الوزراء الجدد: وزير مناسب (تقريباً) بوزارة غير مناسبة

وليد حسين

السبت 2019/02/02
قدر لبنان أن يكون له حكومات متعاقبة من ثلاثين وزيراً، جاعلة منه واحداً من أكبر بلدان العالم من حيث عدد الوزراء، رغم حضوره المجهري ديموغرافياً وجغرافياً على خارطة العالم. عُرْف تكرّس على مدى السنوات الفائتة، رغم عدم الحاجة إلى هذا العدد الكبير، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمعيشية والضائقة المالية التي يعيشها البلد.

وإذا كان من جديد يذكر في الحكومة العتيدة فهو التجديد الذي حصل في الطاقم الوزاري، إذ ثمّة سبعة عشر وزيراً، لم يستلموا أي حقيبة وزارية في السابق بين الثلاثين وزيراً، مع حضور شبابي ونسائي لافت. لكن ظاهرة التجديد هذه ورغم "صحيّتها"، لا تمنع شكوك اللبنانيين وتحسّبهم. هم الذين اعتادوا على فساد إداراتهم على مرّ السنوات الطويلة، خصوصاً أنّ أول انطباع يأخذونه عن الوزراء الجدد أنهم مشاريع فساد جديدة. إذ غالباً تترافق الحقائب الوزارية بمشاريع توظيفات "غبّ الطلب" للمستشارين والمنتفعين والأصحاب والأقارب.

وإذا كانت أسس النظام البرلماني الديموقراطي تقتضي وجود أغلبية حاكمة داخل الحكومة وأقلية معارضة خارجها، جاهزة للمساءلة والمحاسبة، فقد شاءت الأعراف اللبنانية التوافقية اللجوء إلى الحكومات الائتلافية. إذ تتقاسم القوى السياسية غير المتجانسة جنّة الحكم وما يرافقها من توزيع للحصص وموارد الدولة. وتتحوّل الحكومة إلى مجلس نيابي مصغّر تتنازعها الأهواء والصراعات السياسية التي تفرمل عجلة الدولة.

الوزراء الجدد
قُضِيَ الأمر وتشكّلت الحكومة الجديدة ذات السبعة عشر وزيراً جديداً، يضاف إليهم وزيرة الداخلية ريّا الحسن، التي كانت وزيرة للمال في حكومة سعد الحريري الأولى. ورغم كون القوى السياسية لم تفصل في تعييناتها للوزراء بين النيابة والوزارة، إلا أن جميع هؤلاء الوزراء الجدد من غير النوّاب. فهل ستحمل سيرهم الذاتية ما يعاكس نظرة اللبنانيين عن فساد طبقتهم السياسية؟

ريّا الحسن



رغم كونها ليست جديدة في العمل الوزاري، سواءً لناحية توليها وزارة المال في الحكومة سعد الحريري الأولى، وعملها الاستشاري لوزراء الاقتصاد والتجارة والمالية، إلّا أن تسلمها لوزارة الداخلية والبلديات، يجعل منها وزيرة أولى على مستوى العالم العربي في تحمّل المسؤوليات المترتبة عن هكذا نوع من الوزارات. فالوزيرة ريا الحسن (مواليد العام 1967) بعيدة عن هذا النوع من المهمات التي تفرضها "الداخلية" سواء لناحية الاختصاص وحملها ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جورج واشنطن، أو لناحية الخبرة العملية الغارقة في عالم الاقتصاد والمال والإدارة.

ندى بستاني



قد تكون خيارات "الوطني الحرّ" في وضع ندى بستاني على رأس وزارة الطاقة والمياه صائبة لناحية السيرة المهنية للوزيرة الشابّة (مواليد 1983). فهي تحمل شهادة دراسات عليا في الإدارة من المدرسة العليا للتجارة في باريس، إلى جانب خبرة عملية في وزارة الطاقة والمياه حيث لعبت دور مستشارة الوزير. وإذا كانت البستاني تعرّف عن نفسها كـ"ناشطة في التيار الوطني الحرّ"، فهذا قد يقلّل من حظوظها في نيل ثقة المواطن، الذي اعتاد على التنعّم بوعود "التيّار" الكثيرة للحصول على الكهرباء الدائمة، التي بقيت مجرّد أوهام.

فيوليت خيرالله الصفدي



على عكس الحسن، لم تكن خيارات الحريري موفّقة في منح وزارة الإعلام للوزير جمال الجرّاح، على حساب تسليم الإعلامية فيوليت خير الله الصفدي وزارة الدولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة. فخبرة الوزيرة الشابّة (مواليد العام 1981) على مستوى التخصص في إدارة الأعمال الدولية، وعلى مستوى تولّي المناصب الإدارية والتنفيذية وعضويتها في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، قد تمكّنها من نيل ثقة الشباب والنساء، إلّا أن مسمّى الوزارة التي تسلّمتها، جعلها عرضة لموجة عارمة من الانتقادات قبل البدء في وظيفتها الجديدة.

مي شدياق



سيرة ذاتية أخرى تختصر واقع اللبنانيين مع تولّي الوزراء لحقائب بعيدة عن اختصاصهم وخبرتهم العلمية، تتمثّل في وقوع خيار القوات اللبنانية على تنصيب الإعلامية مي شدياق (مواليد 1963) في وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية. فالشدياق، الحائزة على شهادة الدكتوراه في علوم الإعلام والتواصل من جامعة باريس الثانية، أوجد لها عملها الإعلامي الكبير ومواقفها السياسية "المتطرّفة" الكثير من الأعداء والمحبّين. وقد أودت بها الجرأة لتصبح عرضة لمحاولة اغتيال أدّت إلى فقدانها ساقها اليسرى وذراعها.

حسن مراد



أفضت التسوية إلى جعل حسن مراد (مواليد 1976) وزيراً عوضاً عن أي عضو من "اللقاء التشاوري" بمن فيهم والده، وتسلّم وزارة دولة لشؤون التجارة الخارجية. وإسوة بالمقعد الوزاري، ورث مراد عن والده "إمبراطورية" الجامعة اللبنانية الدولية، ومؤسّسات "الغد الأفضل"، ومناصب عدّة في جمعيات أهلية، إضافة إلى عضوية في حزب الاتحاد التابع للوالد.  

محمد داوود



على غير عادته، اختار الرئيس نبيه بري وزيراً شاباً لتولي حقيبة الثقافة هو محمد داوود (مواليد العام 1981). السيرة الذاتية للوزير الجديد لا تجعل منه شخصاً أهلاً لتولي هذه الحقيبة، سواءً لخبرته الطبّية أو لشهادة البكالوريوس في علم الأحياء، الحائز عليها من الجامعة الأميركية في بيروت. وحصوله على "جائزة أفضل معلم مقيم" ليست كافية لجعل مواصفاته تنطبق على الوظيفة الملقاة على عاتقه، لكن حصوله على شرف "ابن الشهيد" تجعله يملك مفاتيح جميع الوزارات، إسوة بزملائه السابقين واللاحقين.

حسن اللقيس



جرياً على خيارات حركة أمل "الثقافية" أتى قرار منح وزارة الزراعة إلى الدكتور حسن اللقيس (مواليد العام 1965). فاللقيس بعيد عن عالم الزراعة كونه أستاذ محاضر في كلية الهندسة وحائز على شهادة دكتوراه في هندسة الميكانيك من جامعة INSA - تولوز – فرنسا، لكنه قريب من دوائر صنع القرار داخل "أمل"، كونه رئيس المكتب التربوي المركزي وتسلّم مراكز قيادية من ضمنها عضوية المكتب السياسي.

جميل جبق



على عكس "أمل" اختار حزب الله طبيباً لتسلّم وزارة الصحة هو الدكتور جميل جبق (مواليد العام 1956). فعلى المستوى الأكاديمي درس جبق في كلية الطب بكرواتيا، وأكمل اختصاصه في الطب الداخلي في مستشفى المقاصد والجامعة الأميركية في بيروت. لكن جبق لا ينتمي إلى صفوف الحزب وإن كان مقرّباً منه، وهذا يفسّر وقوع الخيار عليه، في ظلّ أزمة الحزب مع العقوبات الدولية المفروضة عليه.  

محمود قماطي



وزارة جديدة منحها حزب الله لوزيره الجديد محمود قماطي (مواليد العام 1953) الذي تولى وزارة دولة لشؤون مجلس النواب، في تقليد شبيه بوزارة شؤون رئاسة الجمهورية التي ابتدعها حليفه التيّار الوطني الحرّ، في معرض تحضّره لتطويب هذا المنصب بشكل دائم. وبعيدا من سيرته الاكاديمية في حيازة دبلوم دراسات عليا في علم الاجتماع السياسي، يعتبر قماطي من مؤسسي حزب الله متنقلاً في العديد من المراكز القيادية في صفوفه وصولاً إلى توليه منصب نائب رئيس المجلس السياسي، هذا فضلاً عن شغله مسؤول ملف العلاقات مع الأحزاب اللبنانية.
 

صالح الغريب



لم يقع خيار التيّار الوطني الحرّ على صالح الغريب (مواليد العام 1980) لتولي وزارة الدولة لشؤون النازحين بسبب الشهادات العلمية التي يملكها، وعلى رأسها إجازة بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة اللبنانية الأميركية. فقد قضت التسوية بعدم قبول الزعيم وليد جنبلاط بتوزير طلال إرسلان إلى وقوع الخيار على مقرّب من الأخير. إذ أن ّالغريب هو ابن شقيق شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ ناصرالدين الغريب، المحسوب على إرسلان. 

غسان عطالله



في ظلّ الصراع القائم بين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحرّ في الشوف، وقع خيار التيّار على الناشط في المنطقة غسان عطاالله (مواليد العام 1972) لتولي منصب وزير المهجرين. فالوزير الشاب، الحائز على دبلوم دراسات عليا في مختبر الأسنان من جامعة القاهرة، تسلّم منصب منسّق هيئة قضاء الشوف، وملف العلاقة بين التيّار والاشتراكي. ما جعل وقوع الخيار عليه ينحو إلى إتجاهين، شدّ عصب المناصرين لقربه منهم، والدخول على خطّ الوساطات عند الضرورة.  

منصور بطيش



أما تخصيص "التيّار" منصور بطيش (مواليد العام 1954) لتسلّم وزارة الاقتصاد والتجارة فأتى اسماً على مسمّى لناحية تطابق السيرة الذاتية مع مهمّات المنصب. فبطيش تسلّم وظائف إدارية في بنوك عدّة، وهو رئيس لجنة الدراسات في جمعية مصارف لبنان، وعضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

ألبرت سرحان



إسوة ببطيش منح "التيّار" وزارة العدل لألبرت سرحان (مواليد العام 1950).  فهو قاض متقاعد واستاذ محاضر في معهد الدروس القضائية في القانون العام، وفي كلية الحقوق في جامعة الروح القدس – الكسليك، وحائز على دكتوراه دولة في القانون العام - كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية. إلى ذلك عمل كمستشار قانوني لدى وزارة الطاقة والمياه - منشآت النفط.

فادي جريصاتي



ليس في سيرة وزير البيئة الجديد فادي جريصاتي (مواليد العام 1972) ما يغري المواطن في إمكانية حلّ مشاكل البيئة المستعصية، التي يعاني منها البلد. فإذا استثنينا "تنظيمه المؤتمر الثامن عشر للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ"، فسيرته العلمية تقتصر على شهادة في الإدارة العامة والعلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت، وعلى توليه مناصب إدارية بعيدة عن البيئة ومشاكلها. لكنه يحمل في جعبته رتبة "ناشط في التيار الوطني الحر منذ سنة 1989"، تخوّله الدخول إلى الوزارة، لحلّ المشكلات المستعصية وفقاً لوعود التيّار الدائمة.  

محمد شقير



جرياً على عادة اللبنانيين في وضع الوزير المناسب في المكان غير المناسب اختار الحريري رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير (مواليد العام 1968) وزيراً للاتصالات. وبعيداً من كون مجاله التخصصي في كلية إدارة الأعمال الدولية، باريس I.A.C، وخبراته العملية تقع في عالم المال والتجارة، البعيدة عن عالم الاتصالات، فصاحب العديد من الشركات والتي يرأس مجالس إدارتها، يمتلك الأموال الطائلة الكفيلة بدخوله إلى "شبكة" الوزارات.

عادل أفيوني



قضى تقاطع المصالح بين الحريري والرئيس نجيب ميقاتي بمنح وزارة الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات إلى عادل أفيوني (مواليد العام 1969). فرغم حيازته على شهادة ماجستير في هندسة الاتصالات وأخرى في العلوم المالية من جامعة باريس الأولى، إلّا أن سيرته المهنية اقتصرت على عالم الاقتصاد والاستثمار المصرفي وقطاع الاسواق المالية، البعيدة عن التكنولوجيا وعوالمها، وفقاً لما جاء في سيرته الذاتية.

كميل أبو سليمان



قد يكون خيار القوات اللبنانية في منح حقيبة العمل إلى الوزير الجديد كميل أبو سليمان (مواليد العام 1959) خياراً صائباً، لناحية مطابقة مواصفاته العلمية مع المهمّات الوزارية. فهو حائز على شهادات عدّة أهمها ماجيستر في القانون من جامعة هارفرد. لكن المناصب الوظيفية التي يشغلها عالمياً كونه شريك أساسي  في مكتب المحاماة العالمي ديكارت ورئيس مكتب لندن، ورئيس قسم الأسواق الناشئة، والأسواق المالية العالمية، تبقيه بعيداً عن لبنان، لضرورات العمل، وبعيداً عن العمّال وأصحاب العمل ومشاكل السوق اللبناني. 

ريشار قيومجيان



يحمل الوزير ريشار قيومجيان (مواليد 1962) في جعبته العلمية والمهنية مؤهلات تجعل منه وزيراً لمناصب عدّة. فوزير القوات الذي أُختير لتولي وزارة الشؤون الاجتماعية حائز على دبلوم دراسات عليا في السياسة الدولية وشهادة دكتور في جراحة الفم وطب الاسنان، لكن مهمات الحقل الحكومي لا تنطبق غالبا مع حسابات القوى السياسية، في وضع الوزير المناسب في الوزارة المناسبة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024