الشعار مفتٍ سابق؟.. نعم ولا

جنى الدهيبي

الأربعاء 2018/09/12

عمليّاً، منذ اليوم الأربعاء 12 أيلول 2018، أصبح الشيخ مالك الشعار، ببلوغه السنّ القانونية 70 عاماً، وبعد 10 سنوات من توليه منصبه، يحمل لقب "مفتي طرابلس والشمال السابق". لقد صار ما كان يخشى الشعار حدوثه، وأخذ لأجله طرفاً سياسياً وخاض معارك انتخابية في أيار 2018 دعماً لرئيس الحكومة سعد الحريري في وجه خصومه السنّة، كي لا يصل إلى هذه اللحظة، ويصبح مفتياً سابقاً. وقع المحظور بالنسبة إلى الشعار. لكنّه، وهو المعتكفُ عن التعليق أو التصريح في هذا الشأن، يبدو أنّه لم يستسلم بعد، ويستمر في الضغط ومحاولة "إحراج" الحريري لإيجاد صيغةٍ للتمديد، بتكليفه شغل المنصب الشاغر، بلقب "مفتٍ سابق"، إلى حين انتخاب مفتٍ أصيل.

لم يحسب الشعار أن "يفشل" في تمرير التمديد له. لكن، كيف لا، فيما علاقته مع مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان لم تكن ناجحة ولا توحي بالايجابيّة، نتيجة تراكمات في التعاطي والتواصل بينهما. فهل أخذ دريان بـ"ثأره" قانونياً، رغم الضغوط السياسة المحيطة به؟ في اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، الذي انعقد السبت في 8 أيلول 2018، لم يطرح دريان بند منحه التفويض بالتمديد للشعار. ما عنى قانونيّاً نسف خيار التمديد، وأنّ على الأخير أن يغادر في 12 أيلول مكتبه في دار الفتوى في طرابلس. إذاً، ماذا بعد مغادرة الشعار؟

هذا الجوّ، الذي لم يحسم مصير دار الفتوى في طرابلس، بدا مصحوباً بسيلٍ من السجالات والاعتراضات على واقع منصب الافتاء الذي أعطاه الشعار طابعاً سياسياً منحازاً، لاسيما أنّ لا بوادر توحي بإجراء انتخابات لمنصب الافتاء في العاجل القريب. المعنيون في دار الفتوى، من شيوخ وأعضاء في المجلس الشرعي، بدأوا يطرحون تساؤلات عن انجازات الشعار في الدار والأوقاف وشؤون العلماء، حتّى أنّ البعض يعتبرها صفراً، وأنّ كلّ همّه كان استعادة ديْنه المستحق في "ذمة" الحريري بعد وقوفه إلى جانبه انتخابياً، مقابل انعزاله عن معظم قيادات المدينة السنيّة وقد بلغ ذلك درجة القطيعة. علماً أنّ قدرته في التأثير على محيطه لسلب تأييدهم سياسياً، كانت شكليّة واستعراضية فحسب، إذ يرى كثيرون أنه لم يُضف شيئاً لتيار المستقبل في تلك المرحلة، بل ربما أساء إليه من حيث لا يدري، نتيجة النفور ممّا اعتبره كثيرون نوعاً من "التملّق" الذي لا يليق برجل الدين تجاه السلطة.

وتعبيراً عن رفض أيّ شكلٍ من أشكال التمديد بالتحايل على القانون، وجّه الأعضاء السبعة في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في طرابلس والشمال، كتاباً إلى المفتي دريان، يطلبون منه الالتزام بالمهل القانونية، والحؤول دون اتخاذ قرار من شأنه إضعاف مقام دار الفتوى. وقد أشار الأعضاء إلى وجود أمين فتوى، وهو حالياً الشيخ محمد الإمام، بإمكانه القيام بمهمات الافتاء، طبقاً للمادة 27 من المرسوم الاشتراعي رقم 18/ 1955، إلى حين تحديد موعد انتخاب مفتٍ جديد. حتّى الآن، لم يصدر شيء عن المفتي دريان لحسم قضية الشغور في افتاء طرابلس.

وفيما حذّر الأعضاء من أنّ تكليف الشعار سيدفعهم إلى تقديم طعن أمام مجلس شورى الدولة، تفيد معلومات لـ"المدن" بأنّ احتمال إصدار دريان قرار يكلف بموجبه الشعار بتصريف الأعمال في افتاء طرابلس آنياً، لا يزال قائماً لاعتبارات مزدوجة. من جهة، يرضي دريان بذلك الفريق السياسي المؤيد لبقاء الشعار في منصبه، ولو لتصريف الأعمال، ومن جهةٍ أخرى، يكون دريان قد حقّق رغبة الرافضين خرق القانون والتمديد لولاية الشعار كفتٍ أصيل.

وفي السياق، يشير أحد الأعضاء في المجلس الشرعي، لـ"المدن"، إلى أنّ قرارهم رفض تكليف الشعار تصريف أعمال دار الفتوى محسوم. فـ"في ذلك بدعة وتحايل على القانون، في ظل وجود المادة التي تنصّ على تولي أمين الفتوى إدارة هذا المنصب عند شغوره. أمّا تكليف الشعار، فسيكون ارضاءً للحريري فحسب".

وعلمت "المدن" أنّ رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي والنائبين جهاد الصمد وفيصل كرامي، أبغلوا دريان رفضهم بقاء الشعار في منصبه تحت أيّ ذريعة، وطلبوا الالتزام بالمهل القانونية وعدم تجاوزها.

ورغم أنّ عملية انتخاب مفتٍ جديد قد تستغرق 3 أشهر كاملة، ومن المرجح أن تتزامن مع موعد انتخاب مجلس الأوقاف في طرابلس في نهاية 2018، يدور النقاش حول الترشيحات لمنصب الافتاء والأسماء المتنافسة. ومنهم الشيوخ وليد علوش، مظهر الحموي، بلال بارودي ومحمد إمام، فيما الأكثر حظاً يبدو هو القاضي الإداري الأول في محكمة طرابلس الشرعية الشيخ عبدالمنعم غزاوي، الذي استطاع أن يثبت نفسه منذ توليه منصبه لما حققه من إنجازات وإصلاحات في محكمة كانت تشبه الغابة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024