"العهد" الحجري والصفقة القاتلة للخروج من الأزمة

نادر فوز

الأحد 2021/04/04
آخر أيام عهده الرئاسي، في عام 2014، عُيِّر الرئيس ميشال سليمان بأنه "الرئيس الخشبي". شنّ حزب الله عليه حملة سياسية. قاطع القصر وحلفاؤه، الذين وظّفوا خطوة الحزب لتحصيل المكاسب وتطوير مشاريع رئاسية دفع اللبنانيون ثمنها في وقت لاحق. تلك الحملة، سبقها الاحتكام إلى الشارع والعراضات الأمنية والاجتياحات المسلّحة، في مسار طويل من التعطيل المستمرّ إلى اليوم. لم يُترك نعت إلا وقيل للرئيس سليمان، الذي كان ثمرة إجماع سياسي فرضه حزب الله بقوة 7 أيار في اتفاق الدوحة 2008. كل ما قاله سليمان وقتها أنّ معادلة "جيش وشعب ومقاومة" خشبية، فبات خشبياً!

العهد الخشبي
في تلك الفترة، كان لا يزال تكاذب المنظومة مستمراً في الممطالة بالسير باتجاه الأزمة المالية والاقتصادية. كان سعر صرف الدولار ثابتاً، وكذلك مبدأ الاقتراض. كانت وعود الحصول على الكهرباء 24 على 24 تتوالى. كان مشروع التغطية الصحية الشاملة ورقة خدماتية وسياسية متاحة. كانت أحلام تشييد المترو تصدر في كتيّبات قصص مصوّرة بطلها وزير معطّل. كان الطموح بأن تعود "الليرة" لتحكي، وهي إن حكت يومها لكان انهيارنا اليوم أصعب. العهد، الذي طَلَتْه منظومة الحكم والانقلابات بالأمل، تحوّل إلى خشبي، ليبدأ بعدها برنامج الانهيار.

مقارنة غير ضرورية
ليس من داعي للمقارنة بين واقع اللبنانيين في فترة "العهد الخشبي" والعهد الحالي. قد يكون كل شيء اختلف، انقلب. والأصح انفضح. انهيار الليرة. نفاد الاحتياطي من الخزينة. انقطاع الدعم على المواد الأساسية. كهرباء معطّلة. سرقة أموال المودعين في المصارف. انحلال مؤسسات الدولة. سقوط البنية الصحية. قتال على تنكة زيت. انقطاع أدوية من الصيدليات. تهريب مفتوح عند الحدود البرية. سطو خارجي على حدود بحرية نفطية. موت في هجرة غير شرعية عبر البحر. عناصر أمنية رسمية بقبضة مسلّحي ميليشيا. تفجير عاصمة وهدم أحياء منها بالكامل. اغتيال سياسي متجدّد...

أدوات الوهم
وفي خضّم هذا المشهد المخزي، صراع داخلي بين مكوّنات السلطة على حصة وزارية وثلث معطّل وحكومة إن شُكّلت ستدير أيام العهد الأخيرة وفترة الفراغ الذي ستلحق به. الأزمة تشتدّ وتتطوّر وفرغت جعبة المنظومة من أدوات المقايضة الوهمية. "لبنان الرسالة والتعايش والتنوّع" لم يعد يعني أحداً، لا شرقاً ولا غرباً. طبيعته وثلجه وبحره، وهمٌ تبدّد أيضاً كالجسر الرابط بين الشرق والغرب. تمايز النظام المصرفي الحرّ سقط. كل إرث العقود الماضية ضاع. حتى أدوات بيع الوهم والمقايضة به، انفضحت وباتت بدورها وهمية.

أربع أدوات.. صفقات
للخروج من الأزمة العميقة الحالية وتبعاتها، بين أيدي اللبنانيين أربع أدوات لصياغة أربع صفقات أحلاها مرّ. صفقة تسليم سلاح حزب الله الذي لا يترك مناسبة إلا ويهدّد فيه اللبنانيين، يقابلها تعديل في التركيبة الحاكمة والنظام. ثانياً، صفقة توطين اللاجئين الفلسطينيين، بما يعني ذلك من خواف ديموغرافي وانتفاء حق العودة. ثالثاً، صفقة توطين اللاجئين السوريين، التي تشكّل الرعب الديموغرافي الحقيقي وتحوّر العلاقة بنظام الأسد. رابعاً، صفقة النفط والغاز البحريين عند السواحل اللبنانية، التي يمكن بيعهما كيفما كان للمحافظة على استقرار المنظومة الحاكمة والإطالة بعمرها.

قد تبدو هذه الصفقات، قريبة أو بعيدة، إلا أنه لا حلّ إلا من خلال إحداها. قد تكون مميتة وتهدم هيكل النظام اللبناني، إلا أنّه يترتّب على اللبنانيين دفع الثمن الباهظ، وربما تباعاً. دون إحداها، تعميق للأزمة واستكمال لنهش الضباع في أجساد الناس ودولتهم ووجودهم.

قبل أعوام، كان عهد خشبي سبق العهد الحجري الحالي. والأظرف أنّ عدواً إسرائيلياً يهدّدنا بالعودة إلى العصر الحجري. والأظرف أكثر أنّ العهد الحالي يبشّرنا برحلة إضافية إلى قاع أعمق في جهنّم. فسيرة البشر، يعيشها اللبنانيون بشكل معاكس. كأنهم "بنجامن بتن" الذي ولد عجوزاً وراح يصير طفلاً. كأنهم رجل فضاء تحوّل بعد عقود إلى إنسان أول، ثم إلى آدم ينتظر اختبار تفاحة ليعود إلى الجنة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024