زمن الثنائيّات

أيمن شروف

الثلاثاء 2015/01/13

 

ثنائيتان تحكمان البلد الآن. لا شيء يُمكن توقعه أكثر من استمرار الحال المتردي. بل لا شيء يُمكن الرهان عليه، أكثر من استمرار ما تبقى من أوكسجين يُسمح به لعامة من شعب مُنقسم أكثر من سياسييه وزعمائه وأحزابه وما إلى هنالك من تنظيمات تحتكر ما استطاعت من هذه العامّة أو ما يُبقي العامّة رهينة لمصالحها.

 

يجلس في الثنائية الأولى، تيّار المستقبل مع حزب الله. بطبيعة الحال، القوى الإسلامية غير متكافئة على الساحة اللبنانية. هناك طرف يهيمن على كل شيء، والآخر يحاول التقليل من أضرار الهيمنة وما استجلبته. ينجح أحياناً، لكنّه في طريقه إلى هذا النجاح وتلافي الأسوأ، يُقدم للطرف القوي ما يُريده. من رومية إلى كل الملفات الخلافية، يقول تيار المستقبل إن الإرهاب لا يمتّ إليه، فيصفّق له حزب الله دون أن يرد ولو بالحد الأدنى. يحسب أنه يكسب تهدئة مرحلية، ولا حاجة أن يقوم بتنازلات كبيرة.

 

الأمثلة على هذا الاختلاف كثيرة. تُحصر؟ لا تُحصر. يقوم المستقبل مثلاً بقرار هدم امبراطورية الإسلاميين في سجن رومية. في المقابل، حزب الله، ليس مُستعداً أن يقوم برفع غطاء صغير عن أصغر خارج عن القانون في مناطقه، فكيف الحال إذا صار الحديث عن سرايا المقاومة!؟ الصبي لديه أمّه. حزب الله لا يسأل عن كل العائلة، وما له في هذا، فلا مشروعه ولا معتقداته يجعلانه يهتمّ إلا من باب بقائه، ليس إلّا.

 

في هذه الثنائية، وبالرغم من كل الاختلاف والمنطلقات المختلفة لكل من الحزب والمستقبل. لا مكان لمسلمين مختلفين. لا مكان لإختلاف على جانبي الثنائية. الهواء ممنوع. هذا يأخذ في السلطة وذلك يأكل الأرض، الباقي تفصيل. كلاهما لا يراه، ولن يفعل. ذلك المُختلف فليذهب إلى الجحيم. ذلك، وإن حمل قضية وطنية، وإن فعل كذا، وقام بكذا، لا مكان له. فليكتفي بقليل من هواء يُبقيه على قيد الحياة.

 

تأتي الثنائية الثانية، الجديدة والغريبة. رئيس القوّات سمير جعجع يستعد لحوار مع رئيس التيار العوني ميشال عون. أيضاً فوارق كبيرة بين الإثنين. لكن، الحوار قائم وسيتطوّر. رئاسة جمهورية، تقاسم شارع، مناصب، حصص، وغيره. كل هذا سيحضر على الطاولة بطبيعة الحال، فهناك على المقلب الإسلامي الآخر من يتحاور، ولا يُمكن أن يبقى المسيحيّ متفرجاً. التحرّك قبل فوات الأوان يُصبح واجباً.

 

هنا، قد تؤجل القضايا الكبرى. لم لا؟ "أم الصبي" أجّلها أو أكثر. بقي جعجع الوحيد المُحافظ على ما تبقى من طموح قليل لدولة قليلة. سيجلس مع عون الذي لم يكن يوماً معنياً بأي شيء من هذا القبيل. طموحاته الشخصية أولوية، العائلية أيضاً. التغيير ثبّته في كل مكان أتى إليه. كان أداؤه أسوأ من أسلافه السيئين والمختلسين والمهدرين لمقدرات الدولة كما كانت تصفهم دعاية تيّاره.  

 

على هامش هذه الثنائية، لا مكان لكُثر. بالضبط كتلك الإسلامية. المسيحي المُختلف، سيجلس جانباً، يُشاهد الحريصين على الطائفة وهم يُقرّرون الأفضل له. رأيه؟ لا يُغيّر كثيراً. زمن العزل يكبر، والزمن زمن سُرعة استدراك. القوى المسيحية الأخرى المُنظمة عليها أن تقلق أيضاً. مسيحيو 14 آذار لهم أن يفكروا جدياً بما تبقى لهم، فإما أن يرموا الراية، أو أن يعاندوا، من دون أن يتوقعوا بقاء. لهم أن ينكفئوا. لا هنا، لدى المسيحي يمرّوا، ولا هناك مع المسلم يفعلون. الأمور صارت واقعية وصادقة. شعارات الوطن ذهبت ولن تعود، إلّا أن أرادوا أن يبيعوا أنفسهم الأمل غير الموجود.

 

مع عودة الثنائيات، مهما كانت مبرراتها، ليس في الأفق ما يدعو إلى قليل من تفاؤل. الدور لهم، والفعل لهم، والحكم لهم. على هامشهم هناك من يحمل إطفائية، وتُحفظ له حصته. في الأسفل، هناك مشاريع ملل. هناك أيضاً، لحظة يقضة، فلا رهان على بلد، إلّا لمن لم يقرأ كل التجارب التي مضت. هناك أيضاً من قرأها ولا يزال يُراهن.. وهذه مصيبته وحده.

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024