملاً لا لبس في وضوحه، وإما منطق خروج استنسابي تبريري، يكون على جادة الصواب مرة، وعلى طريق الخطأ مرات. والخطأ كان وما زال سلاحاً في أيدي الفئات الطائفية المتنافرة، وكان وما زال سلاحاً خطيراً في يد كل فئوية لبنانية تسعى إلى السيطرة والهيمنة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024