منير الربيع
وحسب ما تكشف مصادر مطّلعة على القرار المسيحي، ففي بعض دوائر القرار الكبرى، ثمة تعبير هامس عن العجز عن الإقدام على أي خطوة، أو إحداث أي تغيير، يخرج البلاد من دوامة الأزمة التي تدور فيها. هي تعبير عن مزاج مسيحي عام، على مستوى القيادات، بالعجز الذي يصيب الجميع، ولا يمكّن أي طرف من إنجاز أي تغيير، أو تحسين، أو إصلاح في البلد، خصوصاً أن مسيرة العهد تتآكل، في ظل الصراع على الحصص والمصالح. وتعبّر بعض الأوساط المسيحية، ومن بينهم المقربون من رئيس الجمهورية، عن امتعاض من تصرفات حزب الله، ويعتبرون أن أهدافه السياسية المرتبطة بالخارج، تتقدّم على أي اعتبارات داخلية، أو تحالفات استراتيجية، حتى ولو كان ذلك مع رئيس البلاد.
لقاء مسيحي موسع!
ويتمدد التعبير عن الشعور بالسخط، بوصف حال العجز إزاء محتوى العلاقة مع حزب الله، والتي تكبّل الجميع. وأكثر من ذلك، هناك من يريد التفكير في بلورة أفكار، أو وضع ورقة سياسية للتحضير للمرحلة المقبلة، سواء لإنقاذ العهد، او لحفظ الصورة العامة للعهد. وهم يبحثون عن القيام بأي خطوة لحماية بنية الدولة، التي يتخوفون من انهيارها. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، تأتي مساعي البطريرك الراعي لعقد لقاء يجمع مختلف القادة المسيحيين في الصرح البطريركي، للتباحث في آخر ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وسيحاول اللقاء الضغط لتشكيل الحكومة. فالاستمرار في المأزق الحكومي، سيشرّع الأبواب على نقاش دستوري، قد يؤدي إلى ما لا يريده أحد من المسيحيين.
الخيبة من حزب الله
لا شك أن هناك تخوفاً مسيحياً أصبح ظاهراً للعيان، على المناصفة، واتفاق الطائف ضمناً، لكن الراعي ينطلق من قرار دولي موجود لحماية الطائف. وهذا القرار لا يزال قائماً. وبالتالي، لا يمكن تعديله من دون حدوث تغيير في المعطيات الدولية التي تحميه. هناك من يقول للمسيحيين دائماً بأنه عليهم السير بالأمر الواقع، كي لا يضطروا يوماً للرضوخ إلى أطروحة المثالثة. ولهم بالمقابل ما يريدونه من مطالب سلطوية، من رئاسة الجمهورية إلى تعزيز الحضور في بنية الدولة إدارياً وسياسياً. لكن، بشرط التنازل عن جوهر الموقف السياسي والتوجهات السياسية. الآن، بعد وصول "الرئيس القوي" إلى بعبدا لم يعد بإمكان المسيحيين التنحي جانباً عن الوجهة السياسية الأساسية للبنان. ولذلك، تصطدم آمالهم بطريقة إدارة حزب الله للبلد، وفق ما يقولونه. وهي تهدد "الوجود" بالمعنى السياسي، وليس بالمعنى المادي. ولذلك هناك نوع من الشعور، بأن العلاقة مرتبكة، بعد استشعار صعوبة استكمال الحال التي نجمت عن التحالف الأبدي مع حزب الله، والتي تنتج أثماناً كبرى.
ربما ما يدور في الكواليس هو تعبير عن الخيبة من الرهان على الحزب، أو على نظرية حلف الأقليات.
تتعالى بعض الأصوات المسيحية مطالبة بوجوب وقف الخضوع، لما يعتبرونه منطق الإبتزاز. وهم الذين كانوا يعتبرون أن مشكلة الدولة هي مشكلة إختلال التوازن على مستوى التمثيل والإدارة. ولكن وبعدما تمّت معالجة ذلك بوصول عون إلى بعبدا، وبقانون الإنتخاب فيما بعد، اكتشف المسيحيون أن كل هذه المطالب لم تحلّ لهم مشكلتهم مع الدولة، التي تعطّلت في ظل تبوئهم لمراكز القرار. إذ، لم يتمكنوا من استعادة حضورهم في البلد، بالمعنى الفعلي، بغض النظر عن المعنى الشكلي. بينما يبقى هناك جملة أسئلة مطروحة، تتعلّق جميعها بلعبة الرئاسة بالنسبة إلى المسيحيين. وهي لطالما أفقدتهم قدرتهم على بلورة موقف واضح تجاه ما يجري، خصوصاً أن أي طامح للرئاسة لن يكون قادراً على مجابهة الحزب ومواجهته. وهذه مهمة صعبة تعترض الدور التاريخي المطلوب من المسيحيين لعبه.