التوجّه شرقاً: الإفلاس مقابل الغذاء.. والبطاطا مقابل النفط

نادر فوز

الجمعة 2020/07/03
إلى جانب حزب الله، ورئيس حكومته حسان دياب، ماكينة إعلامية تعمل لضخّ التفاؤل في التوجه شرقاً، للحدّ من الأزمة الاقتصادية والحصار السياسي الدولي. آمال باللقاءات مع السفير الصيني في بيروت، وانغ كيجيان، وأخرى بالوفد العراقي الذي يزور لبنان، وثالثة بكل ما يتم التحضير له لفتح أبواب لبنان أمام البضائع الإيرانية.

في هذا التفاؤل، تكريس لفكاهة الخيار القائل "بطاطا مقابل النفط"، على أنّ النقطة الأهم فيه محورها الصين. الأخيرة، بحسب مقرّبين من سفارتها، لم تعط وعوداً بالتعاون بعد، ولا خطط واضحة، فقط الكلام الذي يتم تقطيره وتضخيمه ليخرج على الناس في الإعلام لتقديم بدائل وخيارات وآمال. لكنّ العارفين، مقرّبين كانوا أو غير مقرّبين، يعرفون أنّ لا الدولة ولا الشركات الصينية مستعدة للدخول والتورط في وحول منطقة أو بلد غير مستقرّ، لا أمن ولا ضمانات فيه. هذا من مسلّمات الاستثمار والشراكات المزعومة، فكيف الحال ببلد يعيش على بركان داخلي وخارجي، لا أفق فيه وله.

حبر سرّي وصيني
بدل "الحبر السرّي" المؤامراتي الذي توجس منه رئيس الحكومة أمس، يتّجه دياب ومن معه إلى استخدام الحبر الصيني. وقد نقل عنه بعض زوّاره، من جالسي المقاهي ومن معدومي الوزن السياسي، أنه أبلغ جهات أوروبية نيّته التوجّه شرقاً. وهنا السؤال الأساسي لماذا إبلاغ الأوروبيين بالأمر وما المطلوب من ذلك؟ في ذلك محاولة ابتزاز؟ تهديد؟ لا يمكن تفسير الأمر سوى أنه لعب في المكان الخطأ، مع الجهات الخطأ وفي الوقت الخطأ. وبدل "رسائل الشيفرة" التي أشار إليها دياب في الاجتماع الوزاري الأخير، يكتب رسالة بلا عنوان ولا زمان. فقط موقّع أراد المراسلة، فكتب وأرسل.

ابتزاز إضافي
ابتزاز يكتمل بما يدور في أروقة هذه المجالس السياسية عن افتعال أزمة جديدة عنوانها اللاجئين وفتح أبواب الهجرة غير الشرعية. قد تكون ضربة قاصمة وتحويلاً نهائياً باتجاه الشرق، سياسياً واقتصادياً وكيانياً. على أن تبقى النقطة الأهم في كل النقاشات والسجالات الدائرة مع الدائنين: ترجموا إصلاحات واحصلوا على القروض. فيبدو غريباً كيف أنّ فريقاً سياسياً بهذا الحجم، يسيطر على رئاسات ثلاث، عاجز عن تقديم بند إصلاحي واحد يمكن أن يقنع الدائنين. عاجز عن إقناع ناسه حتى بأنّ الإصلاح أمر ممكن.

اقتصاد غذائي
بدل الإصلاحات يقدّم هذا الفريق للبنانيين انفتاحاً مشبوهاً نحو الشرق. معالجة سياسية متطرّفة لأزمة اقتصادية، ثمنها باهظ على شكل الدولة وواقعها ووجودها، ولا تجسّد بديلاً اقتصادياً فعلياً. "بطاطا مقابل النفط"، أو مشمش مقابل الطحين، أو موز مقابل الكهرباء. أي اقتصاد للغذاء فقط. للبقاء على قيد الحياة ونقل لبنان ومن فيه إلى ضفّة الشرق. فتمّت اللقاءات الأخيرة بين وزراء لبنانيين وآخرين عراقيين، تم فيها البحث في ضرورة تمتين العلاقة بين البلدين. فكان لقاء بين دياب والوفد العراقي المتمثل بوزراء الزراعة والتربية والطاقة والصناعة. ثم لقاءات مع الوزراء المعنيين في الحكومة.

لقاءات الوفد العراقي
فأعلن وزير الزراعة، عباس مرتضى، بعد اللقاء مع الوفد العراقي في السراي أنه "جرى البحث في مختلف الملفات بما فيها النفط والزراعة". وقال إنّ "العلاقات ليست جديدة مع الدولة العراقية ونعيد تمتينها اليوم ودراستها، وتسهيل الأمور بين البلدين، خصوصاً من الناحية الاقتصادية والأمن الغذائي". أما وزير الطاقة، ريمون غجر، فأكد أنه "نحن بصدد إعداد دفتر شروط من أجل استيراد النفط كما نبحث مع الدول النفطية مثل العراق سبل الاستيراد من خلال تبادل السلع"، مشيراً إلى أنّ "الوفد العراقي تواصل معنا وأظهر نية بالنسبة لتزويدنا بالنفط مقابل المواد الغذائية والصناعات والطبابة اللبنانية ومستمرون بموضوع المناقصة وسنطلع على الشروط".

يمكن اختصار ذلك بالقول إنّ السلطة الحاكمة تسير بنا بسيناريو جديد ومتكرّر من "النفط مقابل الغذاء". مختلف لكن النتيجة واحدة. ففي بلد لا نفط فيه ولا صناعة، لا أسواق ولا تجارة، فقط قليل من الزراعة، تصبح المعادلة "انصياع مقابل النفط" و"انتقال إلى ضفة الشرق مقابل المنتجات الأساسية". أما المشاريع الاستثمارية في الطاقة والسكك الحديد وغيرها فلا وقت لها. الظروف لا تسمح بها، فالكرامة أولاً، والعزّة ثانياً والأكل ثالثاً.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024