من يريد الغاء البريفيه؟

خضر حسان

الأربعاء 2018/05/16

يصر مجلسا النواب والوزراء الحاليين على اختتام مسيرتهما بوضع تدمير التعليم الرسمي على بساط البحث الجدّي. فالمؤسستان الرسميتان لا يمكنهما "نطح" التعليم الخاص، فيجدان في التعليم الرسمي فرصة لعرض العضلات وتغطيه الفشل أمام القطاع الخاص الذي يفرض حتى اللحظة كلمته الرافضة تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب رقم 46. وبدل أن يبحث عدد من النواب في كيفية فرض تطبيق قانون أقروه، وبدل أن تبدي الحكومة رأيها في امتناع المدارس الخاصة عن تطبيق القانون، ستبدي رأيها في جلسة، الأربعاء في 16 أيار 2018، في اقتراح قانون صادر منذ سنتين عن عدد من النواب حول الغاء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة.

مطلب الالغاء ليس جديداً، بل يتكرر كل عام تقريباً، عبر جهات رسمية وغير رسمية، في حين تصر وزارة التربية على عدم الغاء الشهادة "التي تمثّل التعليم الرسمي في لبنان"، وفق ما تقول مصادر في وزارة التربية في حديث إلى "المدن". وتشير المصادر إلى أن "الوزير مروان حمادة يحاول الحفاظ على مكانة التعليم الرسمي وأساتذته، ولن يتهاون في وضع التعليم الرسمي أمام خيار الإقفال، أو مزيد من التراجع، لمصلحة أي جهة كانت".

لم تحدد المصادر الجهات التي تقف وراء الطرح المتكرر لالغاء الشهادة المتوسطة، لكن "البحث عن المستفيد يوصل إلى هوية طارحي الالغاء". وتأسف المصادر إلى وجود "من يريد تدمير القطاع التربوي الرسمي، سواء أكان المدارس أو الجامعة، من داخل المؤسسات الرسمية. ففي مجلسي النواب والوزراء هناك من يتحدث عن أعباء التعليم الرسمي على الدولة، وهناك من يتحدث بشكل عام عن أعباء كل مؤسسات الدولة. بل بات يُستخدم مصطلح "الدولة قطاع خاسر أو فاشل". وهذا كله مردّه إلى نية مبيّتة لتدمير الدولة، في حين أن صعوبات القطاع الرسمي تعود إلى الإدارة الخاطئة، وإلى انتشار الفساد بين المسؤولين عن القطاع، والمسؤولين عن الأجهزة الرقابية. فالصعوبات لا تنتج عن شخص أو إثنين، بل من نظام متجذر في بنية الإدارة الرسمية. وبدل أن يبحث المسؤولون في التخلص من نظام الفساد، يبحثون في ضرب التعليم الرسمي وقطاعات الدولة".

وترى المصادر أن "مجرد طرح الفكرة من جانب عدد من النواب، وقبول الحكومة بإبداء رأيها بالطرح، هو نقطة سوداء تسجل للمجلسين". تضيف أن "المؤسسات التربوية الخاصة هي أول الرابحين من هذا الطرح، وحتى لو كان رأي الحكومة سالباً، وحتى لو لم يمر الطرح، إلا أنه يمثّل طعنة في التعليم الرسمي، إذ إن استسهال الطرح بالتزامن مع رفض المدارس تطبيق القانون، وتلقيها الدعم من جهات دينية وازنة في البلاد، يعني فتح الباب أمام التداول باقتراحات لاحقة تضعف التعليم الرسمي. أما البديل، فهو المدارس الخاصة، وهو ما تروج له تلك المدارس دائماً. ففي تبرير المدارس الخاصة رفض تطبيق القانون 46، صوّرت القانون تدميراً للقطاع التعليمي، واضعة نفسها عماداً أساسياً للتعليم في لبنان. وقد ادعت فشل التعليم الرسمي. وهذا ما لا يريد البعض في السلطة الرسمية الانتباه إليه".

الغاء شهادة البريفيه بالنسبة إلى المصادر "يعني الغاء مرحلة من مراحل التعليم الرسمي، والغاء عملية فلترة وتقييم للطلاب الذين سينتقلون إلى المرحلة الثانوية. وهذا الالغاء يصب في مصلحة المؤسسات الرسمية التي تستفيد أولاً، من خلال تهميش دورها في العملية التربوية، وثانياً من خلال تقوية نفوذها في عملية ترفيع الطلاب من مرحلة إلى أخرى، خارج إطار رقابة الدولة. فحالياً، مهما رفّعت المدارس الخاصة طلابها، سيلتقون مع طلاب التعليم الرسمي في الشهادات الرسمية، وبعد الالغاء، سينتفي دور الرقابة الرسمية".

قد يقول قائل إن المستوى التعليمي المتقدم للمدارس الخاصة يفوق مستوى التعليم الرسمي، وهذا القول "قد يصح في بعض الحالات لدى القليل من المدارس المشهود لها في لبنان، لكنه لا يصحّ في أغلب المدارس الخاصة التي تفتح أبوابها كتنفيعات سياسية وكأبواب للانتفاع من مال الدولة، تحت مسميات مدارس مجانية، مستفيدة من حالة الفساد في لبنان. فعدد من السياسيين ورجال الأعمال يملكون مدارس مجانية تتقاضى مساعدات من الدولة، لكنها في الحقيقة تأخذ أقساطاً مرتفعة من الطلاب. وكل ذلك مغطّى سياسياً. والبعض الآخر يستفيد من مجانية مؤسسته للحصول على أصوات انتخابية، وكأن المجانية منّة منه، وليست مدعومة من الدولة. فكيف إذا ما أُلغيت الشهادة الرسمية وبات الترفيع التلقائي رهن المدرسة الخاصة؟".

تعلم الحكومة أن بحث الغاء الشهادة المتوسطة هو مقدمة لالغاء الشهادة الثانوية، والبحث بحد ذاته مصيبة، فكيف إذا كان رأيها مؤيداً للالغاء؟ حينها المصيبة الكبرى.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024