لودريان للبنانيين: التفاوض على ترسيم الحدود والصواريخ الدقيقة

منير الربيع

الخميس 2020/07/23
يجزم الديبلوماسيون والمسؤولون الفرنسيون المهتمون بالشأن اللبناني أن باريس لن تتخلى عن لبنان. فهو البلد الذي يعيش صراع هويات أو ولاءات سياسية خارجية. وفيه من لا يزال الحنين يحيله إلى الأم الحنون، ومن يرتمي في الحضن الإيراني، ومن لا يزال يتوق إلى الحضن العربي. وتكر سبحة ولاءات البعض لكل من أميركا وروسيا، التي سيطرت على سوريا، ولها حصتها في لبنان. وهناك من يصوب أنظاره نحو تركيا.

بين فرنسا وأميركا
لكن، وسط كل هذا التضارب تبقى باريس هي الحريصة على النموذج اللبناني، الذي تعتبره صنيعتها، إلى جانب سوريا التي خسرتها منذ زمن قديم، واحتفظت بلبنان بإرسالياته ونظامه وقوانينه وغيرها.

الصراع الدائر والآخذ في هذه المرحلة طابع النزاع على خطوط النفط والغاز ومعابرهما، مع خطوط التجارة ومناطق النفوذ، يحطّ رحاله في لبنان من خلال المبارزة الأميركية - الإيرانية، وما تفرضه من توازنات تتعلق بترسيم الحدود البحرية، وأمن إسرائيل، والحدود اللبنانية السورية. وفي ملف النفط والغاز ثلاث شركات أساسية فازت بالتراخيص: شركة إيني الإيطالية، نوفاتيك الروسية، وتوتال الفرنسية. لكن أميركا لا تريد أن تكون خارج المعادلة، ولو سياسياً واقتصادياً. فيما همها الأساسي أمن إسرائيل وإزالة خطر صواريخ حزب الله عن حدود إسرائيل.

في التراخيص وعمليات التنقيب عن النفط والغاز، باريس حاضرة. كما في كل ملف يتعلق بلبنان. وهي غالباً ما تسعى للبحث عن مخارج لمنع التصعيد فيه وانهياره. ولكن إلى جانب هذه الشركات الثلاث، هناك اعتبارات أخرى لدول أخرى: تركيا تراهن على اتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود في البحر الأبيض المتوسط. وهي حاضرة في ليبيا بناءً على اتفاق استراتيجي مع الحكومة الليبية. والولايات المتحدة الأميركية يفترض أن تكون راعية هذه الاتفاقات كلها.

دور باريس الدائم
وفي ظل التصعيد المفتوح بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، تبادر فرنسا مجدداً في اتجاه لبنان، محاولةً إخراجه من أزمته.

زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للبنان، هدفها استطلاعي واستمزاجي لآراء المكونات اللبنانية، لتكوين صورة حول ما يمكن فعله مستقبلاً. وتستعيد فرنسا دوراً لعبته مراراً في لبنان، وفي سوريا أيضاً أيام نيكولا ساركوزي الذي كان عرّاب الانفتاح على رئيس النظام السوري بشار الأسد في العام 2007. وفي العام نفسه رعت باريس مؤتمر سان كلو، والذي خصص لبحث الأزمة السياسية اللبنانية يومها. مساران متلازمان سارت عليهما باريس ووصلت إلى تسجيل اختراقات في الجدار، أسست لتسويات لاحقة في العام 2009.

أهم ما حدث في مؤتمر سان كلو، هو أن فرنسا حرصت على الصيغة اللبنانية بكيانيتها وحالت دون إسقاطها جذرياً. وكان هناك استعداد فرنسي للبحث في تعديل أو تطوير الدستور والنظام بشكل لا يمس جوهره: إدخال إضافات إلى اتفاق الطائف. وحينها حُكِي للمرّة الأولى عن المثالثة. وتشير هذه الواقعة إلى أن فرنسا لا تمانع حصول تغييرات سياسية ودستورية، وفي شكل السلطة وتركيبتها. لكن ما يهمها هو بقاء الصيغة وحمايتها من الانهيار. وقد يستعيد البعض هذه الثابتة الفرنسية في زيارة لودريان إلى بيروت، ولقائه المسؤولين اللبنانيين.

ثوابت لودريان
يحمل لودريان ثوابت ثلاثة: ضرورة إنجاز الإصلاحات، كفرصة أخيرة لتجنب الانهيار. منع حصول توترات أمنية أو عسكرية. والبحث عن مدخل للولوج إلى مفاوضات جدية مع الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، تؤسس لحلول وتوقف المزيد من التصعيد. وهذا يعني التفاوض حول ملف ترسيم الحدود، والصواريخ الدقيقة.

هذه الثوابت سيبلِّغها لودريان بكل صراحة للمسؤولين اللبنانين، وسيحثهم على السعي لإنجازها. وهذه ملفات ترتبط بأفق الصراع الأميركي - الإيراني وتطوراته.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024