أفول "التيار العوني" وولادة "التيار الباسيلي": بعبدا قصر الأحلام

المدن - لبنان

الأحد 2019/08/11

يوم عاد "الجنرال" إلى بيروت من منفاه الباريسي، في السابع من أيار من العام 2005، بعد غياب خمسة عشر عاماً، كان العونيون يسألون في مجالسهم الخاصة عن المكان الذي سيسكن فيه قائدهم، وعن الخطوات الأولى التي سيقوم بها والتحالفات السياسية الجديدة التي سينشئها، خصوصاً وأن الجيش السوري انسحب من البلد، ما يسمح بممارسة سياسية حرة لطالما طرقت أبواب أحلامهم. وكان الجواب الأول الذي لم يعرفه إلا المقربون جداً من الجنرال: "أن صهره قد رتب كل الأمور". في تلك الفترة، لم يكن كل العونيين يعرفون الصهر، ولا حتى اسمه. وكانوا يقولون إنه "صهر الجنرال"، لأن للجنرال صهرين آخرين، لكنهم سمعوا أنه من البترون. وقد يسكن الجنرال عنده في الفترة الأولى. 

صعود النجم
مع وصول "الجنرال" إلى الرابية، التي تحولت إلى "العاصمة السياسية للتيار الوطني الحر"، بدأ صهر الجنرال، جبران باسيل، بترتيب الأمور بشكل أوحى للجميع أن الجنرال والصهر في حال من التنسيق الكامل، وأن جبران باسيل هو "الولد الذي عوض الله به على الجنرال"، فصار الابن والمستشار وباب السر، لكنه في كل الأحوال بقي "الصهر المدلل".

منذ اللحظات الأولى أثبت باسيل أنه "ذكي" ومحنك وبارع في إدارة اللعبة السياسية، رغم أنه لا ينتمي إلى بيت سياسي. يختار مساعديه بدقة، ويدرس ملفاته باتقان، ويضرب ضربته في توقيته لا حسب توقيت الآخرين، حتى ولو كانوا ممن شاركوه العمل و"ساحات النضال". وهذا تحديداً ما تسبب في تجمع أكبر عدد من الأعداء له داخل التيار نفسه.

مع الوقت بدأ نجم باسيل بالصعود، فترشح للانتخابات النيابية في العام 2005 والعام 2009. ورغم أنه فشل في الوصول إلى الندوة البرلمانية، لكنه تحول إلى الرجل الأول في التيار من دون منازع، وهو ما جعله يتولى ترتيب كل المناورات السياسية التي أدت إلى تفاهمات بين التيار الوطني الحر من وبعض القوى سياسية، حزب الله أولاً، ومن ثم القوات اللبنانية.

الصراع الداخلي
في 27 آب من العام 2015 انتخب جبران باسيل رئيسا للتيار الوطني الحر، بعد سبع سنوات من تسلمه لأول وزارة (وزارة الاتصالات). في ذلك اليوم بالذات بدأت مرحلة جديدة في التيار الوطني الحر، أقل ما يقال عنها أنها المرحلة الباسيلية بامتياز، ذلك أن الصهر ضرب بيد من حديد سعياً لوضع الجميع تحت إمرته، خصوصاً وأنه تسلم الملف السياسي في التيار بشكل رسمي، فأشتدت الصراعات الداخلية في التيار، بعدما قام باسيل بتحجيم الجميع، بمن فيهم نواب التيار رغم أنه لم يكن نائباً بعد. وقام بفصل عدد من الكوادر المعروفة مثل زياد عبس وانطوان نصرالله وغيرهما من الكوادر الأساسية، التي غادر بعضها إلى فرنسا. لكن المتمرد الأكبر كان نعيم عون ابن شقيق الجنرال عون "أبو نعيم"، "حارس القضية وحامي الشباب" في الأيام الصعبة كالسابع من آب 2001 تحديداً، والذي احتفل التيار بالذكرى الثامنة عشرة له في ضبية منذ أيام.

مشهد الضبية الخائب
لكن أين 7 آب عام 2001 من 7 آب 2019؟ وأين الساحة الأولى من الساحة الثانية؟

بدت ضبيه في الاحتفال الأخير ساحة خالية من المعاني، رغم وجود "المناضلين" الذين كانوا يفتشون عن قضية. فالاحتلال السوري انتهى. والجنرال عون عاد من منفاه الباريسي، ووصل إلى رئاسة الجمهورية. ومؤسسو التيار غابوا، إلا اللواء نديم لطيف، الذي بذل جهوداً أكثر من جبارة لإعطاء الذكرى بعضاً من نكهتها..

بدت ساحة ضبيه خالية من الرفاق. ومن شارك شباب التيار النضال في الماضي من الكتائب والقوات تحديداً غاب عن الساحة. بل وأصبح عدواً استهدفه رئيس التيار بأعنف الكلمات.

لكن الأهم من كل ذلك أن الوطن، الذي طالما حلم به شباب التيار وناضلوا من أجله، بات اليوم أمام مخاطر أقل ما يقال عنها أنها ليست أقل من تلك المخاطر التي ناضل بوجهها الشباب منذ العام 2001.. فإذا كان الهدف الأساسي في ذلك الوقت رحيل الجيش السوري والوصول إلى الحكم، وقد تحقق ذلك، فلماذا لم ينجح التيار في مسيرة إعادة الوطن؟

روما من فوق
سؤال كان يهمس به من كان في ساحة العام 2001 قبل أيام في ضبية، التي تحولت ساحتها - بعيدا عن ضجيج الأغنيات والشعارات والخطابات- إلى استفتاء لجبران باسيل. البعض حمل الظروف الإقليمية المسؤولية، والبعض الآخر قال "إن روما من فوق مش متل روما من تحت". أما الفريق الواقعي منهم فاعترف أن التيار الوطني الحر مع الجنرال ميشال عون، لم يعد نفسه التيار الوطني الحر مع جبران باسيل.

فهل انتقلنا من التيار العوني إلى التيار الباسيلي؟

إذا كان هذا السؤال مشروعاً، فالتساؤل عن الهدف مشروع أيضاً. وهو – للأسف- كان في كل المراحل تعبيد الطريق إلى بعبدا وحسب.

بعبدا.. أرض الأحلام لكل ماروني!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024