فضيحة الضمان تدق أبواب فضائح جديدة

خضر حسان

الثلاثاء 2017/01/17
نسف رئيس اللجنة الفنية في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي سمير عون، قضية إختلاس نحو 6 مليارات ليرة من الصندوق. ودفع بالقضية التي أثيرت منذ نحو شهرين، إلى مكان أبعد من وجود إختلاس او كشف المسؤولين عنه.

عون الذي أثيرت حوله شبهات التورط في الملف، كان منذ إنكشاف القضية، يُستدعى إلى القضاء للاستماع إلى إفادته بوصفه "مُستمَعاً له"، كما تقول مصادر قضائية ذات صلة بالملف في حديث لـ"المدن". وذلك في إشارة إلى عدم اتهامه رسمياً بالضلوع في القضية، وإنما وجوده فيها لا يتعدى شخصاً يساعد القضاء بما يملكه من معلومات.

عملية نسف القضية جاءت عبر بيان أصدره عون، الثلاثاء 17 كانون الثاني، رداً على خبر يفيد بأن "قاضي التحقيق الأول في بيروت (غسان عويدات) تابع تحقيقاته اليوم في ملف إختلاس أموال عامة من صندوق الضمان واستمع إلى إفادات 4 شهود ولم يحضر المدعى عليه سمير عون، وتبيّن أنه غير مبلّغ وسيتم إبلاغه بموعد جديد". ويقول عون في بيانه إن من يقف وراء تشويه صورته، هو "الغرفة السوداء التي تدير التلفيقات والإفتراءات وتوزعها على وسائل الإعلام". وهذه الغرفة أشاعت ان هناك "اختلاسات للمال العام في الضمان". لكن ما أشيع، وفق عون، "ليس في الحقيقة سوى فضيحة في مكان رسمي آخر، حيث جرى توليفها وتوقيتها تزامناً مع إنطلاقة العهد الجديد لغايات سياسية ومافيوية لتمكين مختلس أموال الشركات وشركائه من النافذين للنفاذ بالأموال المختلسة وتحميلها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بذريعة جرائم تنسب لموظفي الضمان".

تحويل الأنظار من فضيحة الضمان إلى "مكان رسمي آخر" يؤشر إلى وجود "فضيحة" أخرى كان الأجدى الكشف عنها بدل التلويح بها اليوم مع سلوك الملف منحاه التصاعدي. وهذا ما يطرح علامات إستفهام حول توقيت الحديث عن فضيحة جديدة، إلا إذا كانت هذه الفضيحة معدّة مسبقاً لتكون ورقة ضغط تُستعمل بحسب خط سير فضيحة الضمان، وحان موعد الكشف عنها الآن. إذ كان سياق قضية الضمان يسلك مسار التهدئة عبر تدخل مرجعيات حزبية منذ إنكشاف القضية داخل الضمان، وقبل الإعلان عنها عبر الإعلام. لكن مطبات كثيرة أحدثت ضجة في سماء التهدئة.

تأكيد عون وجود فضيحة في مكان آخر، أوجب الكشف عن أن "جميع المرجعيات المسؤولة في لبنان تحققت وتبلّغت أنه لم يختلس قرشاً واحاً من أموال الضمان الاجتماعي سنداً لقيود الضمان التي تفيد بذلك". ما يعني أن التحقيق في قضية الإختلاس هو تحقيق في المجهول، وهو تضليل للقضاء والرأي العام. والقضية الصحيحة في ما يخص الضمان، وفق المعطيات الجديدة، هي "التزوير"، بحسب ما تقوله مصادر مطلعة على الملف في حديث لـ"المدن".

عليه، يستند نفي الإختلاس إلى أن ليس هناك أموالاً مفقودة من صندوق الضمان، وإنما هناك أموال سجلت على أنها دُفِعت لشركات، في حين أنَّ براءات الذمة الصادرة عن الضمان، جاءت بإسم شركات أخرى. ما يؤكد أن المتورطين لم يحصلوا على أموال من صندوق الضمان مباشرة، وإنما تلاعبوا بمستحقات لم تدخل الصندوق. وهذا ما يثبت أن المتورطين حرموا مؤسسة عامة من أموالها.

بين التزوير والإختلاس، لعبٌ على الكلام يُستفاد منه قانونياً، لكن الحكم القضائي المستقبلي، والمستند الى قانون حرفي، لا يعني التملص من تهمة التعدي على المال العام ومن تهمة الفساد الإداري داخل مؤسسة رسمية، وهذه التهمة، وإن لم يُدن بها أحد لاحقاً، إلا أنها تبقى نقطة سوداء صبغتها الدولة نفسها على مؤسساتها وبعض موظفيها، نتيجة تقاسم مقدرات الدولة بين القوى السياسية الحاكمة.

ما أفضى به سمير عون يخلط أوراق قضية الضمان، تزويراً كانت أم إختلاساً، ويشعب الملف ويربطه بملفات أخرى تتعلق بالفساد في مؤسسات أخرى، "لا يُستبعد منها كازينو لبنان"، وفق مصادر "المدن". إذ كان من المفترض بـ"قوى سياسية نافذة في الضمان" أن تعمل جدياً من أجل "إقفال الملف. وبالتالي عدم زج إسم عون في الموضوع". لكن عدم حصول ذلك، "دفع إلى التلويح بملف فساد آخر يطال تلك القوى التي لها حضورها في الكازينو".

بموجب المعطيات الجديدة، بات على القضاء التحرك على نطاق أوسع، بدءاً من إعادة التحقيق بملف الضمان في ضوء ما كشفه عون، وصولاً إلى معرفة ذلك المكان الرسمي الآخر، وكشف الفساد المتعلق به. وهذا التطور يضع القضاء أمام إمتحان جديد لا يقف عند أسماء فحسب، وإنما عند قضايا مخفية ومتروكة كأوراق ضغط تُستعمل هنا وهناك.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024