سيرة "الرهينة" نزار زكا من الاعتقال إلى الحرية

عماد الشدياق

الثلاثاء 2019/06/11

يُنتظر أن يصل إلى مطار بيروت المعتقل اللبناني في السجون الإيرانية نزار زكا، برفقة اللواء عباس ابراهيم، الذي توجه إلى العاصمة طهران ظهر الأحد، لمتابعة تفاصيل إطلاق سراحه. زكا المحتجز في إيران منذ أيلول عام 2015 قد يعود من دون معرفة حقيقة تهمته، ولا حتى السبب أو الجهة الفعلية التي توسطت لإطلاق سراحه. وإذ رجحت في البداية بعض المصادر أن يكون هذا الأمر مجرد تعويم إيراني لـ"العهد"، أكدت معلومات أخرى أن إخلاء سبيله يأتي في إطار المفاوضات الأميركية - الأيرانية، لكن وكالة "فارس" الإيرانية أوحت الإثنين أن إطلاقه كان تلبية لرغبة أمين عام "حزب الله".  

المحاكمة
"المدن" تواصلت مع محامي زكا في بيروت أنطوان أبي ديب، الذي أكد أنه مثل عائلة زكا، لا يعلم إلا ما يسمعه سائر الناس من وسائل الإعلام، مجدداً ما قاله في مقابلات عدة، أنه حتى اللحظة لم يتمكن من "الاطلاع على الملف"، مؤكداً أن موكله "رهينة"، لأن المؤشرات كلها تقود إلى أن الملف فارغ ولا قضية أصلاً. وهذا تؤكده الزيارات المتكررة لزوجة زكا، السيدة غنوة زنتوت، إلى طهران، التي لم تفضِ إلى بلوغ أي تفصيل جديد. حتى الأمن العام ووزارة الخارجية التي "تولّت متابعة الملف متأخرة"، وتواصلت مع الجهات الإيرانية، لم تأتِ بشيء يُذكر حول جدية الاتهام.

وفي هذا الصدد، يقول محاميه، الذي يتجنّب الخوض بالسياسة والتحليلات، أن "السفارة اللبنانية في طهران زارت زكا أكثر من مرة بمعتقله، لكنها لم تتمكن من رؤيته إلا لدقائق"، مشيراً إلى أن الوزير جبران باسيل "تجاوب مع بعض طلبات العائلة بمواضيع لوجستية تخص نزار، من خلال التنسيق والتواصل مع السفارة اللبنانية في طهران". ما يوحي بأن الزيارات كانت من باب رفع العتب والتملّص من تهم التقصير، كما كشف أن زكا "كان يتواصل خلسة مع العائلة عبر الهاتف لدقائق معدودة"، من داخل سجن "إيفين" سيىء السمعة الذي يُلقب في ايران بـ"جامعة إيفين" لما فيه من معتقلي رأي ومثقفين!

القضية بدأت حينما وجهت نائبة الرئيس الإيراني السابقة لشؤون المرأة والأسرة، شاهيندوخت مولافردي، دعوة رسمية إلى زكا، الذي يشغل الأمانة العامة لمنظمة "إجمع"، تُعنى بشؤون المعلوماتية والاتصالات، وذلك للمحاضرة في ندوة تخص المرأة والتنمية المستدامة (من 14 إلى 16 أيلول 2015). رفض زكا تلبية الدعوة إلا بموجب "فيزا"، رغم تمكّن أي لبناني من دخول الأراضي الإيرانية من دونها. هكذا حصل، أُرسلت له "فيزا" (حسبما قال شقيقه بواحدة من المقابلات)، فلبى زكا الدعوة وشارك في الندوة، ثم اعتقله الحرس الثوري خلال انتقاله إلى المطار قبيل عودته إلى بيروت، وحُوكم في محكمة ثورية (عسكرية) بملف أمن قومي، وحُكم بالسجن 10 سنوات وغرامة 4.2 مليون دولار بتهمة التجسس لصالح العدو (الولايات المتحدة الأميركية). بعد ذلك، استُؤنف الحكم بمحكمة مدنية، فصادقت على الحكم نفسه، ما عنى أن "زكا سيكون بحاجة إلى عفو خاص" حسب المحامي. الأمر الذي خلق إلتباسا إضافياً، خصوصا بعد تصريح المتحدث باسم القضاء الإيراني غلام حسين إسماعيلي، يوم الأحد، إذ قال: "العفو الذي أصدره المرشد علي خامنئي بمناسبة رمضان لا يشمل نزار زكا. إن السلطات الايرانية تدرس طلباً لبنانياً، آخر من تقدم به الرئيس اللبناني. الجهات القضائية ستراجع الطلب في إطار اللوائح القانونية للافراج عنه"، رافضا تحديد مهلة محددة.

زمالة نوار الساحلي
مصدر في وزارة الداخلية اللبنانية رجّح لـ"المدن" أن "عودة زكا برفقة اللواء ابراهيم قد تكون يوم الثلاثاء أو الاربعاء"، وكذلك قيل في الإعلام أن زكا سيزور رئيس الجمهورية ميشال عون فور وصوله، للتأكيد، على ما يبدو، على هوية الجهة التي سعت جدياً لإطلاق سراحه. لكن برغم هذا كله يبقى السؤال: لماذا نزار زكا؟

تمكنت "المدن" من الاتصال بصديق قديم لزكا من أيام المقاعد الدراسية في بيروت، وقال "كنا سويا بالمدرسة الدولية (International College) قبل أن نتخرج منها ويسافر نزار إلى أميركا مطلع الثمانينات، ويكمل دراسته في أكاديمية ريفرسايد العسكرية. لم أره إلا قليلا مذّاك الوقت، أذكر أنه أسس شركة اتصالات وأجهزة كمبيوتر عند أطراف منطقة الحمرا قرب الجفينور، وصار يتنقل بين الولايات المتحدة ولبنان". أضاف: "نزار كان محباً للظهور على الإعلام. أظن أن ظهوره المفاجئ والمتسرع في برنامج انترفيوز مع الإعلامية (في حينه) بولا يعقوبيان بصفته ممثلاً للحراك الشعبي، أبان أزمة النفايات عام 2015، ألحق به الضرر. في حينه استغربت علاقته بالحراك، زرت صفحته على فايسبوك لأتأكد إن كان ناشطاً فعلاً، فرأيت له عشرات الصورة بمسيرات واستعراضات للأكاديمية العسكرية في ريفرسايد بالزي العسكري. من لا يعرفه يظن أنه ضابط في الجيش الأميركي! ربما دعوته إلى طهران كانت بهدف استدراجه.. نسأل الله أن يرده إلى أهله قريباً". وحينما سألته "المدن" إن كان يشكّ بضلوع جهة داخلية، قال: "لا أعلم، لكن نائب حزب الله نوار الساحلي يستحيل ألا يكون على علم بالموضوع. نوار كان زميلنا في المدرسة نفسها ويعرفه جيدا.. اسأله". تواصلت "المدن" مع الساحلي، الذي فضّل عدم الخوض بالموضوع لحساسية التوقيت، خصوصاً أن "حزب الله لم يتناول الموضوع بشكل رسمي"، وحينما ألححنا بسؤالنا إن كان يعرفه، وعن عدم المساعدة بالإفراج عن صديقه بحكم الزمالة، قال: "هذا ليس سراً، نزار كان زميلي في المدرسة بصف مختلف. أجريت شخصياً اتصالات عدة لهذه الغاية، لكن حينما بلغ ملفه القضاء الإيراني آثرت عدم التدخل، ولهذا أقول لك أن الاتصالات لم تكن رسمية. أسأل الله أن يعود إلى أهله سريعاً".

ورقة مساومة
بمراجعة هذه المعطيات، بحثت "المدن" عن حساب نزار زكا على "فايسبوك"، فوجدت أن حسابه المذكور اختفى بما فيه، وحل مكانه حساب جديد أُنشىء خلال اعتقال زكا، وهو ما أكده صديق المدرسة الذي فقد الحساب الذي كان يصله به. أما شقيق نزار، زياد زكا، فرجحّ بمقابلة ثانية مع يعقوبيان بعد اعتقال نزار بمدة أن" يكون الإيرانيون ظنوا أن نزار مواطن أميركي. وبعد أن علموا أنه ليس كذلك وإنما يحمل إقامة أميركية وحسب، أُحرجوا. ربما أوقفوه بناء لمعلومات مغلوطة". وكذلك قال أن الوزير باسيل كان ينصحهم دوما بـ"عدم إثارة الملف في الإعلام لأن التهمة بسيطة، وعدم التحدث فيها قد يسرّع باطلاق سراحه". لكن الذي حصل كان على عكس ذلك تماما: تأخرت الموافقة على إطلاق سراحه إلى الآن، فما الذي طرأ بعد ثلاث سنوات وتسعة شهور؟

قبل نحو سنة، نشر مركز حقوق الإنسان في إيران تحقيقاً عن الأجانب وحاملي الجنسيتين (غربية وايرانية) المعتقلين في إيران، عارضا صورهم وسيَرهم الذاتية وتفاصيل اعتقالهم، وبينهم نزار زكا. وتؤكد وكالة "رويترز" في تقرير آخر أن الحرس الثوري الإيراني اعتقل نحو 30 شخصاً من حاملي الجنسيتين بتهم التجسس، ليكونوا "ورقة مساومة مع الغرب عشية توقيع الاتفاق النووي عام 2015". كل هذه مؤشرات تدل إلى تزامن اخلاء سبيله مع المفاوضات الأميركية – الإيرانية. الأحد الفائت أكد وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو خلال مؤتمر صحافي في سويسرا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "مستعد للتفاوض مع طهران بلا شروط مسبقة"، شاكرا سويسرا على متابعة ملف المعتقلين الأميركيين بايران، مؤكدا أنه مع إطلاق سراح المعتقلين الأميركيين من دون وجه حق بإيران، رافضا الكشف عما اذا كانت قد طلب من جنيف التوسط بهذا الملف. كما ذكرت الخارجية الأميركية الأربعاء الفائت أن "ملف زكا يخص لبنان وإيران. نرحب باطلاق سراح أي معتقل، وسيكون جميلاً أن يلتقي زكا بعائلته في بيروت".

النائبة بولا يعقوبيان التي عاينت الملف عن قرب بأكثر من مقابلة، كشفت باتصال مع "المدن" أنها لا تذكر تفاصيل الحوارات التي دارت مع زكا، لكنها قالت: "دائما بحسابات الدول نحن في لبنان لا شيء، لأننا بلد منقسم إلى محاور. الجهة التي تبيع وتشتري على حساب اللبنانيين هي التي تقبض الأثمان، ولا قدرة لنا على تحقيق أي أمر لأننا مستقلون بالشكل فقط". 
المهم الآن أن زكا سيكون حراً، أما من هو "صاحب الفضل" .. ربما تعاقب الأيام كفيل بالرد!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024