سنّة لبنان: العداوة لحزب الله وإسرائيل وإيران معاً

جنى الدهيبي

الأحد 2019/09/01

منذ أن نفذت إسرائيل اعتداءها على السيادة اللبنانية، بطائرتين مسيّرتين في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، دخل لبنان المراحل الأولى من حربٍ غير تقليدية. رد الفعل الشعبي على هذا الاعتداء، وبعد أن أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بأنّ "قرار الردّ على اسرائيل سيكون في المكان والزمان المناسبين"، يستوجب الوقوف عنده، انطلاقًا من انقساماته ومكوناته الطائفيّة.

الانكسارات وسلاح "المقاومة"
قد يكون "الضياع" هو السّمة الأبرز للحالة السنية اللبنانية، كما حاله في سائر المشرق، بعد الانكسارات والهزائم المتتالية التي تبعت ثورات الرّبيع العربي، وتحديدًا في سوريا. فالمكوّن السّني في لبنان، الأكبر والأكثر ضعفًا في هذه المرحلة، انقلبت نظرته إلى "المقاومة" ممثلة بحزب الله رأسًا على عقب، مقارنةً مع عدوان 2006 وما سبقه من اعتداءات واجتياحات اسرائيلية. ورغم أنّ عدوان 2006 جاء بعد عامٍ على اغتيال الرئيس رفيق الحريري و"ثورة الأرز" في 14 آذار 2005، إلّا أنّ توجيه السلاح إلى الداخل في 7 أيار 2008، والحرب في سوريا مطلع العام 2011، كانت مرحلة "الفصل" في العلاقة بين الشريحة الأوسع من الطائفة السنيّة وحزب الله، الذي دخل للقتال دفاعًا عن نظام خصمها – العدو بشار الأسد. لم يعد حزب الله في نظر هذا المكوّن، مقاومًا يحمل سلاحه للدفاع جنوبًا عن الحدود في وجه العدوان الإسرائيلي وحسب. فهذا السلاح، وُجّه لها وهدد وجودها مرّات، وكان أداةً (إيرانية) في كسر الثورة السورية وقتلها.

يُدرك السّنة أنّ قوّة حزب الله وسطوته، استمدّت من مكاسب و"انتصارات" حققها محليًا وإقليميًا، بقدرٍ يوازي إدراكهم أنّهم طائفة "متروكة" لم يعد لها رأسٌ ولا مشروع لا في داخل ولا في الخارج. وقد تكون أبرز نقاط ضعف الطائفة السنيّة في لبنان، يكمن في تراكم عجزها عن خلق نوع من التوازن في التعامل مع حزب يملك مقدرات أمنيّة وعسكريّة، بينما بنيتها تأُسست ما بعد الحرب واتفاق الطائف على نحو مدني لإدارة شؤون الدولة وملفاتها الحياتية داخليًا. لكن، في ظلّ ظرفٍ أمني حساسٍ يضع البلد رهن عدوان إسرائيلي، كيف يمكن أن يتعاطى السّنة مع حزب الله؟

لم يهدأ النقاش في الشارع السّني بعد أن خرقت الطائرتين الإسرائيلتين سماء الضاحية. شمالًا، حيث الثقل السّني في عاصمته طرابلس، عادت الذاكرة إلى عدوان تموز، حين شرّعت المدينة أبوابها وبيوتها ومدارسها ومستشفياتها لأهالي الضاحية والجنوب النازحين هربًا من القصف الإسرائيلي، وحين رُفعت رايات المقاومة في شوارعها، وحين هبّ كثيرٌ من شبابها لمساندة هئية دعم المقاومة وجمع التبرعات. كان هذا الفِعل البديهي والإنساني والوطني، نابعًا بالدرجة الأولى من العداء لإسرائيل، وإيمانًا بحقّ لبنان في المقاومة. مرّ 13 عامًا. العداء لإسرائيل بقي راسخًا وثابتًا رغم محاولات "التخوين" والتشكيك الوطني، أمّا حزب الله / المقاوم، فلم يعد الموقف منه هو نفسه. وثبات الأول، لا يُعادله بالضرورة تسليمًا سنيًا لحزب الله.

في الأوساط السنيّة، شعبيًا ورسميًا، الكلّ خائفٌ من الحرب، كحال جميع اللبنانيين، حتّى بيئة "المقاومة"، وإن حاولت أن تظهر خلاف ذلك. "الغضب" السّني الفعلي، يصبّ على قياداتها الحاكمة، التي باتت في الواقع تفقد شرعية تمثيلها الحقيقي. القيادة السنيّة الحاكمة في السلطة في مكان، وشارعها في مكانٍ آخر. وبينما يدور النقاش حول احتمال وقوع الحرب من عدمه، كان الاستغراب "السّني" من التعاطي الرسمي بمنطق تسليم قرار السلم والحرب لحزب الله، ومن رئيس الحكومة سعد الحريري بتصريحاته وانشغاله بالتفاصيل الداخليّة، وهو "رأس" الدولة التنفيذية، فلم يرسم حدودًا فاصلة بين الدولة وحزب الله، ولم يتمايز ولو بموقفٍ دبلوماسي رسمي يحفظ ماء وجه الدولة.

علوش: الدولة عاجزة
يرفض عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش، الغمز من قناة الرئيس الحريري، ويقول: "لا شيء تستطيع الدولة اللبنانية أن تفعله في هذا الشأن". حين تكون اسرائيل صاحبة الاعتداء، "لا يمكن لأحد أن يعتبر نفسه غير معني، أو مؤيد لأيّ عمل عدواني من قبلها". لكن في المقابل، وفق علوش، لا يتعاطف الجميع مع حزب الله أو يلتزم تجاهه، "لا سيما أنّ الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، بمن فيهم السّنة، يعتبرون أنّ هناك عدويّن لها: من جهة إيران ومن جهة إسرائيل".

ويعتبر علوش أنّ الدولة اللبنانية في ظلّ وجود خلافٍ كبيرٍ بين مكوناتها، وبوجود سلاح حزب الله والدعم الإيراني له، أصبحت مشلولة وعاجزة في خيارتها العسكرية والسيادية، وهي بمثابة "المختطفة" والمهددة إمّا بالحرب أو بالانقسام العميق بين مكوناتها. أمّا الرئيس سعد الحريري، فـ "لا يمكن أن نعتبره مسلمًا لحزب الله، وإنّما يتعاطى وفق المعطيات الواقعية، ويريد أن يتجنّب الجدل العقيم الذي لا يُوصّل إلى نتيجة، ويفضل الانصراف إلى شؤون الناس الاقتصادية وإدارة الدولة".

لا يعتقد علوش حتّى الآن، أنّ ثمّة مؤشرات حرب واضحة: "المؤشرات لا تحسم حتمية الحرب، وما كان موجود في الـ 2006، غير متوفر حاليًا". من جهة، "طريق حزب الله تجاه إيران ليست مفتوحة كما الحال في الـ 2006. إيران تعاني من وضع اقتصادي وأمني وعسكري يختلف عن 2006. حتى اسرائيل غير مستعجلة للحرب، وهي تقوم باصطياد جماعة حزب الله والحشد الشعبي أينما كان في سوريا ولبنان والعراق، وهي لا تركض خلف حرب مفتوحة، إلا إذا حصل شيء لدى "الوسيط" في الصراع الاقليمي القائم، وسير المفاوضات بين أميركا وإيران".

لكن الأكيد، حسب علوش، "أن العقوبات على إيران، بالاضافة إلى الصفعات المعنوية التي تمارسها إسرائيل ضدها، من خلال الغارات على سوريا، ومن خلال لبنان والغارات على الحشد الشعبي، بالنسبة لإسرائيل أحد أشكال ممارسة الحرب من دون أن تكون مفتوحة في هذه اللحظة". والمعادلة القائمة، "تجعل من السنة الحلقة الأضعف، من اليمن وصولًا إلى لبنان، وهم لا حول لهم ولا قوّة".

الشريف: الإشكالية ليست في الشارع السّني
وفي سياقٍ متصل، يعتبر مستشار رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي الدكتور خلدون الشريف، أنّ الإشكالية ليست في الشارع السّني وإنما في الشارع اللبناني ككل. فـ"ما فعلته اسرائيل، هو اعتداء على سيادة لبنان، ومن واجب الحكومة والجيش وكلّ الدولة بمكوناتها، أن تقف صفًّا واحدًا في وجه هذا العدوان، لأن تاريخه منذ السبعينات حتى الـ 2006 ، لا يتوقف إذا لم يُرد". ويسأل: "من هو الطرف الذي يردع اسرائيل؟ كنا نتمنى أن يكون الجيش اللبناني، هو الطرف الذي يستطيع أن يردعها، ولكن، إذا لم تتوفر الطاقة والجهوزية لدى الجيش، فهذا لا يعني أننا يجب أن نقف مع "المُعتدي" ضد المعتدى عليه، وهو موقف وطني وإنساني طبيعي ينطبق على أي حالة حرب في أيّ بلد كان".

يشير الشريف لـ"المدن" أنّ لبنان بالمطلق لا يستطيع تحمل تبعات حرب. و"اللبنانيون جميعًا، بما فيهم السنة، لا يرغبون بحرب مع اسرائيل، وهي نفسها لا ترغب بذلك، وإن دخل الطرفان مرحلة الحرب الذكية". يضيف: "الأولوية حاليًا هي بترقب ردّ حزب الله، وحتّى الآن، لا نعرف طبيعة ردّه وما سيترتب عليه، ولا نستطيع قياس عاطفة الشارع الحقيقية، إلّا بلحظة وقوع الحدث".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024