التهويل على أوروبا بقوارب اللاجئين.. كالقفز على الألغام

منير الربيع

الجمعة 2018/11/09

هل من يريد في لبنان أن يمارس اللعبة التي كانت تمارسها تركيا في وقت سابق، بملف اللاجئين. أي التهويل على أوروبا بهم وبفتح الحدود أمامهم؟


تدبير متعمد؟ 

في الفترة الأخيرة، ازدادت بنسبة ملحوظة عمليات مغادرة غير شرعية لقوارب، تقلّ لاجئين فلسطينيين وسوريين، من لبنان عبر البحر باتجاه قبرص، ومنها إلى أوروبا. وبعض هذه القوارب حملت لبنانيين أيضاً.

في الكواليس، ثمة من يطرح أسئلة عمّا إذا كان هناك إجراءات متعمّدة غير معلنة، هي التي أذنت لهؤلاء اللاجئين باستقلال القوارب والإبحار باتجاه أوروبا.

 

يحدث هذا وسط تزايد الجدل في لبنان، حول إعادة اللاجئين إلى الداخل السوري. الطرف المصرّ على إعادتهم قبل الحلّ السياسي، يتحدّث عن عدم تعرّض أحد من العائدين لأي سوء معاملة من قبل النظام. بينما الطرف المعارض يؤكد أن النظام عمل على اعتقال العشرات وقتل بعض المطلوبين، وبالتالي لا حماية أو ضمانة لعودة هؤلاء حالياً، قبل توفير الضمانات الرسمية، والوصول إلى حلّ سياسي. ووسط هذا الجدل، الذي ترافق مع المواقف الأخيرة لرئيس الجمهورية حول "تقديم المجتمع الدولي المساعدات للنازحين السوريين بعد عودتهم إلى بلدهم، يشجّعهم أكثر على العودة إليها"... لا يزال الكثير من الأسئلة التي تطرح، حول أسباب بروز ظاهرة المغادرة غير الشرعية عبر البحر.

 

هناك من يعتقد أن ثمة استخداماً للاجئين للتهويل على أوروبا. فبعدما استطاعت تركيا حلّ معضلة تدفق اللاجئين باتجاه أوروبا وفق اتفاقات مجزية، يبدو أن لبنان لديه الكثير من أوراق التهويل على الأوروبيين، كالقوارب التي جرى اعتراض مساراتها في الفترة الأخيرة، والتي تقّل أعداداً من اللاجئين.

 
اليونيفيل

تلك الوقائع من شأنها أن تثير التساؤلات عن مدى هذه الظاهرة وعمقها، وإذا ما كانت جهة نافذة قررت فتح معابر للاجئين إلى أوروبا، على غرار فتح المعابر سابقاً بين لبنان وسوريا. بل تفتح هذه الحوادث الباب أمام سؤال إذا ما كانت الغاية من ذلك هي الضغط على الأوروبيين، الذين بدأوا بتكثيف الدوريات البحرية التي تقوم بها قوات الطوارئ الدولية، لمنع عمليات التهريب هذه. كما يفتح المجال أيضاً أمام تساؤلات عديدة، يفترض أن تبرز في المرحلة المقبلة، والمتعلقة بتوسيع نشاط اليونفيل. وهذا بلا شك سيستعدي قراراً من مجلس الأمن.

 

الأوروبيون هم المتضررون من هذه "التحركات". أما المستفيد المفترض فهو لبنان، عبر الضغط على الاتحاد الأوروبي بغية الوصول إلى حل لعبء اللجوء. وبمعنى محدد، إقناعهم بمطلب إعادة اللاجئين إلى سوريا، بذريعة أن بقاءهم في لبنان يسهم في عدم ضبط عمليات الهروب والهجرة. وبالتالي، الضغط على الأوروبيين للقبول بالخطّة الروسية لإعادة اللاجئين إلى الداخل السوري.

 

إذا ما فُتح نقاش من هذا النوع في الأروقة الدولية، فلا شك أنه سينطوي على توسيع لعمليات اليونيفيل، ليس في البحر فقط، بل في البرّ أيضاً، ومعه ستعود نغمة الضغوط الدولية لأجل توسيع نطاق عمليات قوات اليونيفيل، من الجنوب باتجاه الشرق، أي باتجاه الحدود اللبنانية السورية. وهذه فكرة كانت مطروحة سابقاً، لكنها لاقت إعتراضات من قبل بعض القوى اللبنانية. إذ أن حزب الله هو المتضرر الأول من هذه الإجراءات،ولا يمكن أن يوافق عليها.

 
الحدود وحزب الله

بناء على هذه المعطيات، يصبح موضوع اللاجئين خاضعاً لتوازنات دولية، لن تكون مرتبطة بالحل السياسي وتوفير الظروف الآمنة فقط، بل تتعلّق بترسيم الحدود لبنانياً، ورسم مناطق النفوذ في سوريا، وتحديد المناطق التي سيعود إليها هؤلاء اللاجئون.


لا يمكن فصل ذلك عن كل المساعي والضغوط المستمرة من أجل الوصول إلى ترسيم برّي وبحري للحدود الجنوبية اللبنانية، كما لا يمكن فصلها عن التهديدات الإسرائيلية اليومية، بتوجيه ضربات لبعض المواقع العسكرية، أو لاعتراض عسكري على عمليات نقل الأسلحة لصالح حزب الله عبر سوريا، خصوصاً في ضوء المعلومات التي تفيد بزيادة عمليات نقل الصواريخ النوعية في الشهرين الأخيرين.


مظلة الحماية 

وسط كل هذه الضغوط والتهديدات، هناك من يصرّ على ضرورة حماية الوضع القائم في لبنان، لأن أي اهتزاز أمني أو اقتصادي أو عقوبات مباشرة، لن تكون كلفته حصرية على طرف في الداخل اللبناني بل الكلفة ستكون شاملة، وسيكون حينها لبنان مصدّراً للأزمات. وإذا ما كانت بعض الدول تريد استخدام ملف اللاجئين للضغط على لبنان، والوصول إلى تسويات صعبة، ففي لبنان أيضاً من سيكون قادراً على إستخدام ورقة اللاجئين وعدم ضبط حركة هجرتهم تجاه أوروبا، كعامل ضاغط لتوفير مظلّة حمائية، كان البعض في لبنان يتباهى بها عند بروز أي مخطار خارجية، تحت راية أن المجتمع الدولي حريص على الإستقرار، للإبقاء على اللاجئين فيه، وعدم إغراق الدول الأوروبية بتدفقاتهم. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024