هذه شخصية جبران باسيل: الجميع تحت سلطته ووصايته

منير الربيع

الأربعاء 2018/06/13

يتقن وزير الخارجية جبران باسيل فنّ إثارة العواصف. كثر ينظرون إلى عواصف باسيل على أنها "قنابل دخانية". لكنها عملياً ليست كذلك. يشكّل الرجل حالة استثنائية في السياسة اللبنانية. قادر على إثارة رياح، ومن ثم مواجهتها. لا تعنيه التناقضات، أو ما يُعتبر تضارباً في المواقف. الغاية تبرر الوسيلة. لكل عاصفة يثيرها هدف أو أهداف. يقدّم نفسه بشكل غير تقليدي على المستوى السياسي. ليس بالضرورة لرئيس الدبلوماسية أن يكون ديبلوماسياً. لذلك، يبدو فظّاً أو شديداً. وهذه حاله في المعركة التي فتحها مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

يتصرّف بشخصية رئاسية، لا دبلوماسية، تبدو أقرب إلى اتخاذ قرارات حازمة بدلاً من الدخول في مفاوضات مطّاطة. هو الشخصية المتعاكسة مع شخصية رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يفضّل تدوير الزوايا، والذهاب بدبلوماسيته إلى حدّ تشكيل انطباع وكأنه يتنازل عن صلاحياته. يطغو باسيل على أبناء جيله. يفوقهم قدرة على التحرّك والتحريك. دائماً، لديه جديد، وغالباً ما يكون جديده "فتح قضايا جديدة" بمعزل عن النتائج.

لا حدود لسقفه. يحوّل العنصرية إلى "وطنية لبنانية". يظلّل نفسه بـ"استعادة السيادة" وحقوق المسيحيين، وإعادتهم إلى الدولة. لا يأبه بأي انتقاد، بل يكاد يعيش على حجم الانتقاد الذي يتلقاه. الضرب فيه يحييه، ولا ينطبق عليه مبدأ الضرب بالميت. قبيل الانتخابات النيابية، فتح الاشكال مع الرئيس نبيه بري. قلائل هم الذي يجرؤون على الدخول في صدام مع رئيس مجلس النواب، ارتدّت النتائج عليه إيجاباً في الشارع وانعكست في الانتخابات. هذه النتيجة التي تعنيه، ولا تعنيه نتيجة التراجع عن القرار في السياسة أو في إعادة تكريس توقيع أراد تجنّبه. القصة تكررت في ملف القناصل الفخريين. كذلك لا يعنيه التراجع لمصلحة توقيع وزير المال. ما أراده حققه، إيصال رسائل مستمرّة بأنه مختلف عن غيره ممن سبقوه، وبأن مساعيه لتكريس الثنائية السابقة للطائف لا تزال قائمة.

التقى باسيل وزير الخارجية السوري وليد المعلّم في لحظة لم يكن أحد يجرؤ على فعل ذلك. كان ذلك قبل التسوية الرئاسية، والتقاه في الأمم المتحدة، على مرأى العالم. فلا يضيره اليوم التنسيق مع دمشق وتبادل الرسائل مع المعلم بشأن القانون رقم 10 أو بشأن اللاجئين. قادر على اتخاذ موقف ضد دول الخليج، واتخاذ آخر يطمئنهم فيه باللحظة نفسها. يريد المزج في شخصيته، بين كميل شمعون وبشير الجميل، ووليد جنبلاط ونبيه بري. يتطبّع بهم، ليفوقهم، إن لم يكن يريد "القضاء" عليهم. هو القارئ النهم لمكيافيلي.

يوم طرح بعد الانتخابات معادلة الأقوياء في طوائفهم، نجح في تحجيم خصومه. أحرجهم، حصر مطالب بري الوزارية بالشيعة، وحصر وليد جنبلاط داخل درزيته. هذا ما كان يريده، والاختراقات التي حصلت في الانتخابات، أراد مجانبتها في تشكيل الحكومة. ويرسي قاعدة أن لا شيء بدون مقابل، في السياسة كما في الإدارة، وحتى في امتحانات التوظيف.

بشكل فجائي، فتح معركة مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. أصدر قرارات بمنع تجديد الإقامات للعاملين في المفوضية، ما لم يلتزموا بشروطه. أحرج اللبنانيين، لكنه ظهر كبطل، يتخذ قرارات استثنائية. يريد دوماً فتح ملفات كبرى. هي التي تحفظ دوره، تعزز شعبيته وموقعه، وتبقيه مستنفراً في نضاله بقضية معينة. وكيفما مالت موازين المعركة، لن تنعكس عليه سلباً.

بخطوته نقل الجدل من مرسوم التجنيس إلى ملف العلاقة مع المفوضية والمجتمع الدولي. والأكيد أن الخطوة لن تغير أي أمر جوهري. يتوعّد بمزيد، وسط انعدام الوضوح بماهية الإجراءات التي قد تتخذ. الأكيد، أنه لن يذهب إلى صدام غير إعلامي مع المفوضية، خصوصاً أنها تعمل ضمن إجراءات وقوانين معروفة، ولم تخرج عن المسار المعتمد بشأن اللاجئين. هو فقط يضع الجميع تحت سلطته ووصايته.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024