قمصان سود ضد شخص واحد.. هزلت

يوسف بزي

الخميس 2021/10/14

مفهوم جداً أن يخصص حسن نصرالله فقرات مطوّلة من خطاباته التلفزيونية لذمّ وهجاء خصوم من طراز رئيس وزراء إسرائيل أو رئيس الولايات المتحدة أو حتى حكومات بأكملها ودول برمتها. يمكنه أن يهاجم قارة تامة كأوروبا مثلاً. ويمكنه أن يتعرض لزعيم محلي أو لقسم من الشعب اللبناني، أو أن يواجه ثورات شعوب عربية دفعة واحدة.

يمكنه أيضاً أن يحرك جموعاً وجحافل راجلة أو آلية لاحتلال ساحات وشوارع ساعة يشاء، لقلب موازين سياسية أو ردعاً لأي اعتراض. يمكنه أن يحشد جيشاً ويرسله إلى بيروت أو الجبل أو إلى خارج الحدود.. وأحيانا قد يكتفي بعراضات مفتولة العضلات، ليفرض تخويفاً كافياً يردع مناوئين أو يسقط حكومات أو يمنع انتخابات أو يغلق برلماناً. يمكنه الاكتفاء برفع صوته أو إصبعه فتنفّذ مشيئته بما يخص مصير بلد أو دستور أو اقتصاد..

كل ذلك مفهوم ومعتاد. ونحن سلمنا له بانتصاراته وتفوقه وفائض قوته وصلابة عزيمته، كما أسلمنا لـ"شعبه" وأتباعه بسلاحهم وعصبيتهم وبأسهم. بل لا أحد منا –بديهياً- ينكر عليهم أن يهتفوا وإلى الأبد "شيعة شيعة" بوجهنا وبوجه العالم. لا اعتراض.

لكن، ما ليس مفهوماً هو اضطرار حسن نصرالله، بكل جبروته وعنفوانه وعلوه وقوة شكيمته، أن يضع نفسه وحزبه وطائفته وجيشه ومستودعات صواريخه ورصيده السياسي وسلطته الهائلة ونوابه ووزرائه وشيوخه.. بمواجهة قاضٍ أعزل ومفرد لا سند سياسياً له ولا حزب ولا عشيرة ولا طائفة ولا جهاز أمنياً يحميه ويدعمه. مواجهة لا حد أدنى فيها للتكافؤ. 

ومدهش كيف اضطر نصرالله إلى أن ينظم مسيرات "قمصان سود" مجدداً من أجل شخص واحد! ففي المرة الأولى عام 2011، كان هناك نواب وأحزاب وزعماء وطوائف بقضها وقضيضها متحالفة وطامحة لمشاكسته. لكن اليوم، هناك فقط قاضٍ لا يحمل بالتأكيد سكيناً. حتى ديتليف ميليس لم يجبره على هكذا أمر. فأقصى ما فعله جمهوره مع لجنة التحقيق الدولية التي ترأسها دانيال بالمار عام 2010، هو قيام مجموعة من النساء باقتحام عيادة طبية وانتشال حقيبة من يد أحد المحققين.

مثال آخر يمكن استيعابه، حين أطلّ مرات عدة غاضباً ساخطاً من جموع مئات آلاف اللبنانيين الذين أزعجوه وأحرجوه عام 2019، ثم حين سمح لآلاف مناصريه أن ينزلوا للشغب والعنف والتهديد بالحرب الأهلية والانقضاض على الشبان وخصوصاً الشابات والنساء. فتلك كانت لحظة مصيرية خطيرة، ولربما شعر بهول "مؤامرة" تحاك ضده على مثال تظاهرات 14 آذار 2005. لكن لما كل هذا ضد محقق عدلي اسمه طارق البيطار؟ خصوصاً وأننا في هذه المرحلة نعترف ونقر أن حزب الله له فائق السلطة داخل الدولة وخارجها. ولا توجد أي معارضة سياسية فعلية ضده، والحكومة رهن أوامره، والأغلبية بمجلس النواب تدين له بالولاء، والأجهزة الأمنية بأفضل حال من التنسيق مع ضباطه ومعاونيه.. والشعب بأسره شبه مستسلم ولا يحتجّ. ولا مبالغة في كل التقارير الديبلوماسية التي تقول أن حزب الله يحكم قبضته على لبنان، دولة وحدوداً وإدارة وسياسة وأمناً وقراراً، وحتى الاقتصاد قريباً. فكيف يمكن للبيطار أو لأمثاله أن يدفع حسن نصرالله لتخصيص خطبة شديدة التوتر والعصبية ضده. ومن ثم أن يجبره على تعبئة مئات الدراجات النارية وعشرات الباصات بحماية ومواكبة مسلحة لتنفيذ عراضة في شوارع بيروت طلباً لإسقاطه؟

الأسوأ من ذلك، أن نصرالله بكامل سلطته اضطر إلى تجييش طائفته وتعبئتها وإشعارها بخطر وجودي بسبب محقق عدلي؟! معادلة غريبة ومدهشة وغير مسبوقة. وكأنها هكذا تبدد على نحو سوريالي كل فائق قوته وسلطته تبديداً مريعاً وعبثياً.

أن يصل الأمر إلى حد فرض معادلة إما إسقاط طارق البيطار أو الحرب الأهلية، لهو ضعف غير معقول. مشهد يماثل مصارعة فيل لذبابة، أو بالأحرى هو مشهد فيل في دكان خزف ويصارع ذبابة.

بهذه الحال، لا القوة ولا الحجم لهما نفع.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024