سيغال ماندلكر "مهندسة" الحرب المالية على حزب الله وإيران

سامي خليفة

السبت 2019/09/07

اختصت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حزب الله وإيران، بضغوط لا تنقطع على مدار عامين ونصف العام، وفرضت عقوبات اقتصادية على شخصيات وكيانات، لإحداث أكبر ضرر ممكن قبل أي مفاوضات. وبينما تبنى ترامب هذا الخط المتشدد، ارتبطت هذه الحرب المالية على نحو خاص، بإمرأة غير معروفة للكثيرين. وهي وكيلة وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب سيغال ماندلكر.

أكثر المسؤولين نفوذاً
ماندلكر، التي ولدت في إسرائيل، وعبرت مراراً عن معاناة عائلتها قبل الهجرة إلى الدولة العبرية، من اضطهاد النازيين.. تُشرف من خلال موقعها على مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك)، وشبكة إنفاذ الجرائم المالية التي تفرض عقوبات على المنظمات والأفراد. وتتمتع بحق الوصول إلى شبكة وكالة الأمن القومي الأميركية (أي مراقبة البريد الإلكتروني أو الفاكس أو المكالمات الهاتفية أو استخدام تطبيقات الاتصالات مثل سيغنال أو تيليغرام). 

عند التعمق في تاريخ مكتب الإرهاب والاستخبارات المالية الأميركي، نجد أنه تم إنشاؤه في إدارة جورج دبليو بوش. وتوالى على رئاسته كل من ستيوارت ليفي، ديفيد كوهين، آدم سزوبين، وراهناً سيغال ماندلكر. وقد ذكر فيليب جيرالدي، ضابط مكافحة الإرهاب السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أن كل من ترأس المكتب جمعته علاقة استثنائية بإسرائيل، أما ماندلكر فقد استهدفت أفراد ومنظمات اعتبرتها إسرائيل ولجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) عدوةً.

تُعتبر ماندلكر أكثر المسؤولين تأثيراً في رسم استراتيجية البيت الأبيض، التي يُأمل من خلالها إرغام طهران والحزب على الإذعان. وهي أكثر نفوذاً من مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، كونها تصنع سياسة ترامب إزاء إيران وحلفائها.

ستيوارت ليفي
خلال فعاليات منتدى "أسبن" للأمن، في شهر تموز المنصرم، عرضت ماندلكر وجهات نظرها المؤيدة لإسرائيل، وقالت "إيران تزعزع الاستقرار في المنطقة. إنها تهدد حليفتنا الكبرى في المنطقة، إسرائيل". وأضافت "يحتاج الأشخاص السيئون إلى المال لفعل أشياء سيئة، ولهذا السبب لدينا نظام العقوبات الشامل. لأننا نعرف أن إيران وحزب الله يهددان شريكتنا العظيمة إسرائيل".

ركزت بعض وسائل الإعلام والمواقع الأميركية على الاعتراف المذهل من جانب مسؤول أميركي بتطوير السياسات الاستفزازية لصالح إسرائيل. وأعادت مواقف ماندلكر إلى تأثرها الشديد بمرشدها ستيوارت ليفي.

يصف الصحافي الأميركي المخضرم فيل وايس، ليفي بالمفكر الصهيوني المتشدد، إذ تمحورت أطروحته للدكتوراه في عام 1985 في جامعة "هارفارد" حول إنشاء إسرائيل، معلناً أن الحركة الصهيونية خلقت دولة "نموذجية أخلاقياً" وستكون "نوراً للأمم الأخرى". وفي فجر ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب"، نجح ليفي في الضغط على فريق بوش للأمن القومي لتوسيع الضغوط على إيران، وأقنعهم بإدراج مصرف إيران المركزي في القائمة السوداء وقطع علاقات طهران بالنظام المالي العالمي. وقد شبه مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في حديثٍ مع صحيفة "نيويورك تايمز" خطوات ليفي بحرب تشارلي ويلسون، في إشارة إلى حملة العضو السابق في مجلس النواب الأميركي عن ولاية تكساس من أجل تقويض الاتحاد السوفياتي عن طريق نقل الأسلحة إلى المتمردين الأفغان. 

تعلمت ماندلكر الكثير من الحيل من مكتب الإرهاب والذكاء المالي من ليفي، فطورت ترسانة مبتكرة من الأسلحة المالية ضد أعداء إسرائيل، وعند توليها لمنصبها في آذار 2017، حصلت على الثناء الفوري من رئيسها السابق ليفي، الذي وصفها بأنها تقدم قيمة إضافية للمنصب.

"جمال ترست بنك"
تزامناً مع فرضها عقوبات في 30 أب 2019 على ناقلة النفط الإيرانية "أدريان داريا 1" وقبطانها، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على "جمال ترست بنك" في لبنان، مدعيةً أنه وبفروعه "قام بتمكين الأنشطة المالية لحزب الله". ولخصت ماندلكر سبب فرض العقوبات، بالتالي "يقدم جمال ترست بنك الدعم والخدمات إلى المجلس التنفيذي لحزب الله ومؤسسة الشهيد، اللذان يوجهان الأموال إلى عائلات المفجرين الانتحاريين".

أثار هذا التعليق استغراب بعض المواقع الأميركية، وحسب موقع " غرايزون"، لم يستخدم الحزب التفجير الانتحاري كتكتيك منذ الثمانينات. كما أن المصرف المذكور تعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العام الماضي، في مبادرات عامة تهدف إلى مساعدة المجتمعات الفقيرة في لبنان. وهناك صورة تجمع نائب رئيس البعثة في السفارة الأميركية في بيروت، إدوارد وايت، مع المدير التنفيذي لـ"جّمال ترست بنك" أنور جمّال (أنظر الصورة).

ونظراً لأن الاقتصاد اللبناني مدولر تماماً، فإن العقوبات تمثل عقوبة الإعدام على المصرف، وتمنعه من تنفيذ معاملات بالعملة الأميركية. وحسب الموقع الأميركي، كانت رسالة ماندلكر المفاجئة موجهة لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، لارتباطه بتحالف مع حزب الله.

مؤتمر "الأفق الجديد"
لا تقتصر أنشطة ماندلكر على ملاحقة التحركات المالية والعسكرية، بل حتى كل ما يزعج إسرائيل من ندوات واجتماعات وغيرها، ومن الأمثلة على ذلك مؤتمر "الأفق الجديد"، الذي جمع خلال الأعوام الستة الماضية مسؤولين حكوميين وصحافيين وسياسيين ونشطاء ومفكرين من أرجاء العالم مع رجال الدين والصحافيين الإيرانيين.

ينظم المؤتمر سنوياً المخرج الإيراني نادر طالب زادة، وزوجته اللبنانية زينة مهنا، وبعد متابعة حثيثة من ماندلكر، تم إدراجهما على لائحة العقوبات المالية هذا العام، من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية. ما يظهر اتساع القائمة السوداء للعقوبات الخاصة بها يوماً بعد يوم، لتصل إلى حدث إعلامي إيراني.

تشرح مهنا، بصدمة ما حدث لبعض المواقع الأميركية قائلةً "تلقيت مكالمة في لبنان بضرورة الذهاب إلى البنك وإغلاق حسابي، وأخبروني هناك بفحوى قرار وزارة الخزانة الأميركية. لقد أغلقوا حسابي، وأعطوني 400 دولار فقط، وطُلب مني بأدب أن أغادر".

تاريخ غامض
احتفت الصحافة الإسرائيلية عام 2017 بتبوء ماندلكر منصبها الجديد، ووصفت الصحيفة اليهودية اليمينية "جويش برس" ماندلكر بأنها "وكيلة خزانة مولودة في إسرائيل"، في حين وصفها موقع "ديبكا فايل" الإسرائيلي، بأنها "إسرائيلية سابقة".

وقد كتب الدبلوماسي الأميركي السابق مايكل سبرينغمان، عن محاولة أحد المسؤولين في وزارة العدل الأميركية، توضيح خلفية ماندلكر، واتصاله بعدد من المنظمات الصهيونية وطلب المساعدة في سد الثغرات عن تاريخها وكيف وصلت إلى الولايات المتحدة وتدرجت بسرعة عبر المناصب الحكومية.

تعمق المسؤول الذي ذكره سبرينغمان في البحث، وبعد مراسلات استمرت شهوراً، رفضت منظمة أيباك، والسفارة الإسرائيلية في واشنطن والخارجية الإسرائيلية الرد على تساؤلات عن ماضيها وما إذا كان الإسرائيلي يفقد جنسيته إذا أصبح مواطناً أميركياً، ليقدم بعدها شكوى إلى المفتش العام لوزارة الخزانة، مشككاً في ولائها للولايات المتحدة. خصوصاً أنها لفقت التهم عن مؤتمر "الأفق الجديد"، باعتباره معاد للسامية، وهو ينعقد دائماً بحضور العرب واليهود؛ ولكونها اكتفت في جلسات مجلس الشيوخ في أيار 2017 بالتحدث عن كيف عانى والداها، قبل أن يهاجرا إلى إسرائيل، ولم تذكر إلا القليل عن مؤهلاتها الخاصة لهذا المنصب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024