حزب الله كورقة تجاذب نفطي بين أميركا وإيران

منير الربيع

الثلاثاء 2019/09/10
تبدي قوى دولية وإقليمية اهتماماً كبيراً بملفات ترسيم حدود لبنان الجنوبية، التي قد يتيح ترسيمها التنقيب عن الثروة النفطية في المياه البحرية الإقليمية اللبنانية واستغلالها.

ومنذ إجراء مناقصات التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، تقدّمت شركات من دول عدة، قد تتضارب مصالحها الاستراتيجية النفطية، منها روسيا والدول الأوروبية مثلاً. وقد تشترك في عمليات التنقيب شركات روسية، فرنسية، وإيطالية. ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية قد تقدّمت للدخول في هذه المناقصات، لكنها كانت معنية بالتنسيق مع موسكو، وما يعنيه ذلك لإسرائيل.

وفي نظرة شاملة، أصبح ملف النفط في البحر الأبيض المتوسط مترابطاً، خصوصاً في ظل التواصل المصري - اليوناني - القبرصي - الإسرائيلي، ومحاولات إدخال لبنان على هذا الخطّ. وهذا ما دفع بتركيا إلى التحرك في اتجاه لبنان، لإقناع حكومته بضرورة التفاهم أو التنسيق، لأن ذلك التحالف الرباعي يضرّ بمصالحها الاستراتيجية.

ملفات متداخلة
وفق هذه النظرة المبسّطة يمكن الوصول إلى خلاصة واضحة: ارتباط ملف التنقيب عن النفط في لبنان، بملفات المنطقة كلها، من صفقة القرن، إلى مفاوضات أميركية مباشرة أو غير مباشرة مع الدول الأربع من جهة، وتنسيق واشنطن مع موسكو، ودخول الأتراك على الخطّ في محاولة منهم للاستفادة من تحسين علاقتهم بالأميركيين، والذي أدى إلى تسيير دوريات تركية - أميركية مشتركة في شرق الفرات، والاتفاق على إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا.

إيران بالتأكيد ليست بعيدة، فهي معنية بشكل أساسي في سوريا، وحاضرة بقوة في لبنان، وتعتبر أنها ممسكة بلعبة المفاوضات من خلال حزب الله، الذي فوّض الرئيس نبيه برّي إدارة دفتها.

قبيل دخول الأميركيين بقوة على خطّ مفاوضات ترسيم الحدود "النفطية"، كان الملف متروكاً بعهدة روسيا. فهي صاحبة العلاقة الجيدة مع إيران وإسرائيل، وكانت تعمل على عقد اتفاقات غير مباشرة حول نقاط وجود الإيرانيين في سوريا. في تلك الفترة اعتُبرت موسكو وحدها هي القادرة على إنجاز ملف ترسيم الحدود. وكانت تنسق مع الأميركيين، الذين ما كان ذلك يعني انسحابهم من لبنان، بل تجميعهم أكبر قدر من الأوراق تبقيهم حاضرين بقوة، عبر علاقاتهم اللبنانية، أثناء شروعهم ببناء سفارة في لبنان هي الأكبر على المتوسط، واستمرارهم في دعم الجيش والمصارف.

حزب الله النفطي
التنسيق بين الروس والأميركيين، ومع الأوروبيين، لا يعني عدم وجود خلافات على مناطق النفوذ أو الحصص. فكل دولة تسعى إلى تعزيز أوراقها وحضورها. لذلك تترابط الملفات: من العقوبات الأميركية على إيران وحزب الله، إلى المساعي الأوروبية في البحث عن مخرج وتخفيف للتصعيد والتوتر. ولبنان الذي استعاد الأميركيون زخم حراكهم فيه، ورقة أساسية من أوراق التجاذب الدولي هذا، نفطياً، وحدودياً، إضافة إلى العقوبات وما يرتبط بها.

وكان المبعوث الأميركي السابق ديفيد ساترفيلد، قد حقق تقدماً ملحوظاً في مساعيه بين لبنان وإسرائيل. والحقيقة أن الاتفاق أصبح شبه ناجز، سوى في بعض التفاصيل. فالانتخابات الإسرائيلية المبكرة واستمرار التصعيد الأميركي - الإيراني هما ما أوقف مساعي ساترفيلد، الذي أطلق موقفاً واضحاً حول استعداد بلاده للمشاركة في عمليات التنقيب عن النفط في بلوكات جديدة قد تطرح للتلزيم. لذلك اجتمع مع وزيرة الطاقة. وهذا يفترض حكماً استقراراً ووقفاً للتوتر.

تعلم الولايات المتحدة الأميركية أن أي تفاهم على ترسيم الحدود والتنقيب عن النفط اللبناني، سيكون نتاج اتفاق مباشر أو غير مباشر مع الإيرانيين، الذين يسيطرون بواسطة حزب الله على بلوكات النفط الجنوبية في لبنان. وهذا غير ممكن الشروع فيه حالياً قبل الوصول إلى اتفاق إطار أميركي - إيراني. وتعلم واشنطن أن الشروع بتطبيق مندرجات صفقة القرن غير ممكن من دون اتفاق مع الإيرانيين. لذا تكثف واشنطن من ضغوطها على إيران، للذهاب إلى طاولة المفاوضات.

إلى جانب الضغوط المالية، تستمر الضغوط السياسية والعسكرية التي تطال حزب الله في لبنان، ومنها الاعتداء الإسرائيلي الأخير على ضاحية بيروت جنوبية، وإثارة ملف الصواريخ الدقيقة، والتهديد باستهداف بعض المواقع. هذه العمليات رديفة للتفاوض حول الترسيم. فساترفيلد في إحدى زيارته المسؤولين اللبنانيين سلّمهم خرائط حول 9 مواقع يدّعي الإسرائيليون احتواءها صواريخ دقيقة ومصانعها في الضاحية والجنوب والبقاع. واليوم يعود الإسرائيلي إلى التهديد باستهداف هذه المواقع، إذا لم تفكك. يرتبط هذا التصعيد بالضغوط على حزب الله وإيران، لدفعهما إلى الذهاب نحو المفاوضات.

هذا يعني أن ترسيم الحدود الجنوبية، لا يرتبط بالخلافات التقنية التي أصبحت شبه منجزة، بل يتعرقل أو يتأخر لأسباب سياسية، سيحملها معه المبعوث الأميركي الجديد ديفيد شينكر، الذي سيثيرها إلى جانب ملف العقوبات على حزب الله، وعلى بعض المصارف والمؤسسات. وسيثير أيضاً ملف التزام الدولة اللبنانية بالشروط الأميركية في بعض المسائل.

مبعوث أميركي مرتقب
يصل شينكر بعد تطورات مهمة، أبرزها التوتر العسكري في الجنوب، وإعادة تجديد قواعد الاشتباك، مع فارق تصعيد لافت من حزب الله، مقابل تصعيد أميركي في العقوبات. سيأتي شينكر بمهمة تفاوضية، حاملاً الملفات التي قرأ اللبنانيون طوالعها، عندما أعلن الرئيس سعد الحريري رغبته بتثبيت وقف إطلاق النار، وليس فقط وقف العمليات العسكرية. أما رئيس الجمهورية فموقفه واضح: الالتزام بالأمن والاستقرار والقرارات الدولية، معطوفاً على موقف سابق لوزير الخارجية جبران باسيل: حق إسرائيل بالبقاء بسلام وأمن، شرط عدم الاعتداء.

هذه المواقف اللبنانية كلها تقدم تسهيلات لعملية ترسيم الحدود، المنوطة أساساً بالرئيس نبيه بري، الذي يتحدث عن إيجابية لا تخلو من الثوابت اللبنانية: التلازم بين الترسيم البرّي والبحري، مستنداً إلى موازين قوى يحضر فيها حزب الله، الذي لا يمكن تجاوزه في هذه العملية.

يمكن الحديث عن وجود تفاهم أولي ومبدئي في هذا الملف، لكنه يرتبط بالاتفاق النهائي غير الناجز بعد، لأنه يرتبط بالتطورات السياسية في الإقليم. أما تقنياً فمبدأ التلازم البري - البحري أصبح واقعاً، لأن الترسيم البرّي أنجز ببناء إسرائيل الجدار العازل على الحدود، لتبقى مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا عالقة في انتظار تطورات أخرى. والترسيم البحري سينطلق من آخر نقطة بحرية في رأس الناقورة، عند حصول التوافق السياسي، لتصبح التقنيات سهلة الانجاز، وتسقط الخلافات التفصيلية حول رعاية الأمم المتحدة للاتفاق، في مقابل القبول بالرعاية الأميركية، مع اشتراط لبنان أن يكون الاتفاق مكتوباً وليس شفهياً.

الاتفاق البرّي مكتوب، وينتظر توقيعه الاتفاق على الترسيم البحري، فيُوقّع الاتفاقان معاً. يحتاج الوصول إلى ذلك تذليل عقبات سياسية بين واشنطن وطهران، وحزب الله على نحو غير مباشر. فجلّ ما يطلب منه يتعلق بالصواريخ الدقيقة. أما أنواع الأسلحة الأخرى فلا يبدو أنها ستكون موضوع نقاش أو تنازع، خصوصاً أن نصر الله قال إن حزبه هو الوحيد القادر على التزام الاتفاقات وتطبيقها. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024