هكذا هُمِّشت هيئة الاشراف على الانتخابات

وليد حسين

الإثنين 2018/04/23

"ليس لدينا سلطة توجيه انذار للمرشحين السياسيين.. وجل ما تستطيع هيئة الاشراف على الانتخابات القيام به هو تسجيل المخالفات وتوثيقها"، هذا ما جاء على لسان رئيس الهيئة القاضي نديم عبدالملك، في المؤتمر الصحافي الذي دعا إليه وسائل الإعلام للإجابة عن استفساراتها أمام الرأي العام.

في هذا اللقاء الذي بثّ مباشرة على الهواء بدت الهيئة عاجزة عن الاجابة عن الأسئلة البديهية التي بدت محرجة والتي طرحها بعض الصحافيين. حتى أنّ رجاء عبدالملك من إحدى الصحافيات "عدم التذاكي في طرح الأسئلة" أثبت أن موجبات استقالة عضو الهيئة سليفانا اللقيس يوم الجمعة الفائت كانت في مكانها. فأحد أسباب الاستقالة كان عدم توجيه الهيئة تنبيهات لبعض المرشحين النافذين الذين يخرقون القوانين، بحجة أن لا سلطة للهيئة عليهم نظراً لحصانتهم، واكتفاء الهيئة بتوجيه الانذارات للمرشحين الضعفاء والوسائل الإعلامية. لم يستطع عبدالملك اعطاء اجابة عن الأمر، مكتفياً بأن "لا سلطة للهيئة على المرشحين" وبأن لا يتذاكى الإعلام في طرح الاسئلة.

هو مؤتمر صحافي أشبه بجلسة محاكمة علنية للهيئة أمام حشد من الصحافيين المثقلين بالأسئلة المشككة في أداء الهيئة التي من المفترض أن تضمن شفافية ونزاهة الانتخابات التي ستجري بعد أسبوعين. لكن عجز الهيئة ليس ذاتياً فحسب، بل إن القوى السياسية التي عيّنتها لم تزوّدها لا بالصلاحيات الواسعة ولا باللوجستيات الضرورية للقيام بمهماتها بطريقة حِرَفية وموضوعية. ولكون المهمات الملقاة على عاتق الهيئة كبيرة وكثيرة تحتاج الأخيرة أقلّه إلى كادر بشري كبير لمراقبة التزام اللوائح والمرشحين بالسقف الانتخابي المسموح به قانونياً.

كيف تستطيع الهيئة التثبت من صحة التقارير المالية التي سيقدمها المرشحين بشأن انفاقهم على الحملات الانتخابية، طالما أن ليس لدى الهيئة جهاز بشري للمراقبة الميدانية؟ بمعنى آخر، كيف تستطيع الهيئة تحديد سقف الانفاق للمرشحين الذي يأتي عبر اللوحات الإعلانية التي يعلقها "أصدقاء المرشح" أو عبر مآدب الطعام الانتخابية التي يقوم بها مناصرو المرشحين؟ فهذا النوع من الانفاق يجب أن يحتسب من ضمن السقف الانتخابي لكونه يقع ضمن "المساهمات" التي ينصّ القانون على احتسابها. وفي امكان المرشح عدم التصريح بها في الكشوفات المالية التي سيقدمها للهيئة طالما لا رقابة ميدانية عليه. فالهيئة تستطيع التحقق من أسعار شركات الإعلانات عبر طلب نسخ عن العقود مع المرشحين، لكنها لا تستطيع التحقق من قيمة الانفاق الذي يقوم به "أصدقاء المرشحين" لكونها لا تمتلك جهازاً ادارياً للتحقق الميداني.

في معرض رده على استفسار "المدن" عن هذه المسألة، ثبّت عبدالملك عملياً عجز الهيئة في هذا الشأن لكون ما قامت به هو الطلب من وزارة الداخلية تكليف الأجهزة التابعة لها من ضابطة عدلية وأمن عام كي يتعاونوا مع الهيئة لإعلامها حول المآدب والاحتفالات الانتخابية وغيرها من الأمور التي يقوم بها المرشحون. بالتالي، العمل على تحديد سقف الانفاق. فالهيئة لا تملك جهازاً ادارياً خاصاً للتحقق من هذا النوع من الانفاق، لاسيما أن مجلس الوزراء سمح لها بتعيين 64 موظفاً لا غير، موزعين على هذا النحو: 25 لمراقبة وسائل الإعلام، 17 للتدقيق في الكشوفات المالية للمرشحين، والبقية هم من الموظفين الاداريين. وهذا العدد غير كافٍ كما أكّد عبدالملك. أضاف بأنه في ظل هذا العدد البسيط من الموظفين ستكون الهيئة أمام مشكلة كبيرة، ألا وهي البت بالحسابات المالية الشاملة خلال مهلة 30 يوماً بعد تقديمه من قبل المرشح كما هو مطلوب، وإذا لم تتمكن الهيئة من البت به خلال هذه المدة يعتبر بحكم المبتوت به حكماً. علماً أنه كي تبت الهيئة بالحسابات الشاملة عليها أن تراجع التقارير المالية التي ستردها من وسائل الإعلام ومن شركات الإعلانات وشركات الاستطلاعات وغيرها من التقارير المتعلقة بالإنفاق المالي للمرشحين. فهل يستطيع 17 موظفاً التدقيق بأطنان من التقارير التي سترد في مدة 30 يوماً؟

عمليا، أكّد المؤتمر الصحافي الأسباب الموجبة التي جعلت اللقيس تقدم استقالتها. ففي تعليق لها عليه، تؤكد اللقيس في حديث إلى "المدن" أنها لم تكن تنتظر نتائج هذا المؤتمر لبت استقالتها رغم طلب رئيس الهيئة منها مراجعة خياراتها. فالمشكلة بالنسبة إليها ليست مع الهيئة بحد ذاتها بل في كيفية تعاطي الحكومة اللبنانية مجتمعة معها لكونها تريدها هيئة ضعيفة وغير قادرة على القيام بمهماتها المنصوص عليها في القانون. وفي ظل هذا العدد الكبير من المسؤولين المرشحين الذين لا يمكن مساءلتهم تصبح المشكلة غير محصورة بالانتخابات ونتائجها، بل في مستقبل النظام اللبناني المهددة ديمقراطيته، وفق اللقيس.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024