إبراء باسيل المستحيل: الغيظ من وفاق الحريري وبن سلمان

منير الربيع

السبت 2019/03/16

استهدف رئيس "التيار الوطني الحرّ"، جبران باسيل، الرئيس سعد الحريري و"تيار المستقبل" أكثر من مرّة، في خطابه بمناسبة العشاء السنوي للتيار الوطني الحرّ، وإحياء ذكرى 14 آذار. كلام باسيل واضح في مقاصده، والغاية لم تكن هجوماً كلامياً وحسب، بل للكسر والتطويع، وفق منطق اجترحه باسيل منذ سنوات، بهدف مواجهة "تيار المستقبل" لجلبه إلى بيت الطاعة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه حالياً، هو ما الذي يفرض على باسيل تجديد الهجوم على "المستقبل"، طالما أن هناك تسوية وتحالفاً وتفاهماً شاملاً بين الطرفين؟ الأكيد أن السبب غير محصور فقط في الاستهلاك الشعبوي، بل يرتبط أيضاً ببعض التطورات السياسية والملفات، في الحكومة وفي إدارات الدولة، ومن الاقتصاد إلى التعيينات.

فرمان عثماني
بدا باسيل، في هجومه، كمن يضع الشروط أمام الحكومة وأمام رئيسها. فهو وضع معادلة واضحة: إما أن يسير الجميع وفق رؤية "التيار الوطني الحرّ" أو لن يكون هناك حكومة. بمعنى أن عمل الحكومة سيتعرقل. وقال باسيل: "إما عودة النازحين أو لا حكومة. وإما طرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء أو لا حكومة. وإما صفر عجز كهرباء أو الحكومة صفر ولا حكومة". الكلام واضح. وحسب ما تشير المصادر، فإن باسيل يريد فرض رؤيته لملف الكهرباء مجدداً. ويريد التجديد للبواخر التركية. لكن الحريري يعارض ذلك. فكان لا بد من هذا الهجوم، تشديداً ومفاقمة للشروط من قبل باسيل.

اللاءات التي رفعها باسيل تستهدف الحريري شخصياً، وموقع رئاسة الحكومة في آن واحد. إذ أن باسيل، الذي يمتلك الثلث المعطّل، سيكون قادراً على تعطيل عمل الحكومة وعرقلة جلساتها. ما يعني مسّاً بصلاحيات رئيس الحكومة، الذي لا بد له من اتخاذ موقف واضح من هذه الشروط التي يرفعها باسيل، والتي يختصرها بعض المقربين من رئيس الحكومة، بأنها فرمان عثماني من قبل "ولي العهد"، الذي يقول للجميع إما السير بشروطه، أو أن الأحكام العرفية ستعلن.

ضرب "القوات" و"المردة"  
استكمل باسيل هجومه على تيار المستقبل باستحضار "الإبراء المستحيل"، قائلاً: "الإبراء المستحيل أصبح قانونًا، والفساد أصبح في كل دائرة، ونحن نعمل كخلية لمكافحة الفساد، والشائعات لن تحجب الحقيقة، والمذهبية لن تحمي أحداً. وباسم التسوية، لن نتساهل مع أحد. وباسم التحالف لن نحمي أحداً". وهذا بالتأكيد موجه ضد الحريري تحديداً. لا شك، أن هناك دواع عديدة أخرى، هي التي دفعت باسيل إلى إطلاق مواقفه الحادة. أولها يتعلّق بمسعى يقوده باسيل، من أجل تحجيم "القوات اللبنانية" و"تيار المردة" في ملف التعيينات الإدارية. ولذا، هو يقارع الحريري بلغة عنيفة للضغط عليه وابتزازه، وإجباره للسير بما يريده: ضرب القوات والمردة. فالمعادلة التي ابتكرها باسيل، ويحاول فرضها، تقوم على إقرار التعيينات وفق "الحجم التمثيلي" لكل طرف على طاولة مجلس الوزراء.

الحريري برعاية بن سلمان
هذا في ما يتعلّق بالشق الإداري والنفوذ داخل مؤسسات الدولة. لكن، لخطاب باسيل غاية سياسية أوسع، تتعلّق بأبعاد إقليمية، لا سيما بعد زيارة الحريري إلى المملكة العربية السعودية. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن الحريري التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعيداً من الإعلام، وكان اللقاء ودّياً إلى حدّ بعيد. وحسب المصادر، فإن بن سلمان جال مع الحريري في مختلف أنحاء المملكة، مطلعاً إياه على المشاريع التي يعتزم تنفيذها وإطلاقها، كما زارا سوياً مشروع نيوم. وقد حرص بن سلمان من هذه الجولة أن يظهر للحريري اهتماماً لافتاً، وإصراراً على تعزيز العلاقات في المرحلة المقبلة، وأهمية استمرار التنسيق.

وحسب ما تؤكد المصادر، فإن بن سلمان أسمع الحريري كلاماً إيجابياً جداً حول العلاقة بينهما ومع لبنان، وأن هناك العديد من المشاريع التي تستعد السعودية لإنجازها في لبنان، بالإضافة إلى تقديم المساعدات، لكن بعد اتضاح وجهة الأمور في البلد، ووفق قدرة الحريري على اتخاذ مواقف صارمة، معاكسة لراهن مسايرته لحزب الله والتيار الوطني الحرّ. فحين ستظهر هكذا مواقف واضحة من قبل الحريري سياسياً، يمكن العمل على تقديم المساعدات، كما في حلّ معضلة أموال الحريري وشركته "سعودي أوجيه" المجمدة في السعودية.

"معركة فاصلة"!
تؤكد المعلومات، أن ولي العهد السعودي قدم للحريري قراءة سياسية حول جملة التطورات في المنطقة، واستمرار الضغط الأميركي على إيران وحزب الله، والذي يجب أن يُقابَل لبنانياً بعدم التهاون والتسليم لهما.. "لأن المعركة فاصلة"، ولا يمكن للبنان أن يكون رهينة لدى إيران والحزب أو التيار الوطني الحرّ. هذه الأجواء، تسّربت فحواها إلى التيار الوطني الحرّ، وقد قرأ التيار ترجمتها العملية بإصرار الحريري على استبعاد الوزير صالح الغريب من وفد بروكسل. هذا ما دفع باسيل إلى زيارة الحريري، والطلب منه عدم خلق إشكالات جديدة، تؤدي إلى المزيد من الارتباكات في الداخل، فأي كلمة غير محسوبة سيقولها الحريري، سيتم الردّ عليها بطريقة مباشرة بحملة واسعة. ولذلك كان موقف الحريري في بروكسل ملتزماً بـ"العودة الآمنة" ولم يأت على ذكر "الطوعية"، على غرار موقفه في 14 شباط، لتجنّب المزيد من التصعيد بينه وبين التيار الوطني الحرّ.

وتفيد مصادر، مطّلعة على العلاقة بين الحريري والتيار الوطني الحر، إلى أن هناك استياءً وعدم ارتياح لدى التيار وبعبدا من مواقف الحريري، ولكن ليس هناك قلقاً من تحرّكاته. إذ يقول أحد المحسوبين على التيار الوطني الحرّ، أن الحريري سيعود ليسير بركب التسوية المرسومة. لكن كل شيء يبقى مرهوناً بالأيام المقبلة، وما ستحمله من تطورات، لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى بيروت.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024