باسيل رئيساً في الظّل والمعارضة تطوّق عون

منير الربيع

الإثنين 2019/08/05

للمرة الأولى منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، يلجأ خصومه إلى توجيه سهام انتقاداتهم نحوه مباشرة. فلطالما حرص الأفرقاء على تجنيب رئيس الجمهورية أي انتقادات، وصبوها على الوزير جبران باسيل، انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على مقام الرئاسة والتعاطي مع الرئيس بوصفه رئيساً للبنانيين جميعاً. لكن هذه القاعدة تغيرت مؤخراً، وكُسِرت بالتدرج: من موقف الرئيس تمام سلام، إلى الرئيس نجيب ميقاتي، مروراً بوليد جنبلاط، ووصولاً إلى سمير جعجع.

عليكم بباسيل
توصل هؤلاء إلى القناعة التالية: لم يعد مفيداً الفصل بين عون وباسيل. سمير جعجع قالها صريحاً: كلما راجعت عون في مسألة خلافية معينة، يحيلني سريعاً إلى باسيل للتوافق معه. وهذا ينطبق على أركان القوى السياسية في لقاءاتهم عون لمباحثته في ملفات كثيرة، ليجيبهم: عليكم مراجعة باسيل والاتفاق معه. ثم تجاوزت هذه الحال حدّها أخيراً: تماهي الرئيس الكامل مع باسيل في مهرجان العرق بزحلة.

عون يناور
يشير "الهجوم" المباشر على عون، إلى نقلة جديدة في المسار السياسي في البلد. وإذا قُرن هذا الهجوم بالفرز السياسي المتحقق على خلفية أحداث الجبل وإحالة ملف القضية على المجلس العدلي، يُفترض برئيس الجمهورية مراجعة بعض حساباته، وخصوصاً بعد توسع المواقف الاعتراضية التي لم تعد تقتصر على جنبلاط.

من جهته عمل الرئيس عون على تدارك الهجمة السياسية، فأكد في احتفال عيد الجيش تمسّكه باتفاق الطائف. هدفه الأساس من توكيده في هذه المرحلة، دغدغة مشاعر رئيس الحكومة ومحاولته أن يستعيده إلى جانبه، بدلاً من دفعه بعيداً في اتجاه وليد جنبلاط وآخرين يضعون المعركة التي يخوضها عون ومعركة الصلاحيات في خانة القفز فوق الطائف وضربه.

استعادة الحريري؟
إذاً، هدف رئيس الجمهورية من موقفه الأخير، إستعادة الحريري، وخصوصاً في ظل عمل منظومة متكاملة قريبة من الرجلين على الاستثمار في موقف الرئيس الإيجابي، لتسويقه لدى رئيس الحكومة، بغية تجديد "التسوية" بينهما، في مواجهة ما يحاول آخرون فرضه على مسارها، باللعب على وتر الطائف المستهدف من الرئيس وفريقه. وقد يجد الحريري من يقول له: الرئيس عون سلّفك موقفاً، بإعلانه الحفاظ على الطائف، ولو كلامياً فقط، ولا بد من ملاقاته في منتصف الطريق، والعودة عن الاصطفافات السياسية، للعمل بموجب التسوية على حساب المتضررين. يأتي هذا في لحظة مفصلية تتعلق بتعطيل عمل الحكومة، في مقابل إصرار رئيس الجمهورية على عقد جلسة سريعة لها، وفرض شروطه: طرح إحالة ملف حادثة قبر شمون على المجلس العدلي.

براغماتية عون معروفة.  فهو الذي وقع على قانون محاسبة سوريا الأسد، ثم عاد إلى الاتفاق معها ضد من وقع قانون محاسبتها. وهو الذي رفض الطائف، وقال في عيد الجيش إنه أقسم على الطائف، بخلاف ممارساته السائدة في الأشهر الماضية، والتي استدعت مواقف كثيرة تبدي تخوفها على الطائف. وعون الذي كان يعتبر مجلس النواب غير شرعي وغير دستوري، هو المجلس إياه الذي انتخبه رئيساً للجمهورية. فالرجل، على ما يبدو، خبير في كيفية تمرير مواقفه حسب الظروف، لتجييرها لصالحه. وها هو يستعيد التجربة حالياً: الضغط على الحريري من جهة، وإبداء الإيجابية تجاهه من جهة أخرى، وعلى قاعدة الحفاظ عليه في موقعه الذي لن يوفره له أحد سوى عون.

رقعة المعارضة تتسع
يعلم الرئيس عون أن ولايته انقضى نصفها. وفي التصنيفات التي تُزمِّنُ عهود رؤساء الجمهورية في لبنان يشيع أن سنتي الرئيس الأوليين هما للترحيب به في انتظار تحضير توجهاته العامة وخططه. والسنتان التاليتان هما للبدء بتنفيذها. أما السنتان الأخيرتان من عهده فيحضر فيها للوداع، ويسعى لاختيار خلف له. ومعروف أيضاً أن رقعة معارضي رئيس الجمهورية تتسع في السنتين الأخيرتين.

لكن عهد الرئيس عون يختلف في أنه ينقسم إلى قسمين: النصف الأول الذي انقضى حتى الآن، وظهرت في نهايته سعة أفق معارضة، قد تفرض قواعد جديدة للعبة طوال السنوات الثلاث المتبقية. وهذا يظهر شكلاً ومضموناً في الطوق السياسي المضروب حول عون، والذي يبدأ من برّي إلى جنبلاط، وصولاً إلى رؤساء الحكومات السابقين ورئيس حزب القوات اللبنانية. وهذا ليس على قاعدة المواجهة، بل على قاعدة التوازن، ولدفع عون إلى التعاطي مع الجميع كرئيس جمهورية، وليس كطرف.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024