كبارة وجمالي يتواجهان.. وكلمة السر عند ميقاتي

جنى الدهيبي

الجمعة 2019/03/01

إشاراتٌ كثيرة توحي أنّ عاصمة الشمال ستكون محطّ أنظار جميع القوى اللبنانيّة، في المرحلة المقبلة. موعد الانتخابات الفرعيّة المفترض، بعد شهرين من إعلان المجلس الدستوري قرار إبطال نيابة ديما جالي، لم يتحدد بعد. إلّا أنّ المعنيين في هذا الاستحقاق، بدأوا التأهب له كأنّه غدًا. وحدها جمالي هي المرشحة رسميًا لخوض هذا الاستحقاق، ما يجعل المشهد الانتخابي المنتظر مبتورًا لعدم اكتماله بمرشحين رسميين آخرين، يحسمون الشكل الذي سترسو عليه معركة  الأحجام، في مدينة "الخزان البشري السّني". الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، و"حرب" البيانات انطلقت داخل تيار المستقبل، المنقسم على نفسه، قبل أن تتوسّع رقعتها.

"ما زابطة"!
وفيما لم يُحسم النقاش ما إذا كانت "المعركة الفرعية" ستكون على مقعدٍ أو مقعدين، مع احتمال تقديم النائب محمد كبارة استقالته، لترشيح نجله كريم بدلًا منه، برز أمس إشكال لافت بين كبارة والمرشحة المطعون بنيابتها. أطلّت جمالي على تلفزيون المستقبل. تحدثت عن مظلوميتها، وأنّها تفاجأت  بقرار المجلس الدستوري الذي طعن بنيابتها، وأنّ "هناك تدخلًا سياسيًا بهذا الملف، والقرار جاء مجحفًا وغير عادل". بالطبع، لم تشرح قصدها بـ "التدخل السياسي"، مثلما لم يجاهر فريقها السياسي علنًا باسم الجهة التي يعتبر أنّها "غدرته" وطعنته بهذا الطعن، الذي قُبل دون سواه. حسمت أنّ رئيس الحكومة الأسبق نجيبب ميقاتي والنائب محمد الصفدي سيقومان بدعمها، لعودتها مجددًا إلى البرلمان، لأنه "يجب أن نضع يدنا بيد بعضنا البعض لمصلحة مدينة طرابلس". ثم حسمت أيضًا، أنّ "القرار اتُخذ بخوض الانتخابات في طرابلس على مقعد واحد، وإن  النائب محمد كبارة عدل عن تقديم استقالته". لكن، سرعان ما ثبت أنّ جمالي التي طغى على وجهها ملامح "القلق"، لم تُوفّق بهذه الإطلالة، التي هدف منها تلفزويون المستقبل الترويج لمرشحة الأزرق. على الفور، أطلق كبارة تصريحًا استغرب فيه ما ذكرته جمالي معلقًا: "صارت ديما بتحكي عني؟!.. الأمور ما زابطة".

هذا الإشكال أو "سوء التفاهم" ليس عرضيًا. ثمّة ما يشي أنّ "المستقبل" يسعى لتعميم أجواء عن عدول كبارة عن فكرة الاستقالة. لكنّ الأخير لا يزال يناور، لحسابات كثيرة، وربما لن يختار عدم الاستقالة من دون مقابل. وحين يقول أنّ بينه و"بين الناس علاقة متجذّرة عمرها 30 عامًا"، وأنه لا يستطيع، بالتالي، أن يستقيل من دون مشورتهم والرجوع إليهم. فهذا يعني، أنّه يسعى لفرض نوعية تفاوض مع التّيار بوصفه زعميًا، وليس تابعًا.

قلق الحريري
كبارة الذي يحتفظ بخياره طيّ الكتمان، وحتّى لو قدّم استقالته إذا اقتضت "المفاوضات" إلى ذلك، يدرك في قرارة نفسه أنّ ثمّة فرصةً ذهبيّة لتوريث مقعده لنجله، وفق القانون الأكثري في الانتخابات الفرعية، قد لا تعوّض في ظروفٍ أخرى. ورغم أن كبارة الأب والابن يحرصان على إظهار العلاقة مع الحريري بأفضل إخراجٍ وصورة، إلّا أنّ الوعود السابقة لأوانها، يبدو أنه لم يعد يُعوّل عليها. ففي انتخابات 2018، كان كبارة موعودًا بترشيح نجله ولم يُرشّح. وفي هذه الحكومة الجديدة، كان موعودًا بتوزيره ولم يُوزّر. كما أنّ التحضير لزيارة أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري لكبارة، من أجل اعطائه وعدًا بترشيح كريم في الدورة المقبلة، قد لا تجدي نفعًا إذا لم تُحسم الامور بصورةٍ واضحةٍ مع الرئيس سعد الحريري  من دون وسيط.

لكن، وفي كلا الحالتين، سواء جرى خوض الانتخابات الفرعيّة بمقعدٍ أو مقعدين، كلّ المؤشرات تصبّ في خانة قلق الحريري على وضع جمالي، الذي جاء ترشيحها على هيئة ردّ فعل سريع، بدأت تظهر انعكاساته السلبية داخل تيار المستقبل، ومع "حلفاء" المعركة المفترضين، في ظلّ صعوبة "التسويق" لجمالي الطارئة سياسيًا وشعبيًا. من جهة، ساهمت الطريقة التي أعاد فيها الحريري ترشيح جمالي تعقيد الأمور، لأنّها جاءت من دون الرجوع إلى القاعدة الشعبية لدى تيّار المستقبل، وشكلت استفزازًا لأقطاب أساسية في المكتب السياسي للتيار، وهو ما قد يتطلب مراجعة لهذا الخيار. ومن جهة أخرى، قد تعجز القوى المتحالفة مع الحريري في معركة طرابلس، عن التسويق لجمالي لدى قواعدها الشعبيّة. فالقاعدة الشعبيّة للرئيس ميقاتي، والتي لا تخالفه بطبيعة الأحوال، لم "تهضم" بعد فكرة إعادة ترشيح جمالي من دون مواجهتها بمرشحٍ يمثلهم، أو باعتكاف ميقاتي عن خوض المعركة دعمًا لها.

المنافسون يتأهبون
في الأمس أيضًا، كان لافتًا تصريح ميقاتي، الذي نفى فيه أن يكون قد حسم قراره بعدم خوض المعركة بمرشحٍ من اختياره، وأنّه "ما زال يدرس الأمور برويةٍ وعناية تامة". لكنّه ذكّر أيضًا، بحرصه الشديد على متانة العلاقة مع الحريري من أجل "وحدة الصف". وإذ جاء نفي ميقاتي امتصاصًا لرفضٍ شعبي على دعم جمالي مجانًا، حتّى لو كانت النتيجة في نهاية المطاف ستفضي إلى تقديم العلاقة مع الحريري على أيّ تفصيلٍ آخر قد يزعزعها، إلّا أنّ هذه الحال أوحت بضرورة إيجاد مخارج أخرى، أكثر متانةً واقناعًا. ولعلّ الفرصة سانحة، في ظلّ الحديث عن محاولات تطويق الحريري، واستهداف شخصيات سنيّة أساسيّة مثل الرئيس فؤاد السنيورة، وهو ما قد يحتم على ميقاتي أن "يُسلّف" الحريري المزيد، وأن لا يفتح راهنًا أيّ جبهةٍ ضده، قد تُفسد ما بدأه معه في مرحلة تكليفه تشكيل الحكومة.

المشكلة الكبيرة التي تتشارك فيها جميع القوى الطامحة للفوز بالمقعد الشاغر، هي مادية تقنية، وفي آلية إعادة تشغيل الماكينات الانتخابية بزخمٍ يبدو مفقودًا. غير أنّ العقبة الأخرى التي تواجه وضع الحريري الحرج وغير المضمون مع جمالي، هو أنّه يترقب ما ستؤول إليه خيارات كلّ من اللواء أشرف ريفي والنائب فيصل كرامي. وفيما يخصّ ريفي، تشير معلومات "المدن" أنّ الرجل يتجه إلى إعلان ترشحه في 14 آذار، ولن يفوّت فرصة استنهاض خطابه وقاعدته الشعبية بإعلان اعتكافه، مع ما يتبع ذلك من حسابات دقيقة على مختلف المستويات. أمّا كرامي العائد اليوم من سفره، فهو لم يحسم خياراته بعد، التي تبدو حساسةً، إذ ينتظر القرار النهائي لمرشح "المشاريع"، صاحب الطعن بنيابة جمالي، طه ناجي. وربما، ينتظر أيضًا قرار حلفائه، في الداخل والخارج، لمواجهة الحريري في عقر داره السّني.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024