كورونا خاتمة قدرية لثورة 17 تشرين؟

نبيلة غصين

الأربعاء 2020/03/25
ربما لم يكن وضع اللبنانيين قبل انتشار كورونا أشفى حالاً بكثير مما هو عليه اليوم. فكثر هم من كانوا، ولو من باب الهزل والمزاح، يناجون "النيزك" أو "ملك الهدم" باعتبارهما الوسيلتين الوحيدتين والأخيرتين للخلاص من بلادٍ ومجتمعاتٍ فقدت مقومات الحياة. فهل حققت كورونا ما أرادوا، جاء "الخلاص"؟! 

دور كورونا
قبل أشهرٍ من جائحة كورونا، كان الحراك الذي بدأ في 17 تشرين الأول 2019 أمل مجموعات الثائرين الوحيد، بعدما أزهقوا طوال سنوات ما في جعبتهم من آمالٍ وطموحاتٍ. جاء الحراك كآخر المحاولات لإنعاشهم وإحجامهم عن السعي للهجرة من هذا "البلد الموبوء"، كان بعضهم يقول.

لكن على الرغم من الزخم والاندفاع اللذين شهدهما الحراك في أسابيعه ألاولى، فإن مسيرته تعرضت لمنعطفاتٍ وإخفاقاتٍ عدة. فعلى مدى أشهر أربعة، عرف الحراك كبواتٍ وحالاتٍ من الشلل، وجد المتظاهرون أنفسهم في أثنائها مكبّلين أمام المطالب وأولوياتها وسبل تحقيقها.

قبل أسابيع قليلة من أخبار انتشار كورونا، كان الحراك قد تحول طقساً أسبوعياً أرهقته لامبالاة الطبقة الحاكمة من جهة، وتخبط المتظاهرين من جهةٍ ثانية. ومع حلولها ضيفاً ثقيلاً على البلاد، لعبت كورونا دورين مزدوجين بالنسبة للحراك: من جهة شكلّت عامل إنقاذ وحجة لحفظ ماء وجه الثورة المشلولة والثائرين ومجموعاتهم. كأنما الحجر المنزلي جاء ليضع خاتمة قدرية للثورة. ومن جهةٍ ثانية، عملت خطة الدولة الواهية لمواجهة كورونا على تأكيد المؤكد والعودة إلى مؤشر بوصلة الثورة الحقيقي: فساد النظام وعجزه برموزه السياسيين كافة، عن تأمين الحماية للبنانيين وتوفير أدنى مقومات الحياة (الغذاء).

محركات خارجية
أكثر من أربعة أشهر مكث المتظاهرون في ساحات وشوارع المدن كافة. ثم حلّ الخوف من تبعثر هذه الجهود التي أوصلت اللبنانيين إلى لحظةٍ تاريخيةٍ استثنائية. خوف من انفراط العقد الذي وحّد فئات لبنانية واسعة، لتعود إلى الوراء، إلى التمترس خلف الأحزاب والقادة والزعماء. كان الخوف من انبعاث الخوف من جديد.

كانت رؤية وجوه المتظاهرين وسماع هتافاتهم مثابة وحيّ جديد، تتراءى لهم فيه ملامح وطن جديد. وكان الهدف إطالة عمر هذا الإنجاز (المولود النقي)، والحفاظ على مبادئه وكلماته. كبّلت هذه الأولويات الحراك الذي مرّ في أوج فترته الذهبية بلحظات شلل، كادت تلاشيه لولا تدخل عوامل من خارجه في معظمها، لتعيد شد عصب المتظاهرين من جديد.

فبعد أسابيع عدة من بدء التحركات التي تعرضت لجملة انتقاداتٍ واسعة على خلفية قطع الطرق، جاءت مشاركة تلامذة لبنان في السادس من تشرين الثاني من كافة المدارس والجامعات لتقول: لا للأحزاب، لا للخوف من تظاهرات تخطت وعي المتظاهرين أنفسهم فكانوا هم سادة الشارع وهم قادة الحراك.

بعد ذلك أصبحت عجلات الحراك بحاجة دائمة إلى من يدفعها أو إلى مسوّغ ما كي تدور: تارة لعب هفوات رجال السلطة دوراً في دفع تلك العجلات. وطوراً كانت اعتداءات واستفزازات مناصري الأحزاب الرافضة للحراك، هي قوته المحركة.

فالهجوم على المتظاهرين في ساحة رياض الصلح شكل منعطفاً جديداً في مسار الحراك، الذي كان يتجدد وينطلق بعد كل حادثة من هذا النوع.

إطلالات عون
ولعبت الإطلالات التلفزيونية للرئيس ميشال عون - كان هدفها طمأنة المتظاهرين - دوراً كبيراً في تسعير نار الثورة. وكان المتظاهرون يتزاحمون على حجز أماكن لخيمهم وكلماتهم في الساحات. تنافسوا على تنسيق المحاضرات التي - على أهميتها - غرقت في معاجم الكلمات والتفسيرات.

وظلت العوامل الخارجية عصب الحراك. فكان لفوز ملحم خلف نقيباً للمحامين دوراً في ضخ روح المثابرة في الثائرين. ثم جاءت موجة اعتقال المتظاهرين. ومع إشتداد الأزمة المالية وتحديد المبالغ المسموح صرفها للمودعين، تحول زخم التظاهرات نحو المصارف.

صور وداعية؟
كانت العوامل الخارجية دينامو الثورة ووقودها، فلم تُنشئ الثورة دوافعها ومنطلقاتها الداخلية. وهذا ساهم في إحباط كثيرين سرعان ما سئموا أعمال الكر والفر.

اليوم في زمن جائحة كورونا القدرية وعزلاتها المنزلية وتقطيعها أوصال المجتمعات والعالم، هل صار ما حدث في الأزمنة السابقة عليها من الذكريات البعيدة؟

وفي هذه الحال ماذا يمكن أن يبقى من ثورة 17 تشرين؟ هل أمست صوراً لبنانية سعيدة ووداعية لعالم ما قبل كورونا الجماعي المتدفق في الشوارع والساحات.

على الرغم من أن ما قالته تلك الثورة هو الغضب والسخط. فإنه كان غضب الحياة والرغبة في العيش والاجتماع والتخالط. وهذا ما أخمده كله هذا الوباء الغامض الزاحف على العالم، كأنه يضع خاتمة صامتة ومرعبة لما سبقه.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024