سوريا خاصرة لبنان الرخوة

إيلي القصيفي

الأربعاء 2016/05/25

غطّت الانتخابات البلدية، التي جرت بنجاح وفي أجواء آمنة في جولاتها الثلاث الأولى بانتظار استكمال جولتها الرابعة الأحد المقبل في شمال لبنان، على التحدي الأساسي الذي يواجهه لبنان منذ بدء الثورة السورية التي تحوّلت أو حُوّلت إلى حرب يتداخل فيها الأهلي بالإقليمي بالدولي. هذا التحدي يتمثّل منذ بداية الانهيار السوري بمدى قدرة الدولة والمجتمع اللبنانيين على فك التداخل اللبناني في الحرب السورية، أو بمعنى آخر بمدى قدرتهما على الحد من تداعيات الوضع السوري المتهالك والمحتضر على الوضع اللبناني الهش.

الانتخابات البلدية ولدّت ظناً لدى اللبنانيين بأنّ بلدهم مستقر بما فيه الكفاية لينصرف إلى شؤونه السياسية والدستورية. فما كاد اليوم الإقتراعي الأول ينقضي حتى سارع كثيرون إلى التأكيد أن إجراء الاستحقاق البلدي أسقط الذريعة الأمنية التي بررت التمديد لمجلس النواب مرتين على التوالي. والحقيقة أنّ هذا كان رأي غالبية اللبنانيين وهو رأي ايجابي في آخر الأمر لأنه يؤكد رغبة اللبنانيين واستعدادهم لعيش حياة طبيعية، لكّنه رأي متفائل فوق اللزوم، إذ لا يمكن التفاؤل في تحسن أوضاع لبنان طالما الحرب السورية مستمرة. فإجراء الانتخابات البلدية غير كاف لتأكيد أنّ لبنان صار بمنأى عن تداعيات المعركة السورية المفتوحة. أي بمعنى آخر هذه الانتخابات لا يمكنها أنّ تؤكد "حياد لبنان"، مهما كانت أجواؤها سليمة و"ديموقراطية". فالمدخل الأساسي لفهم الوضع اللبناني راهناً هو ربطه بالكارثة السورية. سوريا بهذا المعنى أصبحت خاصرة لبنان الرخوة، وبالتالي لا يمكن أن نشهد أي استقرار سياسي أو أمني في لبنان ما دامت "المطحنة" في سوريا متواصلة، على ما وصف السيد حسن نصرالله الحرب هناك.

جريمة قتل الشاب محمد الحجيري في البقاع الثلاثاء تؤكد، بوصفها إحدى تداعيات "حرب عرسال" في آب 2014، أننا لا نزال في معمعة التداخل اللبناني في الوضع السوري، وفق التعبير الشهير للرئيس نبيه بري. فهذه الجريمة، كما انقسام اللبنانيين بين استنكارها وتبريرها، من إفرازات أو امتدادات الوضع السوري إلى لبنان، ولا يمكن وضعهما في سياق محلي بحت. لذلك يمكن القول إنّ هذه الجريمة أعادت تذكيرنا بأن لبنان ضحية مباشرة للكارثة السورية، سواء بسقوط المئات من شبابه في هذه "المطحنة" التي يصّر "حزب الله" على المشاركة فيها "حتى النصر"، أو باستقباله نحو مليون ونصف المليون نازح سوري مع ما يرتبّه ذلك عليه من أعباء انسانية واقتصادية واجتماعية وحتى أمنية، أو بمواجهته المفتوحة لتحدي منع وقوع الفتنة السنية- الشيعية على أراضيه في وقت تشهد سوريا كما العراق كل يوم فصولاً من هذه الفتنة المجنونة.

قد يتمكن البقاع ولبنان عموماً من تجاوز جريمة قتل الشاب محمد الحجيري، وهذا مرتبط بوعي القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة في البقاع لخطورة الوضع هناك (علماً بأننا لم نشهد طيلة يوم الثلاثاء ما يفيد بوعي كهذا لدى جميع المعنيين بالوضع البقاعي)، كما بقدرة الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية على تطويق ذيول هذه الجريمة. لكن في الوقت نفسه قد تكون هذه الجريمة مقدمة لعودة التوتر الى البقاع وخصوصاً إلى عرسال ومحيطها، خصوصاً أنّ المنطقة على تماس مباشر مع الحرب السورية، وهي حالياً امتدادٌ جغرافي وإنساني وأمني لهذه الحرب. فالتداخل اللبناني في الوضع السوري لم يعد مرتبطاً فحسب بقتال "حزب الله" المستمر في المعركة السورية، فلبنان بات جزءاً من هذه المعركة بالرغم من كل شعارات "النأي بالنفس" و"الحياد الإيجابي" التي رفعها اللبنانيون وما يزالون منذ بداية المأساة السورية، حتى أنّ انسحاب "حزب الله" من سوريا لم يعد كافياً لوحده اليوم لعزل لبنان عن المعركة السورية، وإن كان يخفف، ربما، من أضرارها عليه. ففصل لبنان عن المعركة السورية لم يعد مسألة حدودية أو جغرافية، إذ أنّ "مفهوم" هذه المعركة بوصفها عنواناً متقدماً للعنف المذهبي في المنطقة ألغى الحدود ولم يعد يعرّف الجغرافيا تعريفاً سياسياً بل مذهبياً وطائفياً، وهذا ما يفسّر كل أعمال التهجير المنهجي في سوريا، وكل هذا التوتر في البقاع اللبناني منذ بدء "المطحنة" السورية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024